اليمن: 45 قتيلا في هجوم انتحاري استهدف مجلس عزاء جنوب اليمن

مصدر رسمي لـ «الشرق الأوسط»: «القاعدة» لجأت لأهداف سهلة بعد تمكن الأمن من إحباط عملياتها في صنعاء

يمني ينظر إلى صور ضحايا التفجير الانتحاري في أبين التي عرضت في صنعاء أمس (أ.ف.ب)
TT

عاود تنظيم القاعدة، مجددا، عملياته الانتحارية، وهذه المرة استهدفت عزاء بمدينة جعار، ثاني مدن محافظة أبين، كما توصف، في جنوب اليمن، حيث نفذ التنظيم، قبيل منتصف ليل أول من أمس، تفجيرا انتحاريا كبيرا في محافظة أبين، أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، وهو التفجير الأول من نوعه منذ دحر التنظيم عن المناطق التي كان يسيطر عليها، هذا في وقت أعلنت السلطات اليمنية مقتل 4 من مسلحي «القاعدة» في غارة جوية بمحافظة حضرموت.

وقالت مصادر طبية في مستشفى الرازي بجعار لـ«الشرق الأوسط»، إن أكثر من 45 شخصا سقطوا قتلى في التفجير الذي تم بواسطة انتحاري يعتقد أنه كان يلف حزاما ناسفا حول جسده واستهدف مجلس العزاء الذي كان معظم مرتاديه من قيادات وأعضاء اللجان الشعبية. وأضاف الدكتور أيوب البغدادي، أحد الأطباء المناوبين في المستشفى أثناء نقل القتلى والجرحى إليه، أن الإصابات التي تعرض لها القتلى كانت في معظم أجزاء الجسم، وأن ما شاهدوه كأطباء هو إصابات قاتلة وخطيرة في عملية انتحارية بكل ما تعنيه الكلمة، وأشار البغدادي إلى أن بعض العائلات قامت، على الفور، بتسلم جثامين أبنائها والقيام بدفنها، وقال الطبيب اليمني إن بعض المصابين في حالة خطرة وجرى نقلهم إلى مستشفى النقيب بمحافظة عدن المجاورة، وذكرت مصادر محلية يمنية أن بين قتلى التفجير عددا من أفراد أسرة عبد اللطيف السيد، قائد اللجان الشعبية في محافظة أبين وبينهم: عارف السيد وعبد السلام السيد شقيقا عبد اللطيف السيد، وسقوط عشرات الجرحى من اللجان والمواطنين.

وقالت السلطات اليمنية إنها شرعت في التحقيق في الحادث الذي وصفته بالإرهابي، في محاولة لمعرفة هوية الانتحاري الذي فجر نفسه، وكانت اللجان الشعبية، التي استهدفها التفجير، ساندت ودعمت القوات الحكومية عسكريا، خلال المواجهات التي خاضتها، الأشهر الماضية، ضد عناصر تنظيم القاعدة، إبان سيطرتهم على معظم مدن وبلدات محافظة أبين، وساهمت اللجان بشكل كبير في دحرهم من تلك المدن.

ونفذ مسلحو «القاعدة»، الأيام القليلة الماضية، سلسلة من الهجمات الفردية المحدودة، أسفرت عن مقتل عدد من أفراد الشرطة ومواطنين في أبين، بعد تهديدات بالعودة والانتقام عبر بيانات وزعت مطلع شهر رمضان.

وفي تعليق على العملية، قال راجح بادي، مستشار رئيس الوزراء اليمني للشؤون الإعلامية، في تصريحات أدلى بها لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من صنعاء: «عاد (أنصار الشريعة) إلى تكتيكاتهم القديمة بعد تمكن الجيش اليمني واللجان الشعبية من إنهاء سيطرتهم على محافظة أبين التي استمرت قرابة عام»، وأضاف «كان من المتوقع أن يحاول التنظيم القيام بمثل هذه العمليات من أجل إرسال رسائل للداخل والخارج تقول إنني ما زلت موجودا وقادرا على تنفيذ ضربات في أي وقت وأي مكان». وأشار بادي إلى أن هذه العملية لا تؤشر إلى قوة التنظيم بقدر ما هي علامة ضعف، وقال: «بعد إفشال قوات الأمن للكثير من العمليات التي حاول تنظيم القاعدة القيام بها في صنعاء وعدن ضد بعض المراكز الحساسة، لجأ التنظيم إلى مثل هذه العمليات سهلة التكاليف بالنسبة له». وفي سؤال لـ«الشرق الأوسط» عن مدى وجود قوات الأمن وشكوى المواطنين بأن قوات الأمن لم توجد بالشكل المطلوب بعد تطهير الجيش للمنطقة من مقاتلي «القاعدة»، قال بادي: «قوات الأمن موجودة في المحافظة، ولذلك لجأت (القاعدة) إلى ضرب أهداف سهلة تمثلت في تجمع عزاء للمواطنين، وهذا يؤشر إلى ضعف التنظيم وليس قوته بعد الضربات التي تلقاها من الجيش واللجان الشعبية».

