«الركود العالمي» و«الثبات الاقتصادي المحلي» يستقران بمؤشرات التضخم الخليجية

خبراء: عوامل خارجية وداخلية والسياسات النقدية والمالية تعكس التشابه في أرقام المؤشر لدول المنطقة

عوامل خارجية ومحلية أسهمت في استقرار مؤشرات التضخم في دول مجلس التعاون (تصوير: خالد الخميس)
TT

يرجع خبراء اقتصاديون أسباب استقرار أرقام معدلات التضخم المحلي في دول مجلس التعاون الخليجي، إلى تأثره بدرجة كبيرة بالتضخم العالمي، نظرا للاعتمادات العالية لدول المنطقة على الواردات من السلع الاستهلاكية والرأسمالية على حد سواء.

وقال مختصون لـ«الشرق الأوسط» إن السياسة الاقتصادية الخليجية تهدف إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي والتحكم في عرض النقود، بحيث تتوافق معدلات نموه الحقيقية مع معدلات النمو للناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى اتباع سياسة لسعر الصرف أكثر مرونة في ظل تزايد عائدات النفط، وذلك بهدف التقليل من الضغوطات التضخمية وتحقيق مزيد من الاستقرار الاقتصاد.

وأوضح محمد بن عبيد المزروعي الأمين العام المساعد لقطاع المشاريع منظمة الخليج للاستشارات الصناعية أن من المعروف بأن التضخم هو ارتفاع في أسعار السلع الأساسية للمستهلك بشكل غير طبيعي، بمعنى ارتفاعها بشكل غير مقبول للمستهلكين حيث تتباين تلك السلع الأساسية فيما بين دول العالم طبقا للمكونات أو عدد السلع التي تتكون منها سلة السلع لأسعار المستهلك في كل دولة.

وأضاف المزروعي «باعتقادي أن سبب استقرار الأسعار في دول الخليج يعود إلى الكثير من الأسباب والعوامل الخارجية والمحلية وحيث إن دول الخليج لها ارتباط وثيق بالعالم الخارجي فهناك ما يسمى بالتضخم المستورد، ولأن معظم الدول في العالم تعاني من انخفاض وتراجع في والركود ومستوى النمو السلبي، فهذا يدل على انخفاض مستويات الأسعار، وبالتالي انعكاس ذلك على مستوى استقرار مؤشر التضخم في دول الخليج، حيث إن السلع يتم استيرادها بأسعار دون أن تتأثر بأي ارتفاعات نظرا للركود العالمي وهذا ما يسمى بالتضخم الخارجي».

وزاد المزروعي «بالنسبة للتضخم الداخلي فإن لدول المنطقة جهودا في التصدي للتضخم من خلال السياسات النقدية والمالية والإجراءات الأخرى مثل مراقبة الأسعار ومتابعتها والقيام بالمسوحات الدورية في هذا المجال والتي تضعها الجهات المختصة في كل دولة من دول الخليج بما يضمن استقرار الأسعار وعدم تجاوزها الحد الطبيعي المقبول للمستهلكين حرصا من الحكومات لتوفير سبل العيش الكريم للمواطنين والمقيمين في المنطقة».

وأوضح أنه لا يوجد طلب عالٍ وغير طبيعي على السلع الأساسية بسبب توافرها بكميات تلبي حاجات المستهلك، كما أن العرض لها متوازن مع الطلب وأدى ذلك لاستقرار الأسعار.

وقال «إن المكونات لسلة الأسعار تتكون من عدد من السلع تتراوح بين 8 إلى 14 سلعة تضعها الجهات المختصة تتضمن أسعار المواد الغذائية والوقود والملابس والمشروبات والسكن ونحوها، لذلك لا ننسى الجهود التي تبذلها الجهات المختصة في دول مجلس التعاون الخليجي خاصة في الفترة الأخير من مشاريع واستقرار الطلب وأسعار النفط وهذا بطبعه لا يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في دول العالم وبالتالي نستورد البضائع بأسعار جيدة».

