ممثل خامنئي يلتقي الأسد في دمشق.. والعلاقات الإيرانية ـ التركية تتعرض لاهتزاز «كلامي»

لاريجاني يتوعد الولايات المتحدة ودول المنطقة إذا قتل المخطوفون الإيرانيون.. وأنقرة تطلب من طهران «احترام الجيرة»

الأسد لدى لقائه بسعيد جليلي أمس ولم يتسنى لـ «الشرق الأوسط» التحقق من مكان انعقاد الاجتماع (رويترز)
TT

فعّلت إيران أمس حركتها الدبلوماسية في لبنان وسوريا وتركيا، بعد إعلان طهران أن الولايات المتحدة مسؤولة عن حياة الإيرانيين الـ48 الذين خطفوا السبت في دمشق، متوعدة «الولايات المتحدة وبعض دول المنطقة»، على لسان رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، بالرد، بعد تحميل تلك الدول مسؤولية «قتل الزوار الإيرانيين».

ووصل سعيد جليلي، ممثل المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي إلى دمشق، أمس، حيث التقى الرئيس السوري بشار الأسد، بعد اختتام زيارته إلى لبنان، حيث التقى مسؤولين لبنانيين والأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله.

وأكدت إيران للرئيس بشار الأسد أمس أن سوريا شريك حيوي في تحالف طهران الإقليمي المناهض لإسرائيل، الذي لن تسمح إيران بأن ينكسر نتيجة للانتفاضة التي قالت إنها مدعومة من الأعداء المشتركين للبلدين.

ونقل التلفزيون السوري الحكومي عن سعيد جليلي، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران، قوله للأسد إن «إيران لن تسمح بأن ينكسر بأي طريقة محور المقاومة الذي تعتبر سوريا جزءا أساسيا منه».

وقال جليلي إن «الانتفاضة ليست أمرا محليا لسوريا وإنما صراع بين محور المقاومة وأعدائه في المنطقة والعالم».

ومن جهته، تعهد الرئيس السوري بشار الأسد بـ«تطهير البلاد من الإرهابيين ومكافحة الإرهاب دون تهاون». وشدد الأسد خلال لقائه مع جليلي والوفد المرافق له على أن «سوريا ماضية في الحوار الوطني، وهي قادرة بإرادة شعبها على إفشال المشاريع الخارجية التي تستهدف محور المقاومة في الشرق الأوسط ودور سوريا فيها».

واجتماع جليلي مع الأسد الذي عرضه التلفزيون السوري هو أول لقطات فيديو تذاع للرئيس في أسبوعين.

ويأتي ظهور الأسد بعد يوم من انشقاق رئيس وزرائه وانضمامه إلى المعارضة، وقد أثار غياب الأسد شائعات عن صحته منها رسالة نشرت على «تويتر»، أول من أمس، على أنها من السفير الروسي في دمشق قالت إن الأسد ربما يكون قتل.

وخلال أسبوع، بعد تفجير دمشق في 18 يوليو (تموز)، الذي قتل فيه 4 من كبار مسؤولي الأمن، ظهر الأسد مرتين في لقطات تلفزيونية صامتة، بينما كان وزير الدفاع الجديد يؤدي أمامه اليمين الدستورية، وخلال اجتماعه مع قادة عسكريين.

وأكد جليلي، فور وصوله إلى دمشق، ضمن إشارته إلى قضية اختطاف الزوار الإيرانيين الـ48 في سوريا، على استخدام كل الإمكانيات الرامية للإفراج عن الزوار الإيرانيين الأبرياء، مشددا على أن عمليات اختطاف الأشخاص الأبرياء أمر مرفوض من قبل العالم أجمع. وقال جليلي إننا «لا نحمل الإرهابيين فقط مسؤولية هذه العملية، بل نحمل كل من ساعدهم في هذا العمل الإجرامي، ونعتبرهم مسؤولين عن تداعياته».

وفيما يخص الشأن السوري، أعلن جليلي أن «تسوية القضايا في سوريا ينبغي أن تتم من خلال الأطراف الداخلية والحوار الوطني وليس عبر الأطراف الأجنبية». وأشار إلى دعم سوريا خلال السنوات الأخيرة للمقاومة، و«رفض شعب هذا البلد لأي طروحات يقدمها الكيان الصهيوني أو أميركا حول الديمقراطية».

