أصغر رسام في لبنان لا يتمنى امتهان الرسم في المستقبل

الطبيعة موضوع لوحاته

ميل - كريست هاشم يرسم على الطبيعة («الشرق الأوسط»)
TT

في لوحاته تجد حياة أخرى، خطوطا بسيطة وألوانا مزركشة تبتسم للناظر إليها وتنقله إلى مخيلة مبدعها الذي نجح وهو لا يزال برعما في عرض 21 لوحة من إبداعاته إلى جانب نخبة من كبار الرسامين والنحّاتين، فكان محور اهتمام الحاضرين من خلال جناحه الذي أطلق عليه تسمية «أحلام الأساطير».

إنه ميل - كريست هاشم، ابن الست سنوات، اختارته اللجنة المنظمة لمهرجان «الفطر الحرفي» للمشاركة في المعرض للمرة الثالثة على التوالي، كأصغر رسام في لبنان وحائز على أكبر نسبة زوّار في جناحه.

بين الذهول والتشجيع والآمال، تأخذك لوحات رسمتها تلك الأنامل المبدعة. هذه الرسوم وضعت جميعها في عهدة خيال ذاك الملاك الذي كان مزهوا بمعروضاته، فانعكست حماسته جذبا للذوّاقة، متحدثا إليهم بلغته الخاصة.

وبينما كان ميل - كريست يرسم في حديقة والديه، تحدث إلى «الشرق الأوسط» في حوار خاص، فقال: «أشعر أن الرسم شيء رائع، أنا سعيد بتعلمي إياه وحتى أمي تقول إنني بدأت أبرع به». ولكنه كما قال وعلى الرغم من حبه الشديد للرسم لا يفضل أن يأخذ الرسم كمهنة في المستقبل.

وتابع «حاليا أمضي فترة راحة بعد أن أنهيت ثلاث سنوات من الدروس المكثفة في معهد (السيدة رنا طرابلسي)، كذلك بدأت أتعلم العزف على البيانو».

إلى الفن التشكيلي تنتمي رسوم ميل - كريست هاشم الذي يميل نحو استخدام الإكريليك، وهي ألوان مواد صناعية بلاستيكية سريعة الجفاف وتحتفظ برونقها بعد جفافها ولا تسيل بسهولة، هذا إلى جانب استخدامه أنواعا أخرى من المواد تبعا لرغبته لما ستكون عليه اللوحة في صورتها النهائية.

وحول علاقته بالطبيعة أوضحت والدته الإعلامية زلفا عساف «إنها تعني له الكثير، ويقصد الطبيعة بمختلف أشكالها برفقة والده أسبوعيا، ومنها يستلهم أفكاره فكانت لوحة البيت الذي يغطيه الثلج باكورة مسيرته الفنية، ثم انتقل بعدها إلى لوحات تعبيرية للبحر والجبل والسماء وفصل الربيع». وأضافت: «دون أن ينسى تجسيد بعض الحيوانات في لوحاته كالكلب والسمكة، فضلا عن رسمه لفتاة جميلة تشبه نفرتيتي وهي ملكة مصر القديمة».

من جهتها، أخبرتنا عساف عن طموحات ولدها المتعددة، وقالت إنه يأتي كل أسبوع بفكرة جديدة عن مستقبله فتراه تارة يؤكد أنه سيتخصص في الديكور الداخلي، وأخرى يقول إنه سيصبح رائد فضاء. وبخصوص هذا الموضوع، ينتاب عساف خوف حقيقي من أن يقع في «غلطة» أضواء الشهرة بحسب وصفها، موضحة «إنني لا أريده أن ينبهر بنظرة الناس المختلفة إليه، فهذا ليس موقعه حاليا بل عليه متابعة دراسته أولا».