وسجلت السعودية نسبة تضخم في يونيو (حزيران) بلغت 4.9 في المائة، في حين بلغ في الكويت 2.8 في المائة، في نفس الفترة، إضافة إلى أنه بلغ في قطر 1.6 في المائة، وفي عمان بلغ نسبته 2.7 في المائة، وفي الإمارات بلغ 0.64 في المائة، وفي البحرين 4.2 في المائة.

من جهته قال فضل بن سعد البوعينين الخبير الاقتصادي إن «هناك تقاربا نسبيا في حجم التضخم بين دول الخليج النقطية وهذا يعود إلى التقارب الاقتصادي، وتوسعها في الإنفاق على مشاريع التنمية مستفيدة من مواردها المالية المتضخمة والمتأتية من النفط فالسياسات المالية التوسعية في دول الخليج النفطية أدت إلى تغذية التضخم المحلي، وهذا ما أدى إلى التشابه النسبي في حركة التضخم».

وأضاف «ينبغي القول إن قطر كانت في فترات معينة تنفرد بارتفاع نسبة التضخم مقارنة بالدول الأخرى، وأحسب أنها ما زالت تعاني من وتيرة الزيادة عطفا على الإنفاق الحكومي، وزيادة الأجور التي أثرت في حجم الطلب المحلي، وأعتقد أن ما يغذي التضخم في دول الخليج هو السياسات المالية التي تنتهجها إضافة إلى التضخم المستورد الذي تسبب به انخفاض أسعار صرف العملات الخليجية مقارنة بالعملات الدولية الأخرى وهذا يعود لضعف الدولار الذي ترتبط به عملات الدول الخليجية».

وأشار البوعينين إلى أنه «من الطبيعي أن تستقر معدلات التضخم في السعودية عند مستوياتها الحالية بعد أن وصلت أسعار السلع والخدمات لمستوى قياسي لا يمكن أن تتخطاه بسهوله؛ وأن القوة الشرائية للأفراد باتت أقل مما كانت عليه وهذا أثر سلبا في حجم الطلب، وانعكس على وتيرة الزيادة في بعض السلع والخدمات، إلا أنه ينبغي القول إن الغلاء ما زال موجودا حتى الآن وانخفاض نسبة التضخم من مستوياته العليا لا يعني بأي حال من الأحوال انخفاض الأسعار، بل تقلص نسبة الزيادة التي كانت عليه من قبل، وهذا ما يفسر بقاء كثير من السلع عند مستوياتها العليا».

واستطرد «إن بعض المجموعات المكونة لمؤشر التضخم تشهد ارتفاعات خاصة في السلع الغذائية، إلا أن تأثيرها على مؤشر التضخم ربما كان محدودا بسبب ثبات المجموعات الأخرى، أو تحركها النسبي، ففي النهاية يتشكل مؤشر التضخم من متوسط المجموعات، وهذا قد لا يعطي صورة دقيقة عن مستوى أسعار السلع، ونموها محليا».

ونوه الخبير الاقتصادي إلى وجود عامل مهم قد يكون مغذيا للتضخم في دول الخليج، وهو السياسة النقدية، فمن المعروف أن السياسات النقدية الخليجية مرتبطة بالسياسة الفيدرالية الأميركية وهذا يحد من قدرتها على تطبيق السياسة النقدية المحققة لمصلحتها بمعنى أن ارتفاع نسبة التضخم تفرض على البنوك المركزية رفع أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم، إلا أن هذا لا يمكن تحقيقه في غالبية دول الخليج التي تعاني من الفائدة الصفرية على الدولار، وهو ما جعلها تساير حركة الفائدة على الدولار.

وزاد «الاقتصاد الأميركي يمر بحالة ركود تستدعي من البنك المركزي خفض أسعار الفائدة لتحفيز الاقتصاد على النمو؛ في حين أن الاقتصاديات الخليجية تعاني من التضخم ما يستدعي رفع أسعار الفائدة للسيطرة عليه؛ ومن هنا نجد أن هناك تضاربا بين حاجة الاقتصاديات الخليجية من جهة والاقتصاد الأميركي من جهة أخرى»، واختتم البوعينين بأن الارتباط النقدي يحد من قدرة البنوك المركزية على استخدام أدوات السياسة النقدية للسيطرة على التضخم أو معالجته.