العالم يستعد بخطط «ما بعد الأسد»

أميركا تسعى لتفادي «أخطاء العراق».. وإيران تبحث عن استمرار نفوذها

عناصر من الجيش الحر تتبادل النار مع القوات النظامية في حي صلاح الدين بحلب أمس (أ.ف.ب)
TT

في ظل احتدام الأزمة السورية المندلعة منذ أكثر من 17 شهرا، تتناحر الأطراف الدولية حاليا حول حتمية رحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة من عدمه.. لكن الجميع - بمن فيهم أقرب حلفاء النظام السوري - أصبح يتسابق لوضع خطط مستقبلية لمرحلة ما بعد رحيل الأسد، رغم أنه لا أحد من أطراف الصراع يعرف يقينا متى تحين هذه اللحظة.

ويأتي إعلان فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم الخارجية الأميركية في بيان صحافي أمس عن زيارة الوزيرة هيلاري كلينتون إلى تركيا يوم السبت المقبل للتباحث حول الوضع السوري نقطة مهمة في خطط المعسكر الرافض لبقاء الأسد في السلطة، الذي تقوده الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا مع مجموعة من الدول العربية، إلى جانب تركيا التي تعتبر إحدى أهم منصات ذلك التوجه ولاعبا بارزا في هذا المجال.. لأنها ملاصقة لسوريا، ويمكن أن تكون عنصرا مهما سواء في حال تطبيق منطقة معزولة، أو ممر آمن لتمرير السلاح والعتاد إلى ثوار سوريا، أو في حال الذهاب إلى أبعد من ذلك وتنفيذ ضربات جوية أو عسكرية ضد النظام السوري؛ وهو الأمر الذي تحاول تلك الدول تجنبه قدر المستطاع.

وقالت مصادر إخبارية أميركية إن الاجتماع سوف يشكل جزءا من تجديد الجهود الدولية الرامية إلى معالجة الأزمة المتصاعدة في سوريا. وإن التوقعات إزاء إمكانية التوصل إلى حل عن طريق التفاوض منذ استقالة كوفي أنان، مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية، قد أصابها الشلل. وأيضا، بسبب فشل مجلس الأمن في حل المشكلة.

وأشارت صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير لها أول من أمس إلى أن وزارتي الخارجية والدفاع (البنتاغون) الأميركيتين بدأتا التنسيق في ما بينهما بالفعل لـ«مرحلة ما بعد الأسد»، موضحة أن الوزارتين تضعان نصب أعينهما ما نتج عن الغزو الأميركي للعراق عام 2003 من فوضى وعنف؛ بصفته مثالا واضحا لأخطاء يجب تجنبها في مستقبل سوريا.

وتحاول الإدارة الأميركية أن تحافظ على مؤسسات الدولة بعد سقوط الأسد، وأن لا تقوم المعارضة باستهداف تلك المؤسسات و«إذابتها»، بحسب قول مسؤول رسمي طلب عدم تعريفه مقابل إماطة اللثام عن جزء من تلك الخطط المستقبلية.

وعلى الرغم من أن البيت الأبيض استبعد القيام بأي تدخل عسكري في سوريا، فإن وزارة الدفاع الأميركية تعكف على صياغة خطط طوارئ لعمليات مع حلفائها من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أو حلفائها الإقليميين، لإدارة تدفق عدد كبير من اللاجئين على الحدود السورية والحفاظ على ترسانة البلاد من الأسلحة الكيميائية.. خاصة عقب تلاشي الأمل في تسوية الأزمة من خلال المسالك الدولية بعد إصرار روسيا والصين على استخدام «الفيتو» للمرة الثالثة في مجلس الأمن أمام أي محاولات لإدانة نظام الأسد.

ومع توقع الإدارة الأميركية حدوث توتر ضخم في سوريا عقب سقوط الأسد، مما قد يشمل أحداث عنف عرقية وطائفية ربما تفوق ما حدث بالعراق، فإن هناك مرحلة من «الغموض المرعب» قد تلي سقوط الأسد، بحسب تعبير المسؤول الأميركي.. خاصة أن الإدارة الأميركية لا تريد أن تبدو في شكل «المتدخل» في الشؤون السورية، أو تشكيل حكومة انتقالية في المستقبل، رغم أن واشنطن ستتأثر لا محالة في حال حدوث أي اضطرابات في تلك المرحلة.