من جهة ثانية، يشكل والدا ميل - كريست العنصر الداعم الرئيسي لموهبته. وبدوره، ينظر إليهما كصديقين عزيزين، ويحرص أن يكون صريحا وواضحا معهما إلى أقصى الحدود. هذا بالإضافة إلى تواضعه الدائم في وصفه جميع أصدقائه في الصف بـ«المجتهدين»، لكنه يعتبر نفسه الأكثر عرضا للوحاته بينهم، كما يدعوهم لمشاهدتها وفي بعض الأحيان يقدمها كهدايا لهم، وفي حال لم يأتوا لزيارة معرضه فإن ذلك يحزنه.

واللافت في لوحات ميل - كريست هاشم في منزله الواقع في منطقة تلال عين سعادة، بقضاء المتن، شرقي بيروت، أنه يرسم «لايف» أي بشكل مباشر، مفضلا أحيانا مبدأ التفلّت في رسومه، ويظهر ذلك في افتقار بعض لوحاته إلى حدود خاصة بها، وهو الأمر الذي طالبته إحدى مدرساته بالكف عنه.

هذا، ومن الشخصيات التي قدم الرسام الصغير لها بعض لوحاته السفيرة الأميركية لدى لبنان مورا كونيللي، ووزير الإعلام السابق طارق متري، والوزيرة السابقة ليلى الصلح حمادة، وذلك خلال زيارتهم جناحه، ليرتفع عدد اللوحات المهداة إلى 10 لوحات.

في عمر السنتين والثمانية أشهر، لاحظت الأم زلفا عساف أن طفلها يرسم بشكل غير اعتيادي في المنزل، مما دفعها لتسجيله في مدرسة «الفرانسيسكان» المتخصصة بتنمية الذكاء المعرفي لدى الأولاد، ولم يمض شهران حتى نصحتها إدارة المدرسة بتسجيله في معهد خاص لتعليم الرسم، بهدف صقل موهبته المتفوقة ونظرا لرسومه التي تتعدى تقنيتها عمره الحقيقي ومستوى رسم أقرانه من جيل صفه.

ومنذ ذلك الوقت، أصبح ميل - كريست هاشم تلميذا في معهد رنا طرابلسي المتخصّص بتعليم الرسم، وبدأ بتلقي دورات مكثفة على مدى ثلاث سنوات، ما شكل له القاعدة الأساس للانتقال قريبا إلى مستوى أعلى. ومن الرسامين الذين أثنوا على رسومه وافتخروا بها الفنان التشكيلي برنارد رنو الذي عرض استضافة هاشم كتلميذ عنده، والرسامة زينة رمال والرسامة أحلام عباس التي أصرّت على وجوب تركه على هواه في اختياره مواضيعه وأسلوبه.

اللونان المفضلان لدى الرسام الصغير الأخضر والأحمر، في حين أن جميع الأوقات متشابهة عنده على صعيد الفترة التي يود تمضيتها في ممارسة هوايته، إذ يقول إنه لا يوجد لديه وقت مفضل للرسم، إذ بمجرد تأتيه الفكرة يبادر إلى تنفيذها على الورق مباشرة.

حتى اليوم، أنجز ميل - كريست ما يقارب الـ38 لوحة، شارك بها في ثلاثة معارض، وفي كل منها قصة طموح كبير في زمن قلّ فيه الاهتمام والدعم المادي والمعنوي لتنمية هذه المواهب وتقديرها، سواء من قبل الأهل أو المجتمع أو حتى الدولة، وذلك تماشيا مع القول اللبناني: «الرسم لا يطعم خبزا».

وتختم زلفا عساف كلامها مرجِّحة أن يكون ابنها «أصغر رسام في العالم»، كونه بدأ أعماله الإبداعية في عمر الـ3 سنوات وهو يتفوق في عدد لوحاته على أصغر رسام في العالم البريطاني كيرون وليامسون (9 سنوات) الذي باع لوحاته الـ33 بسعر 173000 دولار أميركي وكانت معظم رسومه تقليدا للوحات عالمية عبر إعادة رسمها، في حين أن ابنها يعتمد على مخيلته وذاكرته في رسومه.