من للشأن العام!

سعود الأحمد

TT

في مقال سابق تحدثت عن أهمية تطوير النظام المحاسبي الحكومي في مقال بعنوان «متى يتطور النظام المحاسبي الحكومي، وقلت إن القضايا العامة في الدول النامية يتأخر أمر إصلاحها. بالنظر إلى ضعف (وربما غياب) الدور الفاعل للمنظمات الشعبية، لأنها لا تجد لها مطالب! هذا مع العلم بأنه - وفي معظم الحالات - تكون المعالجات ممكنة والمصالح ظاهرة وبتكاليف لا تقارن بالعائد منها.. لماذا؟ لأنه لا يوجد لقضايا الشأن العام من مطالب.

ولعلي أنوه هنا بأن المطالبات عادة يكون لها طرفان.. طرف يطالب بالتصحيح وطرف مطلوب منه التصحيح، وهو إما جهة رسمية أو قطاع خاص. والقاعدة أنه كلما كانت الأطراف من القطاع الخاص كلما كان التجاوب أسرع. بعكس إذا كان الطرف المطلوب منه المعالجة أو التصحيح جهة حكومية لأنها هنا الخصم والحكم إن أرادت أن تتفاعل أم لا. وكلما كان هناك مُطالب يسعى ويُلح في مطالبته؛ كلما كان ذلك أدعى لسرعة المعالجة.. و«الحقوق تبي حلوق»، كما يقول العامة.

وبالمناسبة.. فمثل هذه القضية المهمة هي مما يُعرف بقضايا «الشأن العام» أو «المصلحة العامة» التي تنتظر طويلا لمعالجتها، حتى لو كانت المصلحة فيها ظاهرة للجميع! وأدلل على ذلك بمثال ظاهر للعيان. وهو جدران الأنفاق والطرق التي شُقت وتُشق في أوساط وجنبات الجبال، فنحن نراها تبقى على حالتها الصخرية لعشرات السنين. ومنها على سبيل المثال طرق في العاصمة السعودية الرياض كطريق الحجاز المنحدر من سلسلة جبال طويق (جبال الجدية) ومثله طريق الرياض الدائري، ومثلها بقية طرق المملكة المحفورة في الجبال والتي تبقى جدرانها عارية نطالعها منذ إنشائها وكأنها لم تستكمل! هذه الطرق والأنفاق بقيت عليها لمسات فنية بسيطة بمبالغ بخسة مقارنة بتكاليف إنشائها! كأن تُنَّعم جدرانها بالأسمنت ثم تُدهن بألوان جميلة فاتحة، لتعكس الإضاءة وتزين هذه الطرق وتهدي السائرين فيها.. الذين عددهم بالملايين يوميا بشكل أفضل! وهذه الدهانات يمكن التفنن فيها بلمسات جمالية لتكمل ضخامة مجهودات الدولة التي بذلت في هذه المشاريع الضخمة وتؤكد أنه تبعها إتمام وإتقان.. لكن السؤال: من الذي يُطالب بمثل هذه الأعمال؟ للأسف: لا أحد. لماذا؟! لأنها شأن عام، ليس فيها مصلحة شخصية لأحد! ولعلي أُعيد توجيه السؤال لأقرب جهة (أحسب أنها) معنية بهذا الشأن، وأفترض أنها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، وأقول: ماذا لو تقدم مقاول مستثمر وطلب استئجار هذه الجدران بملايين الريالات، وتعهد أن يطليها بأفخر الدهانات وينورها بأفضل الإنارات بشرط أن يضع عليها إعلانات دعائية، كما هو الحال ببعض المدن والعواصم العالمية؟! للأسف من المؤكد أنه سيجد العراقيل والتعقيدات أمامه! أكثر من ذلك: لو جاء مستثمر يطلب استئجار هذه المرتفعات بهذه البقع الصحراوية الجرداء على مرتفعات أطراف جبال طويق المطلة، ليضع عليها مشاريع مقاه ومتنزهات واستراحات.. لا شك أنه سيواجه بعراقيل لا حصر لها. ولذلك مثل هذه المصالح تبقى حبيسة لا تُنفذها الحكومة، ولا يُعهد بها للآخرين ليطوروها!!

* كاتب ومحلل مالي