غير أن مسؤولا محليا قال إنه يحمّل الحكومة جزءا من المسؤولية لغياب الأمن في المحافظة. وقال الأمين العام للإدارة المحلية في جعار، ناصر عبد الله المنصري، لوكالة الصحافة الفرنسية: «أحمل السلطات بصنعاء جزءا من المسؤولية عما حدث، وبالأخص وزارة الداخلية التي لم تتجاوب معنا بمد محافظة أبين بقوة أمنية منذ خروج (القاعدة) منها» في منتصف يونيو (حزيران). وأضاف: «إن جعار وغيرها من مدن محافظة أبين لا وجود للأمن فيها، وعناصر (القاعدة) موجودون في جميع المدن وبشكل سري»، مبديا تخوفه من تفاقم أعمال العنف وإقدام «القاعدة» على استهداف المدنيين الذين وقفوا مع الجيش في معركته لاستعادة محافظة أبين التي ظلت غالبية مدنها تحت سيطرة التنظيم المتطرف لأكثر من سنة. وقال المنصري: «أتوقع أن تشهد مدن أبين عمليات أكبر مما حدث في جعار، لأن (القاعدة) تريد أن تنتقم من اللجان والسكان الذي ساهموا في طردها». وتابع: «ما دام هناك فراغ أمني ولم تتجاوب الحكومة معنا فسيزداد الوضع سوءا».

وفي السياق ذاته، قال الخبير في شؤون مكافحة الإرهاب وتنظيم القاعدة، سعيد عبيد الجمحي، إن تنظيم القاعدة لم يهزم في محافظة أبين اليمنية الجنوبية بصورة نهائية، مدللا على ذلك بالعملية الانتحارية التي جرت في مدينة جعار والتي راح ضحيتها أكثر من 45 قتيلا، معظمهم من عناصر اللجان الشعبية التي تقاتل «القاعدة» في المحافظة. وأضاف الجمحي لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا المشهد يمثل عودة قوية لـ(القاعدة) وعودتها كانت أمرا متوقعا، واللجان الشعبية هي إحدى الركائز الأساسية التي استطاعت الدولة (اليمنية) أن تهزم بها (القاعدة)، ومن الطبيعي أن تعود (القاعدة)، لأنه أصبح لها عدوان كبيران - اللجان الشعبية والقوات الحكومية»، وهي «تعود بقوة، كما وعدت».

في موضوع متصل، قتل 5 عناصر من تنظيم القاعدة في غارة جوية على سيارة كانت تقلهم في ضواحي مدينة القطن بمحافظة حضرموت (الوادي)، وتشير مصادر محلية إلى أن الغارة نفذتها طائرة أميركية من دون طيار، ويعلق على الحادث الباحث الجمحي لـ«الشرق الأوسط» بأنه في تقديره أن «الأميركيين هم الذين يحاربون (القاعدة)، حاليا، بشكل مباشر، لأن الأميركيين هم الذين يمتلكون المعلومات الأكبر والأكثر غزارة عن وجود عناصر التنظيم وتحركاتهم، خاصة بعد خروجهم من زنجبار، عاصمة أبين، بصورة تفوق ما لدى الاستخبارات اليمنية من معلومات عن هذه التحركات، بدليل أن الضربات التي تستهدف هذه الجماعات تمت في مناطق صعبة، كمنطقة القطن بحضرموت والمحفد في أبين، ولا يمكن للطائرات الأميركية أن تنفذ أية ضربات ما لم تمتلك معلومات استخباراتية واضحة وحقيقية».