تسارع خطى التحقيقات في مجزرة عائلة المهندس العراقي.. والشرطة تفتش منزله

كل واحد من ضحايا جريمة الألب تلقى طلقتين في الرأس.. وقريبان للحلي يصلان فرنسا

محققون فرنسيون وبريطانيون يغادرون منزل الحلي في لندن بعد تفتيشه أمس (رويترز)
TT

مازال المحققون الفرنسيون والبريطانيون يحاولون فك ألغاز كثيرة تحيط بقضية مقتل سعد الحلي (50 عاما) المهندس البريطاني من أصل عراقي وزوجته إقبال (47 عاما) وامرأة تدعى سهيلة العلاف (74 عاما) يعتقد بأنها والدة زوجته وإصابة ابنته الكبرى زينب (7 سنوات) إصابة بالغة، ونجاة ابنته الصغرى زينة (4 سنوات) من دون أن يلحق بها أذى، بالإضافة إلى دراج فرنسي يعتقد أنه كان يمر بالصدفة في موقع الحادث في طريق ريفي بالقرب من منتجع سياحي بمنطقة الألب الفرنسية يوم الأربعاء الماضي.

وتسارعت أمس خطى التحقيقات في أعقاب وصول 3 مخبرين فرنسيين إلى لندن وتفتيش منزل الحلي في ضاحية «كلايغيت» بمقاطعة سري، جنوب لندن، بالتزامن مع عمليات بحث تجريها الشرطة الإيطالية والسويسرية عن مشتبه فيهم خصوصا أن منطقة تشيفالين التي وقع فيها الحادث لا تبعد كثيرا عن سويسرا وإيطاليا.

وأقامت الشرطة البريطانية خيمة أمام منزل الحلي حيث تأمل في العثور على أدلة حول الدوافع المحتملة وراء مقتله وزوجته إقبال طبيبة الأسنان، والمرأة المسنة، والدراج الفرنسي في مكان لتوقف السيارات في طريق بإحدى الغابات قرب بحيرة «أنسي» شرق فرنسا، بعد تفتيش. كما من المتوقع أيضا أن تستجوب الشرطة قريبا شقيق الحلي زيد (53) عاما، بشأن تقارير حول نزاع بين الأشقاء حول المال.

وفي غضون ذلك، تساعد الشرطة في إيطاليا وسويسرا المسؤولين في البحث عن قاتل أو قتلة أربعة أشخاص في منطقة الألب الفرنسية.

وقال اريك مايو ممثل الادعاء بمنطقة أنسي إن «جميع الدول المحيطة» بفرنسا تساعد في التحقيق بشأن القتل، حيث تبعد منطقة تشيفالين مسافة ساعة بالسيارة عن سويسرا وساعة ونصف الساعة عن إيطاليا، وذلك بعد أن ذكر شهود عيان أنهم شاهدوا سيارة 4 × 4 ودراجة بخارية تغادر المنطقة بعيد الهجوم.

كما كانت السلطات الفرنسية طلبت مساعدة السفارة العراقية في باريس لتقديم يد العون ومدها بمعلومات عن صلات الحلي المولود في بغداد.

وفي مؤتمره الصحافي الثالث، الذي عقده، أمس، رفض إريك مايو، إعطاء أي معلومات تتعلق بنوعية السلاح المستخدم في جريمة الألب ونوعية الطلقات أو التفاصيل المتعلقة بالعائلة وغيرها من المعلومات التي تستدعي سلامة التحقيق الاحتفاظ بها سرا.

وكان الخبر الجديد الوحيد هو أن كلا من القتلى الأربعة تلقى طلقتين في الرأس وليس طلقة واحدة. وقال مايو إن «القبض على الجاني، أو الجناة المتسببين في يتم طفلتين بريئتين هو هدف المحققين»، رغم تقديره لرغبة وسائل الإعلام والجمهور في معرفة المزيد من الحقائق حول الجريمة التي تمت بشكل وصفه بـ«الوحشي».

ويواصل فريق من 40 محققا عدليا فرنسيا عملهم منذ 4 أيام لتتبع خيوط الجريمة، كما فتش 4 محققين فرنسيين منزل الحلي الواقع في «كلايغيت» بمقاطعة سري، جنوب العاصمة لندن، في محاولة للبحث عما يمكن أن يفيد التحقيق، وذلك بالتنسيق مع الشرطة البريطانية. واستخدم النائب العام مصطلح «مداهمة» المنزل باعتباره الوصف القانوني المناسب.

وأضاف النائب العام أن تشريح جثث الضحايا قد انتهى، لكنه امتنع عن الرد على الأسئلة المتعلقة بالنتائج. وأكد أن المحققين، بالتعاون مع الأجهزة البريطانية، سيستمعون إلى أقوال أقارب الحلي وأصدقاء العائلة وضمنهم شقيق الضحية الذي قدم نفسه للشرطة وأخلي سبيله، باعتباره شاهدا مثل غيره من الشهود.

في المقابل، وصل إلى فرنسا، أمس، اثنان من أفراد عائلة الحلي لتسلم الطفلة زينة (4 سنوات) التي نجت من الحادث بالاختباء بين قدمي والدتها وجدتها، وتفقد شقيقتها زينب (7 سنوات) التي أصيبت بطلقة في الكتف ورضوض في الجمجمة وما زالت قيد العلاج في مستشفى «غرينوبل»، جنوب شرقي البلاد.

