اليمن: جدل سياسي بشأن ظهور صالح وهجومه على حكومة الوفاق الوطني

مصادر لـ«الشرق الأوسط»: إجراءات أمنية استثنائية تحسبا لاضطرابات بعد خطاب الرئيس السابق

TT

علمت «الشرق الأوسط» أن أجهزة الأمن اليمنية، في ضوء توجيهات حكومية، رفعت من استعداداتها في الكثير من المناطق، وبالأخص العاصمة صنعاء، بعد الخطاب الذي ألقاه الرئيس السابق علي عبد الله صالح، أول من أمس، في احتفال لحزبه، والذي أشار فيه إلى إمكانية أن تكون هناك تحركات مضادة لحكومة الوفاق الوطني برئاسة محمد سالم باسندوة.

وقالت مصادر مطلعة إن فرقا أمنية متخصصة ومتعددة بدأت في تأمين عدد من المناطق في العاصمة، بعيدا عن الانتشار الأمني المعهود، مؤكدة أن خطاب صالح أشار، بوضوح، إلى أن شبح الأزمة السياسية والأمنية والعسكرية ما زال حاضرا، خاصة أنه جاء بعد يوم واحد على خطاب للرئيس عبد ربه منصور هادي، حذر فيه بعض الأطراف من الاستمرار في عرقلة التسوية السياسية، وذكرت المصادر أن «صالح يحاول خلط الأوراق، لكنه لا يستطيع لأن المجتمع الدولي ضد تصرفاته، بدليل عدم حضور أي من الأطراف الراعية للمبادرة الخليجية في احتفالية حزبه (المؤتمر الشعبي العام) التي انعقدت أول من أمس».

وجاءت مواقف صالح التي وصفت بـ«النارية» ضد خصومه في الساحة اليمنية، بالتزامن مع انعقاد مؤتمر الرياض للدول المانحة لليمن، الذي تعهدت فيه بتقديم أكثر من 6 مليارات دولار لدعم الاقتصاد اليمني والعملية السياسية، وقبيل أيام على عودة المبعوث الأممي إلى اليمن، جمال بن عمر، الذي شارك في مؤتمر المانحين بصفته مسؤولا عن ملف اليمن في الأمم المتحدة.

وأثار الظهور السياسي والإعلامي للرئيس السابق ردود فعل في الساحة اليمنية، لأنه حظي بحصانة من الملاحقة القانونية والقضائية مقابل تنحيه عن السلطة وابتعاده عن العمل السياسي، وقال خالد الآنسي، القيادي في الثورة الشبابية في «ساحة التغيير» بصنعاء، إن خطاب صالح «هستيري، بقدر ما هو يعبر عن أن صالح وصل إلى مرحلة معينة تجعله يحارب كل من حوله ويكشف عن عزلة واسعة يعيشها أو يمر بها، حتى مع من يعتبرهم شركاءه، وأيضا عزلة تنظيمية (داخل حزبه)، بدليل عدم حضور الرئيس عبد ربه منصور هادي، وهو نائب رئيس المؤتمر والذي حضرت صورته وغاب هو، وهي دلالة على أن صالح يتعاطى مع هادي كرئيس صوري». وأضاف الآنسي لـ«الشرق الأوسط» أن حشد صالح الذي تم في صنعاء «يؤكد ما كنا نحذره كقوى ثورية من أن التسوية التي هرول وراءها اللقاء المشترك، لم يوافق عليها علي عبد الله صالح إلا لكي تنقذه وتتيح له فرصة لكي يبقى وتحصنه من الجرائم، ثم يعمل على إعادة إنتاج نفسه مستغلا كل أدوات القوة التي ما زالت تحت يده، وهذا هو الجزء الكارثي الأكبر في المبادرة الخليجية، بالإضافة إلى قضية الحصانة».

