مدينة صينية تضع قيودا على تراخيص السيارات الجديدة

ضمن سلسلة خطوات أقرتها المدن الصينية الكبرى لجعل مواضيع جودة الحياة على رأس أولويات النمو الاقتصادي

ترمي التدابير الجديدة إلى المساعدة في تنقية الهواء والماء المشهورين بالقذارة في الصين وخفض تكاليف الرعاية الصحية على المدى الطويل
TT

إنه قرار مفاجئ كما لو كانت ديترويت أو لوس أنجليس قد وضعت قيودا على ملكية السيارات فقد قامت الحكومة المحلية في قوانغتشو، وهي العاصمة المترامية الأطراف لمقاطعة قوانغدونغ والتي تعد واحدة من أكبر مراكز صناعة السيارات في الصين، بعقد مزادات ويانصيب خاصة بالحصول على لوحات معدنية للسيارات في الأسبوع الماضي، والتي من شأنها تقليل عدد السيارات الجديدة في شوارع المدينة إلى النصف تقريبا.

تعد هذا الخطوة الجديدة التي اتخذتها ثالثة أكبر المدن الصينية هي الأكثر صرامة وحزما في إطار سلسلة من الخطوات التي أقرتها المدن الصينية الكبرى والتي من شأنها وضع مواضيع جودة الحياة على رأس أولويات النمو الاقتصادي على المدى القصير، وهو الأمر الذي كافحت الحكومة المركزية كثيرا من أجل إقراره على الصعيد الوطني.

ترمي التدابير الجديدة إلى المساعدة في تنقية الهواء والماء المشهورين بالقذارة في الصين وخفض تكاليف الرعاية الصحية على المدى الطويل وتحسين جودة النمو الاقتصادي في الصين على المدى الطويل. ولكن خبراء الاقتصاد يؤكدون أن هذه التدابير الجديدة سوف تفرض بعض التكاليف على المدى القصير، في الوقت الذي يشعر فيه صناع السياسة في بكين وفي شتى أنحاء العالم بالقلق بالفعل من التباطؤ الاقتصادي الحاد الذي تشهده الصين في الوقت الراهن.

يقول تشين هاوتيان، نائب مدير وكالة التخطيط في قوانغتشو: «من وجهة نظر الحكومة، نحن نتخلى بالفعل عن بعض النمو ولكن من أجل تحقيق صحة أفضل لكل المواطنين، وهو الأمر الذي يستحق كل هذا العناء بالتأكيد».

تتجه مدينتا نانجينغ وهانغتشو، الواقعتان في شرق المنطقة الوسطى من الصين، إلى المطالبة باستخدام الغاز والديزل الأكثر نظافة، في الوقت الذي تدفع فيه المدن القريبة من الساحل، من دونغقوان وشنتشن في جنوب شرقي الصين إلى وشي وسوتشو في الوسط وبكين في الشمال، باتجاه طرد المصانع الملوثة للبيئة من أراضيها. وبالإضافة إلى ذلك، تقوم مدينتا شيان وأورومتشي في شمال غربي الصين، بحظر استخدام السيارات التي يرجع تاريخ صناعتها إلى ما قبل عام 2005 وتحويلها إلى خردة، في الوقت الذي تعد فيه قواعد الانبعاثات الحرارية أقل صرامة.

يقول بن سيمبفندورفر، العضو المنتدب لشركة «روود سيلك أسوشياتس»، وهي شركة استشارات في هونغ كونغ: «أخيرا حصلنا على اعتراف بأن تحقيق النمو بأي ثمن هو أمر غير قابل للاستمرار».

ونظرا للضغوط التي تتعرض لها من الرأي العام لمعالجة مشكلات الازدحام المروري والتلوث، تقوم الحكومات المحلية في جميع أرجاء الصين بإرسال الوفود إلى قوانغتشو. يقول آن فينغ، وهو مستشار بارز لصانعي سياسات النقل في بكين، إن الحكومة المركزية في بكين تقاوم فرض المزيد من القيود على السيارات، وهو الأمر الذي يعزى إلى المخاوف على صناعة السيارات العملاقة في الصين، مضيفا: «لقد تحول الأمر إلى معركة بالفعل».

