30 خطاطا من 12 بلدا في الملتقى الرابع لخط القرآن الكريم في دبي

نسخ الآيات القرآنية بجماليات الخط العربي وزخارفه

خط الآيات
TT

اكتظت إحدى صالات فندق غراند حياة - دبي مؤخرا بـ30 خطاطا جاءوا من 12 بلدا لكي يعملوا طيلة ثلاثة أيام في خط القرآن الكريم وذلك في الملتقى الرابع لخط القرآن الكريم الذي افتتح فعالياته، بتنظيم من وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع الإماراتية، حيث يقوم كل خطاط بخّط جزء من أجزاء المصحف الثلاثين. وانطلق الملتقى بكتابة البسملة بخط عضو لجنة التحكيم الخطاط التركي أبو عبيدة البنكي؛ حيث خصصت اللجنة المنظمة عددا من شاشات العرض لجمهور الملتقى، داخل القاعة وخارجها، لمتابعة عمل جميع الخطاطين المشاركين على الهواء مباشرة. وقد اتفق جميع الخطاطين على الفكرة الأساسية لإقامة هذا الملتقى، والذي يتلخص جوهره في أن اللغة العربية والخط توأمان متكاملان والقرآن الكريم منهل الإبداع الفني، مؤكدين أن الحرف في الخط العربي له جلسة وشكل أو هيئة وملامح شخصية، كما أنه يحمل أحد أسرار الكون، كما قال أحد الخطاطين؛ حيث إن أهم صفة فيه هي الدوران، فالخط يدور كما يدور الفلك، وسر جماله أنه يأخذ من الطبيعة، وهناك آية في القرآن الكريم يستشهد بها في هذا الأمر «كل في فلك يسبحون». وفي القاعة كان 30 خطاطا يحنون رؤوسهم على أوراقهم، وبأيدهم أقلامهم، وهم ينسخون آيات من القرآن الكريم، ويسبحون في فلك الحرف العربي، ويستخرجون جمالياته الدفينة كما لو أنهم يغوصون في بحر التراث العربي والإسلامي العظيمين. هذا هو المشهد الذي كان سائدا في القاعة. وقد حرصت الإمارات على إقامة هذا الملتقى للسنوات الأربع الماضية، من وحي أن القرآن الكريم منهل الإبداع الفني. وهذا ما أكده وزير الثقافة الإماراتي، عبد الرحمن بن محمد العويس لـ«الشرق الأوسط»: «يحظى الملتقى لخط القرآن الكريم بدعم لا محدود من قبل الدولة، حيث إن الزخم الذي صاحب الدورة الرابعة لهذا الملتقى يدل على مستوى النجاح الذي حققه الملتقى في دوراته الثلاث السابقة، ويمكن القول بأنه أصبح واحدا من أهم الملتقيات الثقافية المتخصصة على الأجندة الدولية في مجال الخط العربي والفنون المتعلقة به».

ثم أكد أن الهدف الاستراتيجي من تنظيم الملتقى هو دعم فن الخط العربي ليس على المستوى المحلي وحسب وإنما عالميا أيضا. وأكد تفاعل الجمهور مع جماليات الخط العربي: «الكثيرون من الخطاطين يحظون بشهرة عالمية واسعة، ويترقب الشغوفون بإبداعاتهم مشاركاتهم في الفعاليات المختلفة، ومن ضمنها هذا الملتقى السنوي لخط القرآن». وأضاف: أن «هناك تصاعدا ملحوظا على صعيد فنيات المشاركات على مدار الدورات، وفي هذا العام تحديدا كان هناك اتجاه لزيادة أعداد الخطاطات المشاركات للوصول بهن إلى خمس مشاركات، قبل أن تقلص الاعتذارات هذا العدد». وأثنى العويس على رغبة كثير من الخطاطين في الوجود والمشاركة في الملتقى، بقوله «إن إحدى أهم الإيجابيات التي أفرزها تواتر إقامة الملتقى، هو حرص الخطاطين العالميين على المشاركة فيه، بعيدا عن أي حسابات أخرى، وهو أمر يؤكد المكانة اللائقة، التي وصل إليها الملتقى الذي يثمر اليوم نسخة جديدة بخط النسخ للقرآن الكريم».

ولعل أهم ما في هذا الملتقى هو حركيته واستمراريته، حتى أصبحت مظاهرات الخط العربي تتصدر الفعاليات الثقافية، بل تعد مؤشرا واضحا على اهتمام الإمارات في هذا المجال بهدف تحفيز التواصل الإسلامي والعربي، حيث يلتقي على أرضها جميع المبدعين في هذا الملتقى الذي يمثل نقلة نوعية للخطاطين والمتابعين وجمهور الخط العربي من خلال العلاقة المباشرة بين المبدع والجمهور بما يعزز ثقافة الخط العربي. ولهذا الملتقى ثماره الطيبة حيث كشف الملتقى أن وزارة الثقافة الإماراتية تدرس حاليا زخرفة وطباعة النسخ الثلاث السابقة الكاملة للقرآن، التي تم إنجازها في الدورات السابقة، باعتبارها من أهم ما تملكه الوزارة من المقتنيات الثقافية.

