غزة: كيان منفصل لا يمكن أن يعيش طويلا

مستقل بذاته ومحاصر ويشكل صداعا لحاكميه وللمصريين والإسرائيليين والسلطة الفلسطينية

TT

لم يجافِ رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض الحقيقة حين قال إن قطاع غزة أصبح الآن مثل كيان قائم بذاته، وهو وصف ينطبق على واقع صعب لمنطقة جغرافية محاصرة منذ 5 سنين، ومع ذلك، لا ينقصها ربما سوى انتخاب رئيس لتصبح شبه دولة. وقطاع غزة هو المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، وهو على شكل شريط ضيق شمال شرقي شبه جزيرة سيناء ويمتد على مساحة 360 كيلومترا مربعا (طوله 41 كيلومترا، وعرضه يتراوح بين 5 كيلومترات و15 كيلومترا).

تحد قطاع غزة إسرائيل شمالا وشرقا، ومصر من الجنوب الغربي، والبحر المتوسط غربا، وهو مغلق بـ7 معابر هي: المنطار (كارني)، وبيت حانون (إيريز)، والعودة (صوفا)، والشجاعية (ناحل عوز) وكرم أبو سالم (كيرم شالوم)، والقرارة (كيسوفيم)، ورفح.

يشكل القطاع الذي يعيش فيه قرابة مليون و700 ألف فلسطيني، مع الضفة نواة الدولة الفلسطينية الموعودة. ولكن في 2007 وجهت حركة حماس الفلسطينية للسلطة ضربة قاصمة، فقاتلت القوات الفلسطينية وهزمتها وطردتها إلى الضفة وسيطرت على القطاع في 14 يونيو (حزيران) 2007.

ومنذ ذلك الوقت لم يعد القطاع تابعا للسلطة، فبات الفلسطينيون يعيشون تحت سلطتين؛ واحدة في الضفة وأخرى في غزة.

يحكم القطاع الآن حماس، وله رئيس حكومة ووزراء ووزارات وشرطة وجيش وقوات مسلحة ومفتٍ ونائب عام ومحاكم قضائية وهي مستقلة في كل ذلك بما في ذلك تطبيق قوانين غير موجودة في الضفة.

وقال المحلل السياسي هاني المصري: «نعم، إنه كيان قائم بذاته.. هكذا يقول الواقع، لكن يجب أن لا نتعامل معه على هذا الأساس». وأضاف: «استمرار ذلك يمأسس الانقسام». ويصف المصري قطاع غزة بأنه تحول إلى كيان سياسي منفصل عن الضفة، غير أنه لا يرى أن هذا الكيان يمكن أن تكتب له الحياة طويلا عبر التحول إلى مستقل ودائم، وأوضح: «الاعتراف به صعب، وعلى حماس أن تقدم تنازلات ستفقدها مصداقيتها، كما أن مقومات القطاع الاقتصادية ومساحته الصغيرة ومحيطه لا يسمح بذلك». وأضاف: «موقف مصر أيضا مهم، مصر لا تريد أن يكون هناك كيان منفصل مستقل لأنها ستتحمل المسؤولية لاحقا».

وتقول حماس هذا الكلام نفسه، بل تؤكد أنها غير معنية بإعفاء الاحتلال من مسؤولياته باعتبار القطاع غير محرر. وكان هذا مثار نقاش بين رئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية، والرئيس المصري محمد مرسي في زيارة هنية الأخيرة نهاية يوليو (تموز) الماضي للقاهرة. وناقش مرسي وهنية مجموعة من الملفات التي حملها رئيس الوزراء المقال معه؛ ومن بينها، بحسب مكتب هنية، ملف الحصار الإسرائيلي، وملف معبر رفح، وملفات الكهرباء والوقود، وإعادة إعمار غزة، والمصالحة، والملف الصحي.

وطالما كان مطلب حماس الأساسي من مصر رفع الحصار عن غزة بشكل كامل، وكان هنية يمني النفس بوعود من هذا القبيل بعد فوز الرئيس الإخواني في مصر، بما في ذلك فتح معبر رفح بشكل كامل وإقامة منطقة تجارة حرة بين مصر غزة، وحل مشكلات أخرى، غير أن مرسي المتفطن لمعادلات داخلية وخارجية، وعد هنية بتخفيف الحصار وليس بإنهائه، ودراسة طلباته الأخرى.

