خريج جامعي يبيع العصائر وسط زحام سيارات القاهرة

يبدأ عمله بعد صلاة التراويح.. وشعاره «الرزق يحب الخفية»

محمد.. وأكواب العصير وسط زحام شوارع القاهرة («الشرق الأوسط»)
TT

«الرزق يحب الخفية».. يبدو هذا المثل الشعبي المصري خير تلخيص لحياة الشاب محمد أحمد منصور؛ فقبل شهر رمضان كان محمد في عز حرارة شمس العاصمة المصرية القاهرة يتنقل بين السيارات ليبيع العصير المثلج لسائقي سيارات الأجرة، وقد علت ابتسامة شاحبة وجهه. ومع بدء شهر رمضان تحول إلى العمل في المساء، حاملا صينية عليها أكواب كثيرة ومتجولا بها في شارع الأزهر، أمام الجامع الأزهر الشهير القريب من حي مسجد الحسين، أشهر أحياء القاهرة في ليالي رمضان.

محمد منصور من محافظة بني سويف، إلى الجنوب من القاهرة، وهو حاصل على شهادة بكالوريوس تجارة. وحكى لـ«الشرق الأوسط» أنه متزوج منذ سنة لكنه لم يجد عملا فلجأ إلى هذا العمل. وتابع محمد، أن العرق يغرق ملابسه من كثرة التنقل بين السيارات ويقول: «لا أعرف (شغلة) غيرها لأمتهنها.. كنت أعمل بها في إجازة الصيف أيام الدراسة الجامعية قبل التخرج في جامعة الأزهر».

وحول ما يدر عليه عمله قال محمد (28 سنة) بعين يملؤها الرضا: «أحصل من عملي على 30 جنيها في اليوم. وعملي خلال شهر رمضان يبدأ بعد صلاة التراويح مباشرة ويستمر حتى موعد آذان الفجر أحيانا، حين تهدأ حركة السيارات في الشارع. وفي أيام كثيرة أتناول السحور وأنا واقف على رجلي في الشارع».

ومع أن عمل محمد متعب، فإنه راض به بل وسعيد، وعن نمطه المعتاد قال معلقا: «أذهب إلى أحد محلات العصائر الموجودة خلف الجامع الأزهر، وأحصل على عشر أكواب من عصير القصب والليمون المثلج في كل مرة لأبيعها، ولكن إذا كسر كوب أو فقد فإن مالك المحل يحاسبني عليه»، مضيفا: «الأكواب أمانة في عنقي وأحرص على عودتها سالمة في نهاية اليوم لمحل العصارة، حتى لا أفقد جزءا من دخلي ذلك اليوم».

من ناحية ثانية، يرفض محمد العودة إلى مدينته بني سويف ليزاول المهنة ذاتها وسط إشارات المرور، أو أن يعمل بأي عمل آخر، قائلا - من دون تحفظ - والضحكة تعلو وجهه: «هنا أحصل على فلوس كويسة.. ومستورة والحمد لله». ومع أن قيمة ما يحصل عليه من دخل بسيطة جدا قياسا بتكاليف الحياة المرتفعة في القاهرة، تابع بعفوية: «الـ30 جنيها لا تكفيني طبعا.. بس أعمل أيه، أفضل أن اشتغل يوما بثلاثين جنيها.. أحسن ما أقعد من غير شغل في البيت أندب حظي، وخصوصا أن عندي بيت مفتوح محتاج للفلوس.. كما أنني أعول أمي وإخواتي وزوجتي».

وعن الصعوبات التي يواجهها خلال عمله في رمضان، أوضح أن «كل الصعوبات (مقدور عليها)، لكن الصعوبات من شرطة المرافق كثيرة و (دمها ثقيل)».

وأردف: «شرطة المرافق تلاحقنا وتطاردنا يوميا أنا وباعة المناديل واللب (بذر البطيخ) والترمس.. مش عاجبهم إننا ناكل لقمة حلال من كد عرقنا.. وكثر الشرطيون الذين يأخذون منا ما نحمله لنبيعه، و.. هذا غير المحاضر التي يدونونها ضدنا عند توقيفنا. وهذا طبعا بجانب خطر التعرض لصدمة من سيارة، ذلك أن كثيرين من السائقين يأخذون العصير لشربه ثم ينطلقون مسرعين بسياراتهم.. فأعجز عن اللحاق بهم».

وسألناه عما ينوي فعله في عيد الفطر المبارك، فقال: «العيد دائما إجازة وأذهب إلى بلدتي، لأن الحركة في الشوارع - حسب تعبيره - ضعيفة وثقيلة.. أسعد أيام حياتي عند عودتي لأسرتي في العيد»، لافتا إلى أن عمله بعد العيد وفي الأيام العادية يكون من الصباح حتى المساء.

وعن أطرف المواقف التي قابلته في شهر رمضان، فكر قليلا ثم أجاب: «فوجئت بصاحب سيارة خاصة يطلب مني جميع الأكواب التي كانت معي وذلك قبل السحور، وأعطاني 20 جنيها، وعندما سألته هتعمل إيه بكل هذه العصائر؟ رد على في حنين ونبل، وكانت بجواره زوجته وأولاده، قائلا علشان تلحق تروح تتسحّر يا ابني».

وعن أغرب موقف قابله في شهر رمضان، قال: «مرة وقفت سيارة أجرة، وطلب مني السائق 4 أكواب من العصير، وكان أيضا بصحبة عائلته وأطفاله الصغار. وعندما طلبت منه الحساب، منحني نصف ثمن كوب العصير، وقال لي بالحرف الواحد: أنا لسه خارج بالسيارة على فيض الكريم، فأخذت منه النقود، ودعوت الله أن يبارك فيها، لأن أولاده صِعبوا علي بصراحة».

محمد لم يجب بصراحة عن سعر كوب العصير، لكنه قال لنا: «أبيع الكوب الواحد بـ125 قرشا للسائق العادي.. ولكن هذا السعر غير ثابت، وكل واحد حسب ذوقه. هناك ناس تدفع أكثر وناس أقل، وأيضا كثيرون بيزوغوا (يهربون) من الدفع، وبيقولوا لي: وأنا راجع ها حاسبك.. لكن الحمد لله على كل الأحوال».

أخيرا، بالنسبة للمستقبل تمنى محمد منصور، الذي أمضى أول يوم في رمضان مع أسرته في بني سويف، أن يجد فرصة عمل كريمة أفضل في العام المقبل، لكنه حرص على الإشادة بمواقف صاحب العصارة تجاهه في مساعدته في توفير فرصة عمل شريفة له ولأسرته.