ووصل جليلي على رأس وفد إلى دمشق قادما من بيروت، حيث كان يقوم بزيارة رسمية. وأكد جليلي في بيروت ضرورة إيجاد حل للنزاع في سوريا «وفق القواعد الديمقراطية وليس عبر إرسال الأسلحة وإراقة الدماء». وأضاف أن الدول التي «تعتقد أنها تستطيع الحصول على الأمن عبر تأجيج الاضطرابات في دول المنطقة بإرسال أسلحة وتصدير الإرهاب مخطئة». وتابع أنه «على أصدقاء سوريا المساعدة في الوقف التام للعنف وتنظيم حوار وطني وانتخابات عامة في هذا البلد، وإرسال المساعدة الإنسانية للتخفيف عن السكان».

وكان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، استقبل جليلي والوفد المرافق له، في حضور السفير الإيراني في بيروت، غضنفر ركن آبادي. وقالت الوكالة الوطنية للإعلام إنه «تم التداول خلال الجلسة بآخر المستجدات السياسية وتطورات الأوضاع في المنطقة عموما، وفي لبنان وسوريا خصوصا».

في هذا السياق، وضع عضو المجلس الوطني السوري الدكتور وليد البني، هذه الزيارة «في إطار ضخ الحياة في هذا النظام، ومحاولة تحفيزه على الصمود بعد الانشقاقات والتطورات الميدانية التي حصلت في سوريا».

واعتبر أن هذه الزيارة «لا تبتعد عن المضمون العملي، لأن كل الأعمال العسكرية منسقة بين إيران والأسد وحزب الله، ولا تقتصر على مد (الرئيس) الأسد بالسلاح والمقاتلين والمال بغية تحفيزه على الصمود».

وقال البني: «بعد انشقاق رئيس الحكومة، أول من أمس، أصيب النظام بالانهيار كون الانشقاقات طالت الجسم السياسي والدبلوماسي، خصوصا بعد انهيار منظومته الأمنية بفعل التفجير في مكتب الأمن القومي، لذلك، يحاول الإيرانيون مده بالثقة وشحذ همته للصمود أكثر، وذلك عن طريق مده بالسلاح والمقاتلين والمال والمواقف الدولية».

وأكد البني أن تلك الإجراءات «لن تعيد ضخ الحياة في جسم النظام، لأنها لن تجدي نفعا ولن تنقذه، فالسوريون مصممون على نيل الحرية، ولن يتراجعوا بعد كل تلك التضحيات، ونحن مصرون على مواصلة القتال حتى تحرير سوريا من النظام». وأتت تلك الزيارة بعد أن برز تطور خطير على قضية المخطوفين الإيرانيين، إذ أعلنت طهران أن «الولايات المتحدة مسؤولة عن حياة الإيرانيين الـ48 الذين خطفوا السبت في دمشق»، بعدما أعلن مقاتلو المعارضة السورية مقتل ثلاثة منهم في عملية قصف من قوات النظام في ريف دمشق.

وذكرت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية أن مذكرة بهذا الصدد سلمت إلى السفارة السويسرية التي تتولى تمثيل المصالح الأميركية في إيران.

ونقلت الوكالة عن نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قوله إن «هذه المذكرة تقول إنه نظرا إلى الدعم الفاضح الذي تقدمه الولايات المتحدة للمجموعات الإرهابية ولإرسال أسلحة إلى سوريا، فإن الولايات المتحدة مسؤولة عن حياة الزوار الإيرانيين الـ48 المخطوفين في دمشق».

وفي غضون ذلك تعرضت العلاقات الإيرانية - التركية إلى اهتزاز جديد أمس، مع تبادل الطرفين الانتقادات الحادة و«التهديدات المبطنة» على الرغم من أن كثيرا من المحللين في تركيا لا يتوقعون أن يؤدي هذا الاهتزاز إلى أي نوع من المواجهة بين البلدين الجارين اللذين يتفقان في العلاقات الثنائية، ويختلفان في التحالفات الإقليمية.

وبعد تواتر «الانتقادات» التركية للدور الإيراني في سوريا، وآخرها على لسان رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، ردت تركيا أمس بشدة على تصريحات إيرانية قالت إن «تركيا ستكون التالية بعد سوريا»، ولمحت وزارة الخارجية التركية في بيان أصدرته قبيل وصول وزير الخارجية الإيراني إلى أنقرة إلى «مسؤولية تاريخية» على إيران في الجرائم التي يرتكبها النظام في سوريا.