بدأت حكومة بكين المحلية في وضع قيود جديدة على الحصول على لوحات السيارات المعدنية في أوائل العام المنصرم عندما كان الاقتصاد الصيني معرضا لخطر الإنهاك، ولكن قوانغتشو هي المدينة الأولى التي تتخذ مثل هذه التدابير في خضم موجة التباطؤ الاقتصادي التي تضرب الصين حاليا. ونظرا لموجة الاستياء العامة بشأن موضوع المرور، قامت مدينة قوانغتشو أيضا ببناء شبكة كبيرة من خطوط مترو الأنفاق في الأعوام القليلة الماضية، جنبا إلى جنب مع المتنزهات الواسعة ودار الأوبرا الشهيرة.

لا تعد المبادرات التي تبنتها الحكومات المحلية هي السبب الرئيسي في الصعوبات التي تواجه الاقتصاد الصيني حاليا، حيث قامت الحكومة بفرض قيود صارمة على الائتمان قبل عام في محاولة ناجحة لكبح جماح التضخم، ولكن هذه الخطوة تسببت في حرمان الكثير من المشاريع الصغيرة والمتوسطة من الحصول على الائتمان.

شهدت الأعوام الماضية استمرار تطور المشكلات الاقتصادية الضخمة الأخرى، مثل القدرات الصناعية المفرطة وممارسة الكثير من الشركات المملوكة للدولة للاحتكار، فضلا عن مخصصات القروض غير الكافية.

يؤكد خبراء الاقتصاد أن القيود التنظيمية المتزايدة على الشركات في الوقت الراهن تعزز من الاتجاه نحو تباطؤ النمو في الصين.

يقول شياو جينغ، مدير الأبحاث في «معهد فونغ العالمي» في هونغ كونغ: «ولهذا أعتقد أن التباطؤ من المحتمل أن يكون اتجاها بدلا من كونه مجرد دورة قصيرة الأجل».

يؤكد ستانلي لاو، نائب رئيس «اتحاد الصناعات في هونغ كونغ»، وهي مجموعة تجارية تمثل المصنعين الذين يقومون بتوظيف نحو 10 ملايين عامل في بر الصين الرئيسي، أنه يتم طرد المصانع الملوثة للبيئة من المدن الغنية على نحو متزايد ونقلها إلى المناطق الأكثر فقرا في غرب وشمال الصين ما لم تقم هذه المصانع بتركيب بعض المعدات باهظة الثمن للتحكم في الانبعاثات الحرارية.

يضيف لاو: «لا توجد أي إشارة على أنه سيجري تخفيض هذه التكاليف بسبب التباطؤ الاقتصادي الذي تشهده الأسواق حاليا».

يشتكي بعض المديرين التنفيذيين في الصين من ارتفاع تكاليف القواعد التنظيمية، ولا سيما حقيقة أن القواعد الجديدة التي تم إقراراها على المستوى المحلي تأتي بالتزامن مع زيادة الرواتب. ولكن النقاد في مجتمع الأعمال يؤكدون أن التباطؤ الاقتصادي قد لا يكون هذا وقته الأمثل كي تتمكن الصين من التحول بعيدا عن طريق الاندفاع غير المقيد نحو تحقيق الازدهار الذي سلكته في العقود الثلاثة الماضية.