إن ملتقى رمضان لخّط القرآن الكريم والمسابقات المتعلقة بالخط العربي ومنها مسابقة البردة، أسهمت في دفع الإمارات إلى مقدمة الدول المهتمة بالخط العربي خلال الأعوام السابقة. وقد اقترن الخط العربي بالقرآن الكريم وأعطى بعدا دينيا روحيا زاد من أهمية الملتقى ودوره في لفت الأنظار إلى الخط العربي وجماليات اللغة العربية بصفة عامة.

وتوزعت جنسيات الخطاطين المشاركين، على نحو 12 جنسية مختلفة، لم تستثن بعض من الدول الأوروبية مثل بريطانيا وألمانيا وتركيا وغيرها، إلى جانب الكثير من الدول العربية والإسلامية، يعملون جميعا في جو من الهدوء والسكينة التي تتطلبها دقة الإبداع.

وتخلل الملتقى مسابقة نظمتها لجنة تحكيم، ضمت نخبة من كبار الخطاطين، منهم عبد الرضا بهية داوود الفرجاوي من العراق، وعبيدة البنكي من تركيا، وانحصر دورها في متابعة تطبيق القواعد العامة، المتفق عليها لإنجاز نسخة مخطوطة من كتاب الله.

وأقيم على هامش الملتقى معرض متاح للاستمتاع بجمالياته للجمهور، وتم تخصيص وقت للقاء بالخطاطين. وقد ازداد إقبال الفنانين والخطاطين الإماراتيين والجمهور المحب للخط العربي على فعاليات الملتقى لما يتضمنه من أعمال رائعة تمثل أفضل ما أنتجه الخطاط العربي من فنون وزخرفة. كما وفر الملتقى فرصة الاحتكاك مع مجموعة من أبرع خطاطي العالم إذ إن وجود 30 من أبرع الخطاطين على المستوى العالمي في خط النسخ من بلدان عربية وإسلامية وأجنبية تحت سقف واحد.

وقد جذب المعرض المقام على هامش الملتقى كثيرا من ضيوف الملتقى والجمهور العادي للقيمة المتميزة ولما ضمه من لوحات تمثل نماذج لما تم إنجازه، التقي فيها الجمهور ومحبو الخط مع الخطاطين المشاركين في نسخ آيات كتاب الله في ندوات مصغرة؛ ليجيب فيها المشاركون على أسئلة الجمهور بما لا يخل وتركيزهم في إنجاز عملهم. وحرص الملتقى على تنّوع المدارس المشاركة في الملتقى والتي يمثل كل منها اتجاها فنيا في الخط له جمالياته وإبداعه. إضافة إلى دعم إسهام المرأة المسلمة في خط هذه النسخ من كتاب الله وقدراتهن الإبداعية والفنية والتي لا تقل عن قدرات نظرائهن من الخطاطين الذكور.

وكان الخطاط البريطاني صباح الأربيلي، قد فاز في دورتين سابقتين، وأقصى نفسه في هذه الدورة من المسابقة، لإتاحة فرص أكبر لزملائه، على الرغم من وجوده ومشاركته. وضمت لجنة التحكيم كبار الخطاطين منهم: عبد الرضا بهية داوود الفرجاوي من العراق وعبيدة البنكي من تركيا، وانحصر دورها في متابعة تطبيق القواعد العامة المتفق عليها لإنجاز نسخة مخطوطة من القرآن الكريم. وابتهج الخطاطون المشاركون في الملتقى بإنجاز هذا العمل الجليل والمساهمة في خّط نسخة كاملة من القرآن الكريم، مؤكدين على كونها تجربة متميزة وشاقة في الوقت نفسه، حيث يجتمعون تحت سقف واحد ليخط كل منهم جزءا كاملا من الآيات في تنافس شريف ومفيد، يُظهر كل منهم ما لديه من إبداع لأن النسخة التي ينجزها هؤلاء الخطاطون ستبقى شاهدا على إبداع جيل من الخطاطين.

وفي حفل الختام الذي أقيم بفندق غراند حياة بدبي، قام كل من محمد بن أحمد المر رئيس المجلس الوطني الاتحادي، وعبد الرحمن بن محمد العويس وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، وحميد القطامي وزير التربية والتعليم بتكريم الخطاطين المشاركين في الملتقى، حيث أعلنت لجنة التحكيم عن الأسماء الفائزة بجوائز الملتقى، ونظرا للمستوى المتميز الذي لاحظته لجنة التحكيم فقد قررت منح 4 جوائز تقديرية لكل من إيهاب إبراهيم ثابت من فلسطين، وأحمد فارس من جمهورية مصر العربية، وعبد الرحمن أحمد العبدي من سوريا، وأليف التير من تركيا، بينما فاز كل من هادي الدراجي من العراق وأمحمد صفر باتي من الجزائر وجمعة محمد حماحر من سوريا بالجوائز الثلاث للملتقى في دورته الرابعة هذا العام.