أكاديمي نمساوي يصنع قطع صابون من وحي الروايات وألوان اللوحات

انطلاقة «الصابون الفني الأدبي» في مهرجان سالزبورغ

أول 6 صابونات أدبية ثمن الواحدة 13 يورو وولفغانع ليدرهاس وعاملة تشكل قطع الصابون في المصنع الصغير المعبق بروائح عطرية
TT

«ولفغانغ» اسم نمساوي واسع الانتشار، إلا أن «ولفغانغ ليدرهاس» في طريقه إلى أن يصبح اسما مميزا بسبب هواية حامله التي استحوذت عليه وحولته من سابق مجال عمله كمفكر وأكاديمي ودبلوماسي إلى صنايعي ينتج «صابونا» يستلهم ألوانه ونكهاته وملمسه من عيون الروايات الخالدة والأساطير والأعمال الفنية، سواء كانت لوحات مرسومة أو ألحانا موسيقية.

درس ولفغانغ ليدرهاس (36 سنة) علم الفلسفة، كما تخصص في الأدب الألماني وتعلم اللغات الإيطالية والإنجليزية، وعمل محاضرا غير متفرغ بجامعة فيينا، كما شغل منصب مساعد لأشهر مديري الأكاديمية الدبلوماسية بالعاصمة النمساوية فيينا, وزير الثقافة والمؤرخ التشيكي الراحل ايري غروشا, ثم رئيسا لقسم العلاقات العامة بالأكاديمية لفترة 8 أعوام، وذلك إلى أن قرر عام 2011 التفرغ تماما لتطوير هوايته التي استمد أصل فكرتها من تعمقه في شخوص وأحداث قراءاته الأدبية واهتماماته بالأعمال الفنية التي، كما قال لـ«الشرق الأوسط»، لا يكفي حصرها في متعة نظرية أو سماعية، بل يمكن بقليل من الابتكار ومزيد من الدراسات والتجارب أن تنداح فواحة كمادة ملموسة محسوسة تدخل ضمن ضروريات الحياة عند «ترجمتها» وتجسيدها في هيئة لوح صابون يتم تركيبه من مواد طبيعية تعكس واقع رواية أو أسطورة أو أوبرا أو لوحة فنية يتم فك شفرة ألوانها، وتمثيلها كمواد طبيعية فواحة تعبر عن كل لون وكل نغم وكل موقف وكل رؤية، مستعينا في ذلك بزيوت غنية وأعشاب ومواد عطرية طبيعية.

وكان البروف ليدرهاس قد قدم أول إنتاج لصابوناته الأدبية والفنية في شكل علني الشهر الماضي ضمن فعاليات مهرجان سالزبورغ، إبان حفل افتتاح عرض أوبرا «الناي السحري» للمؤلف الموسيقي النمساوي الأشهر ولفغانغ أماديوس موتزارت؛ استجابة لرغبة من المايسترو نيكولاس هارنونكورت الذي طلب ألواح صابون مستلهمة من «روح» أوبرا الناي أو المزمار السحري؛ لتقديمها هدايا رمزية لفريق العمل الذي سعد بها أيما سعادة. ووفقا لتعليقاتهم فإنهم كلما اغتسلوا غمرهم إحساس عميق بأنهم يسمعون ألحان موتزارت ويعيشون معها داخل حماماتهم.

وبالطبع كانت تلك البادرة وما صحبها من زخم إعلامي وتصوير تلفزيوني بمثابة طاقة حظ دعائية قدمت منتجات «الصابون الفني الأدبي» للجمهور.

في معرض إجابة على سؤال من «الشرق الأوسط» عن ردود الفعل تجاه التغيير الجذري في مسيرة حياته من مجال الأكاديميات والفلسفة والإبحار في تعقيدات اللغة الألمانية، إلى عالم الصناعة والكيمياء وخبايا وأسرار مواد التجميل، قال ولفغانغ ليدرهاس إن الأمر احتاج للكثير من الجرأة والإقدام لتحويل ما كان يعتمل في دواخله من مجرد أحلام إلى إنتاج محسوس، مشيدا بالسند والدعم الذي حظي به من رؤسائه وأصدقائه, مشيرا لتغيرات عما كان عليه الحال أيام صباه حين فسر البعض شغفه بالجنون، مضيفا أن هوايته اكتسبت عمقا ودفعا بحرصه على دعمها بمزيد من الدراسات الجادة في علمي الكيمياء والصيدلة التي حصل بموجبها على دبلوم في «طب الروائح»، مستعينا في كل الأوقات بأهمية التعمق في كل ما يؤديه من عمل، سواء قراءة وثقافة أو وظيفة إدارية أو عمليات إنتاج صناعي. وإنه كثيرا ما رغب في اكتشاف نوعية المواد والمكونات المستخدمة في صناعة مواد التجميل من دهانات وكريمات وعطور ومنظفات، أولها الصابون الذي أولاه أهمية مقدرة باعتباره الخطوة الأولى للجمال والاهتمام. وأوضح أن تخصصه في الدراسات الفلسفية والأدب وسعت كثيرا من مداركه وزادت من شغفه بقراءات عميقة للأساطير وعيون الأدب الكلاسيكي، مما ساعده فيما يقوم به من محاولات لترجمة ما يقرأه من مشاهد وأحداث وتجسيمها كمواد يصنع منها صابونه.

وتعتبر ضربة البداية إنتاجه وتسويقه لأول صابونات استخلصها من ستة أعمال أدبية خالدة هي «أوندين» لفردريش فوكييه و«هوبريون» لفردريك هولديفلن و«هاينرغش» من نوفاليس و«الشقراء ايكبرت» للودفيك تييبك و«فلورنتين» لدورثيا شلقيل و«لوسندي» لفردريك شلقيل. ودون أن يفصح عن كامل التفاصيل أشار إلى أن التحدي الذي يشغله حاليا إنتاج صابون مستمد من ألوان وفكرة لوحة مشهورة لرسام نمساوي معاصر رفض أن يكشف عن اسمه، مفضلا التركيز على التحدي الذي تمثله أهمية أن يوائم المواد المستخدمة مع روح وألوان اللوحة، ومن ذلك على سبيل المثال أن اللون البرتقالي يحتاج لمادة تستخرج من نبات «حشائش الليمون» وليس أي حمضيات أخرى.

بالمقابل أشار ليدرهاس لاستخداماته لبعض المواد والزيوت الشرقية والبخور التي يتم استيرادها من دول عربية، مبديا رغبته في إنتاج قطع صابون وعطور ومواد تجميل تستلهم الخيال الخصب والروحانية الطاغية التي تفوح وتعبق بها أحداث ومشاهد روايات وأساطير عربية تاريخية معروفة.