وأكد الآنسي أن صالح «أوصل رسالة إلى هادي تفيد بخطورة وجوده، وأنه (أي صالح) يكسب وقتا فقط لإعادة بناء نفسه، وأنه سيكون مصدر قلق في المستقبل، إضافة إلى رسالة أخرى إلى المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي بأن خروجا هادئا لصالح غير ممكن»، مشيرا إلى أن «ما قام به صالح من ظهور وخطاب هجومي أعطى رسالة واضحة بأن حزب المؤتمر الشعبي العام غير قادر على أن يكون تنظيما سياسيا مؤهلا للبقاء، وإنما تنظيم يتبع علي عبد الله صالح وعائلته، أو تنظيم سياسي مختطف، إلا أن على المؤتمر الشعبي أن يعمل على إيجاد قائد سياسي جديد يستطيع أن يعالج الشتات الذي وقع داخله بسبب الثورة».

وحول قانونية ظهور صالح وإدلائه بتصريحات سياسية، يقول المحامي خالد الآنسي إنه «من المفترض بموجب التسوية السياسية التي تمت (في ضوء المبادرة الخليجية) أن يخرج صالح من المشهد العام، لكن الأحزاب السياسية أخطأت عندما لم تنص على هذا الأمر صراحة، وإن كانت التقاليد السياسية المعمول بها أن أي نظام يسقط سياسيا بثورة، يكون قد انتهى، ويفترض أن يغادر المشهد السياسي». ثم يردف أنه «يبدو أن علي عبد الله صالح، وفي شهر سبتمبر (أيلول) الجاري الذي قامت فيه ثورة عام 1962 ضد نظام الإمامة، أراد أن يثبت أنه أسوأ من نظام آل حميد الدين الذي ظل لأكثر من 30 عاما وهو يلعنهم، وما يقوم به الآن لا يتوافق مع الاتفاقات الموقعة برحيله عن السلطة».

أما الدكتور أحمد الأصبحي، عضو مجلس الشورى، وأحد مؤسسي حزب المؤتمر الشعبي العام وأحد المشاركين والمكرمين في احتفالية حزب المؤتمر، فقد قال لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس مع الهجوم الذي تضمنه خطاب صالح، وأضاف ردا على الانتقادات التي توجه لحزبه بإقامة الفعالية بحضور صالح، أنهم تعاملوا مع الموضوع بصورة طبيعية وأنها ذكرى مرور 30 عاما على تأسيس الحزب، و« يفترض أن لا نكبر الأمور أو نفهمها خارج إطارها ونظل نستعدي بعضنا على بعض». ودعا الأصبحي إلى فتح صفحة جديدة من التعاون والإخاء، خاصة مع قرب انعقاد مؤتمر الحوار الوطني «من أجل توصل جميع الأطراف إلى ما يحقق الاصطفاف الوطني والخروج بنتائج لبناء الدولة المدنية الحديثة التي ينشدها الجميع».

على صعيد آخر، وفي سياق التحضير لمؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي نصت عليه المبادرة الخليجية والذي لم يتم تحديد موعد له حتى اللحظة، أعلنت اللجنة الفنية الخاصة بالتحضير للمؤتمر أنها أنجزت كل مشاريع الوثائق التي ستقدم إليه، وقال بلاغ صحافي للناطقة باسم اللجنة أمل الباشا، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إن لجنة المواضيع انتهت من «صياغة وثيقة مشروع المواضيع المقترحة لمؤتمر الحوار الوطني، التي منها القضية الجنوبية وقضية صعدة وبناء الدولة والدستور وأسس ومعايير لجنة صياغته، والإصلاح الإداري والقضائي والتشريعي، وقضايا الحقوق والحريات والأقليات والفئات الاجتماعية، كالأطفال والنساء والمهمشين وذوي الاحتياجات الخاصة، وقضايا التنمية الشاملة، المتكاملة، والمستدامة، وأيضا عدة قضايا أخرى ذات أولوية كالإرهاب، السلاح، الثأر، المياه، والتنوع والتسامح... إلخ».