ولكن في الوقت الذي ربما تؤدي فيه القيود المحلية إلى تحجيم النمو على المدى القصير، تعد هذه القيود جزءا من عملية تحول أوسع نطاقا. لم تعد الصين بأي حال من الأحوال مجرد اقتصاد نامٍ يسعى إلى تحقيق شكل غير مكتمل من الرأسمالية، في الوقت الذي تبقى فيه شيوعية من حيث الاسم. تتحول الصين إلى اقتصاد صناعي حديث، في الوقت الذي أصبح فيه القادة الصينيون يستمعون جيدا إلى مخاوف للرأي العام ويسعون إلى إحداث نوع من التوازن بين البيئة والرعاية الاجتماعية والكثير من القضايا الأخرى التي تقابل النمو الاقتصادي.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: إلى متى ستتحمل الصين هذه المعاناة، والتي تتمثل في تباطؤ النمو وارتفاع التكاليف، على المدى القصير حتى تتمكن من تحقيق اقتصاد أكثر توازنا واستدامة؟

يؤكد ما جون، مدير «معهد الشؤون العامة والبيئية»، وهي مجموعة بيئية في بكين، أن المسؤولين المحليين قد أصبحوا أكثر اهتماما بالبيئة منذ العام الماضي في أعقاب المظاهرات الكبيرة التي طافت الشوارع ضد المصانع الملوثة للبيئة في مدن داليان وشيفانغ وتشيدونغ. وفي كل الحالات، وافق المسؤولون المحليون على وقف الإنشاءات أو إغلاق المشاريع بعد أن أصبحت مثارا للسخرية على المستوى المحلي.

تؤكد برينان برناديت، وهي محامية بارزة في مكتب «مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية» في بكين، أنها شهدت حدوث تغيير في العام الماضي بعد ثلاثة عقود من الخبرة في الصين. فبدلا من مقاومة الضغوط لمعالجة مشكلات التلوث، بدأ المسؤولون المحليون في الاتصال بمكتبها لطلب المشورة حول كيفية تحسين هذه الأوضاع.

من الصعوبة بمكان قياس المكاسب البيئية التي نتجت عن تغير السياسات في الصين.

يقول أليكسيس لاو، مدير «مركز أبحاث الغلاف الجوي» في «جامعة هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا»، إن سلسلة الأعاصير التي ضربت الصين تجعل من الصعب للغاية مقارنة بيانات جودة الهواء في الصين في الصيف الحالي بالعام الماضي. وفي قوانغتشو، بلغت الانبعاثات الناتجة عن مجموعة كبيرة من الملوثات ذروتها في عام 2007 و2008 ولكنها تراجعت في عام 2009 و2010 بسبب ضعف النمو الاقتصادي. بدأت الانبعاثات في الارتفاع مرة أخرى في عام 2011 مع معاودة النمو الاقتصادي، ولكنها لم تصل إلى مستويات عام 2008.

يؤكد لاو أن معدلات التلوث مقابل كل دولار من الناتج الاقتصادي قد انخفضت بشكل واضح، فضلا عن انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت، والذي يأتي على رأس الأولويات في الصين في السنوات الأخيرة بسبب دوره في هطول الأمطار الحمضية، في شتى أنحاء الصين، وبخاصة في مدينة قوانغتشو، التي يقطنها 15 مليون نسمة بما في ذلك المهاجرين.

قد يتسبب الاعتماد المالي للحكومات المحلية على بيع عقود إيجار الأراضي للمشاريع الجديدة في الحد من قدرة هذه الحكومات على مواجهة الشركات، ولكن الحكومات المحلية تمتلك أيضا الكثير من المشاريع التجارية داخل حدودها، مما يجعل هذه الشركات تفكر مليا قبل أن تقدم على تحدي السياسات الخاصة بالقيود التي تم فرضها على تراخيص السيارات.

يقول تشن، الذي يقود سيارة من طراز «تويوتا كامري» تم تصنيعها في قوانغتشو: «تعود ملكية شركات السيارات إلى الحكومة، لذا ينبغي عليها الانصياع للحكومة»، مضيفا: «ما فائدة الناتج المحلي الإجمالي إذا لم يكن لدينا صحة جيدة؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»