وأعطى مرسي هنية وعودا بتحسين حياة الناس وليس رفع الحصار، وجرى التوافق على زيادة ساعات العمل في معبر رفح لتصبح 12 ساعة بدلا من 8، ودراسة الحالات الممنوعة من السفر عبر مصر أو يجري ترحيلها مباشرة إلى غزة، مع وعود بحل مشكلات الكهرباء والصحة، عبر زيادة كميات الوقود القطري، والسماح بإدخال أدوية إلى غزة. وبحسب المصادر، فقد رفض مرسي طلب إقامة منطقة تجارية حرة لأن الأمر مرتبط بموافقة إسرائيل على ذلك. وناقش الاجتماع أيضا ملفي المصالحة والأمن في سيناء.

وتعكر سيناء صفو العلاقة المصرية مع غزة التي تعتبر علاقتها أيضا بإسرائيل متوترة بسبب هجمات متبادلة بين الطرفين، وهو التوتر القائم مع السلطة أيضا بسبب الانقسام. ويمكن القول إن القطاع يشكل صداعا للجميع: الذين يحكمونه، وإسرائيل، ومصر، والسلطة. وتتهم مصر عناصر من غزة بالمشاركة في عملية قتل جنود مصريين قبل يومين في العريش.

وتنتشر في غزة جماعات جهادية كثيرة تستلهم فكر «القاعدة»، ومعظمهم خرج من فصائل فلسطينية إسلامية وسطية مثل حماس والجهاد بعد سيطرة حماس على القطاع.

وتقول السلطة الفلسطينية إنه يجب «اجتثاث الأسباب والبيئة التي ولدت وترعرعت في كنفها عصابات القتلة، وأخذت على عاتقها مهمة العبث بأمن واستقرار ليس مصر وشعبها وجيشها فحسب؛ بل وبالقدر ذاته بأمن وسلامة الشعب الفلسطيني، خاصة في قطاع غزة الذي ما زال يرزح تحت وطأة الحصار الإسرائيلي الظالم».

لكن حماس التي ترى أن ذلك مرتبط بقدرتها على الحكم، تدافع عن نفسها بالقول إنها تحارب هذه الجماعات وإن غزة ليست متورطة في أي أعمال ضد مصر. وعلاقة غزة بمصر استثنائية.

وكان القطاع بين 1948 و1956 قد خضع لحكم عسكري مصري، ثم احتله الجيش الإسرائيلي لمدة 5 أشهر في العدوان الثلاثي عام 1956.

وفي مارس (آذار) 1957 انسحب الجيش الإسرائيلي فجددت مصر الحكم العسكري على القطاع. وفي حرب 1967 احتلته إسرائيل ثانية مع شبه جزيرة سيناء، وفي 1982 أكملت إسرائيل انسحابها من سيناء بموجب معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية، ولكن القطاع بقي تحت حكم عسكري إسرائيلي؛ إذ فضلت مصر عدم تجديد سلطتها عليه.

ودخلت إلى القطاع السلطة الفلسطينية، وحكمته بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، وفي فبراير (شباط) 2005، صوتت الحكومة الإسرائيلية على تطبيق خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون للانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة وإزالة جميع المستوطنات الإسرائيلية والقواعد العسكرية وإخلاء المستوطنين من القطاع.

وتقول السلطة ومصر وحماس إن القطاع على الرغم من الانسحاب الإسرائيلي، فإنه لا يزال محتلا؛ إذ تعيش غزة تحت حصار جزئي، وهو حصار مثار خلاف؛ إذ يراه البعض «مفيدا» لعدم إعفاء الاحتلال من مسؤولياته، ويراه البعض الآخر جريمة كبرى يجب أن تنتهي بغض النظر عن النتائج السياسية. وقال المصري: «ألا يمكننا مثلا أن نطالب بإنهاء الحصار وننهي معه الانقسام».