لكن جهود البنتاغون في التخطيط للمستقبل ازدادت مؤخرا، وذلك بالتزامن مع إعلان الإدارة الأميركية - وغيرها من الدول - توسيع المساعدات العلنية والسرية للمعارضة السورية. وفي حين أن الإدارة الأميركية استبعدت أن تقوم بتسليح المعارضة بشكل مباشر، قالت الصحيفة إن مجموعة صغيرة من ضباط إدارة الاستخبارات (سي آي إيه) تقوم بالتنسيق مع دول أخرى تمد المعارضة بالسلاح، وذلك لتبين الجهات التي تحصل على تلك الأسلحة، إلى جانب محاولة العمل على توحيد المعارضة السورية في كيان يمكن الاعتماد عليه مستقبلا ويمنع انهيار الدولة عقب سقوط الأسد.

ويجري تنسيق جهود المساعدات من قبل نائب وزيرة الخارجية ويليام بيرنز، الذي كان يعمل في مكتب شؤون الشرق الأدنى أثناء التخطيط للغزو الأميركي للعراق في عام 2003. وقامت وزارة الخارجية بإنشاء عدد من «الخلايا» المنفصلة، تقوم على دراسة الأوضاع في «سوريا ما بعد الأسد»، سواء الاقتصادية أو الإنسانية أو الأمنية، أو حتى كيفية التعامل مع الأسلحة الكيماوية، والتحول السياسي، ووضع الخطط لمواجهة الانهيار المحتمل. وفي ما يخص جزئية التحول السياسي، فإن السفير الأميركي السابق لدى سوريا روبرت فورد يقود هذا التوجه، حيث التقى الأسبوع الماضي مع أكثر من 250 معارضا سوريا في القاهرة، في محاولة لتوحيد صفوف المعارضة وتشكيل حكومة انتقالية. كما قام البنتاغون أيضا، بمعاونة القيادة المركزية، بإنشاء مجموعة مماثلة من خلايا التخطيط، والمعروفة باسم «فرق عمل الأزمة»، التي تركز على الحالات الطارئة التي يمكن أن يتعرض لها الجيش الأميركي. لكن مسؤولين كبار رفضوا إعطاء مزيد من التفاصيل حول عملها.. وبطبيعة الحال، يأتي «الحفاظ على مخزونات الأسلحة الكيماوية، وهي مهمة عسكرية بحتة» على رأس تلك الحالات، بحسب أحد المسؤولين.

وعلى الجانب الآخر، يوضح خبراء أن إيران، حليفة الأسد الوثيقة التي لم تغير من خطابها الرافض لمناقشة مسألة سقوط الأسد، تدرس من وراء الكواليس خطة بديلة في حال سقوطه من أجل الحفاظ على نفوذها في سوريا.

ويوضح بيرم سينكايا، خبير السياسات الإيرانية ومحاضر في قسم العلاقات الدولية بجامعة يلدرم بايزيد في أنقرة، لصحيفة «توادي زمان» التركية، أن طهران على الأرجح ستستغل التنافس العرقي والديني والسياسي من أجل تأجيج الفرقة الداخلية سعيا للحفظ على نفوذها بعد الأسد.. موضحا أن «الفرقاء سيلجأون حتما وقتها للحصول على الدعم الإيراني، وإيران بالتأكيد لن تخذلهم في ذلك». ويقول سينكايا إن ما يظهر حتى الآن من خلافات حادة بين أطراف المعارضة السورية، يمكن أن تستغله إيران لدعم بقايا النظام البعثي وإيجاد موطئ قدم للحفاظ على مصالحها.

ويستند سينكايا في رأيه إلى أن إيران لها تاريخ سابق في «الحروب بالوكالة» في عدة دول، ومنها أفغانستان والصومال ولبنان.. كما أنها ساهمت في زعزعة الاستقرار في دول مثل الصومال واليمن والعراق.

من جهة أخرى، أكدت سوزان مالوني، الباحثة في معهد «بروكنغز» المتخصصة في شؤون إيران، أن طهران تستغل الأزمة السورية «وسيلة لصرف تركيز المجتمع الدولي عن توجيه ضربات عسكرية لها جراء الخلاف على برنامجها النووي المثير للجدل»، مما قد يسفر - بحسب مراقبين - عن تخطيط إيران لاستمرار التوتر في سوريا، مع المحافظة على نفوذها هناك، في مرحلة «ما بعد الأسد».