واعترف مصدر رسمي تركي بأن العلاقات بين طهران وأنقرة «تأثرت كثيرا بسبب الدعم الإيراني لنظام الرئيس بشار الأسد ومواضيع خلافية أخرى»، لكنه شدد على أن هذه العلاقات «قائمة على أسس ثابتة». وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط» إن البلدين متفقان على «تنظيم الخلاف».

وأوضح أن الدعم الإيراني للأسد ونظامه، ودعم رئيس الوزراء العراقي المالكي خلافا لواقع معارضته من قبل كثير من القوى السياسية العراقية، وموضوع الدرع الصاروخية التي تستضيفها تركيا هي مواضيع تسيء إلى العلاقات بين البلدين، لكنهما مستمران في التواصل والتعاون في كل المجالات الأخرى، مذكرا بالموقف التركي البناء من الملف النووي الإيراني والعقوبات الغربية على طهران التي امتنعت أنقرة عن تطبيقها.

وقد نددت وزارة الخارجية التركية أمس بتصريحات مسؤول إيراني اتهم تركيا بالمسؤولية عن إراقة الدماء في سوريا، وحذرها من أنها ستكون التالية، ووصفت الوزارة هذه التصريحات بأنها «غير مقبولة وغير لائقة»، وحثت إيران على الحفاظ على علاقات الجيرة. وقالت وزارة الخارجية في بيان أصدرته أمس: «من غير المقبول وغير اللائق أن يواصل مسؤولون إيرانيون في مناصب مختلفة استهداف بلدنا بتصريحاتهم، على الرغم من أن سياستنا الخارجية القائمة على المبادئ معروفة للجميع».

وأضافت: «الجميع يعرفون من المسؤول في سوريا وخارجها عن المأساة الإنسانية التي سببها النظام السوري. وسيحاسبهم التاريخ والضمير الإنساني».

وقال بيان الوزارة: «سيثير وزيرنا هذه القضايا على وجه الخصوص مع وزير الخارجية الإيراني السيد صالحي خلال اجتماعهما اليوم (أمس). ونحن ندعو المسؤولين الإيرانيين إلى الكف عن الإدلاء بتصريحات لا أساس لها بشأن بلدنا والتصرف بطريقة تحافظ على علاقات الجيرة».

وتأتي زيارة وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي إلى أنقرة «بناء على طلب عاجل من طهران»، كما أفاد به مسؤول في وزارة الخارجية التركية «الشرق الأوسط»، أمس. وقال المسؤول إن وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، الذي استضاف صالحي إلى مأدبة إفطار «كان واضحا في تحديد الثوابت التركية من قضايا المنطقة، ومن النية التركية الإيجابية حيال طهران»، لكن المسؤول أضاف: «إنما هذا لا يعني في أي حال من الأحوال القبول بوجهة النظر الإيرانية مما يجري في سوريا». وأوضح المسؤول أن «أنقرة ستقوم بكل ما في وسعها لتلبية الطلب الإيراني بالمساعدة في مسألة الزوار المخطوفين في سوريا، لكن يجب أن نكون واقعيين في محدودية تأثيرنا في هذا الموضوع مع غياب تمثيلنا الدبلوماسي في دمشق، والفوضى التي تسود البلاد، وهذه الحالة مسؤول عنها النظام السوري بالدرجة الأولى».

وكان صالحي قد حاول تلطيف الأجواء لدى وصوله إلى أنقرة بتأكيده أنه «لا يمكن إلا لتركيا وإيران إذا عملتا معا حل الصراعات الإقليمية، وخصوصا الصراع في سوريا». وقال صالحي للصحافيين في المطار: «دون أي من هاتين الدولتين الأساسيتين أعتقد أن تحقيق السلام والاستقرار أو إحلالهما في المنطقة سيكون أمرا بالغ الصعوبة، ولا سيما في دول مثل سوريا».

من جهته، اتهم رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني «الولايات المتحدة وبعض دول المنطقة بأنهم مسؤولون عن قتل الزوار الإيرانيين»، وفق ما نقلت عنه وكالة الأنباء الطلابية، وأضاف: «سيتلقون ردا مناسبا في الوقت المناسب».

وكانت «كتيبة البراء» التي تبنت عملية احتجاز 48 إيرانيا في سوريا، أعلنت في بيان على موقع «فيس بوك»، أول من أمس، مقتل ثلاثة من المخطوفين في عملية قصف من قوات النظام في ريف دمشق، مؤكدة أنه «ثبت تورط (المخطوفين) في أنهم عناصر للحرس الثوري» وليسوا زوارا.