ووصل القريبان (رجل وامرأة) وكان برفقتهما أحد موظفي الشؤون الاجتماعية البريطانيين، ومن المنتظر أن يحضر مخبر فرنسي لقاء لم الشمل. لكن تسليم الطفلة لن يجري دون استكمال الإجراءات القانونية اللازمة والمتبعة في الحالات المشابهة، حسبما أكد النائب العام للمنطقة. كما من المنتظر أن تتسلم العائلة جثث المهندس وزوجته والسيدة الثانية التي يعتقد بأنها والدة زوجة الحلي وهي من مواليد 1939 وتحمل جواز سفر سويديا.

وكرر النائب أن استجواب الصغيرة زينة لم يسفر عن شيء وأنها لم تر شيئا. أما الاستماع إلى أقوال زينب، البنت الأكبر سنا، فلن يجرى قبل استقرار حالتها الصحية وسماح الأطباء باستجوابها.

وكان مايو، قد أشار في مؤتمره الصحافي الثاني، أول من أمس، أن كل واحد من ضحايا الجريمة تلقى 3 طلقات، على الأقل، منها طلقة في الرأس. لكنه رفض استخدام لفظة «اغتيال» وما يتبعها من اعتبار الحادث جريمة نفذها محترفون، لحين انجلاء التفاصيل والقبض على الجاني، أو الجناة الذين خلفوا وراءهم 25 طلقة فارغة (وليس 15 كما قيل سابقا) من النوع المستخدم في مسدس آلي. كما أكد أن الأثر العميق الذي تركته عجلات سيارة الضحية على الجانب الترابي للطريق الريفي يشير، ربما، إلى أن القتيل حاول الاستدارة بسيارته والعودة من الاتجاه الذي جاء منه، وكأنه يتفادى كمينا يواجهه.

وتتجه جهود المحققين الفرنسيين، حاليا، في اتجاهين؛ الأول هو استمرار البحث عن سيارة ذات دفع رباعي، خضراء قاتمة، ودراجة نارية شاهدهما الشخص الذي أبلغ عن الحادث، تنطلقان على الطريق نفسه. والاتجاه الثاني هو تحليل الشهادات التي أدلى بها نحو 40 شاهدا ممن صادفوا الأسرة المنكوبة أثناء الأيام الثلاثة الأولى من إقامتها في مخيم قريب من بحيرة «أنسي» السياحية. كما يضاف إلى ذلك عمل المحققين البريطانيين لمشاهدة عشرات الساعات من الأفلام التي سجلتها كاميرات المراقبة الموجودة في محيط المنطقة التي يقع فيها منزل أسرة الحلي. ومن المعروف أن لندن وضواحيها هي أكثر مدن العالم الخاضعة للرقابة بكاميرات منصوبة في الأماكن العامة.

وتشغل المحققين أسئلة لا حصر لها حول أسباب الجريمة ودوافعها، منها هل أن سفر المهندس الحلي إلى فرنسا كان للهرب من تهديد ما ومحاولة للاختباء من أمر كان يقلقه؟، إذ كيف له أن يوقت رحلته إلى فرنسا بصحبة يصطحب ابنتيه مع انتهاء العطلة الصيفية وانطلاق العام الدراسي؟ أم أنه ذهب إلى هناك بنفسه للقاء ضروري بشخص ما؟ وكيف علم القاتل أو القتلة بسفر الحلي الذي نظم الرحلة بشكل عاجل ولم يعلم بتفاصيلها إلا عدد محدود من المقربين؟ وهل أن الخلافات المالية مع بقية أفراد عائلته سببا لاغتياله عبر استئجار قاتل أو قتلة محترفين للتخلص منه ومن بقية أسرته؟ وإذا لم يكن كذلك فلماذا لم يسارع أحد منهم للذهاب إلى فرنسا فور سماع النبأ الذي هز بريطانيا وفرنسا، إلا بعد مرور أكثر من يومين على الحادث؟ وهل أن الماضي البعيد للأسرة، وما يقال عن صلات وخلافات بنظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين صلة بالموضوع؟ أم أنه كان جاسوسا يعمل لصالح جهة قررت التخلص منه لأسباب غير معروفة، كما تشير تقارير على شبكة الإنترنت. وهل كان القاتل أو القتلة بانتظار الحلي في مكان وقوع الجريمة أم أنهم كانوا يتعقبونه لحظة مغادرته المخيم؟ وإذا كان واضحا أسباب نجاة ابنته الصغرى زينة من الحادث بعد اختبائها تحت قدمي والدتها ومن يعتقد بأنها جدتها، فكيف نجت زينب من الحادث، هل لأن الجناة نفدت ذخيرتهم فاضطروا لضربها بأعقاب مسدس على رأسها ثم تركوها اعتقادا بأنها لقيت حتفها هي الأخرى؟

وهل أن الهدف الحقيقي للعملية الحلي وأسرته فعلا أم أنه الدراج الفرنسي سيلفان موليه (45 عاما) الذي لقي حتفه هو الآخر في الحادث والذي لم تتوفر عنه الكثير من المعلومات؟

وفي تلك الأثناء يحاول المحققون الفرنسيون معرفة تفاصيل أكبر عن شخصية سعد الحلي المولود في بغداد والمقيم في بريطانيا منذ سنوات طويلة.

وحسب تفاصيل أوردتها صحيفة «الديلي ميل» البريطانية في موقعها على الإنترنت، فإن سعد الحلي ينحدر من عائلة عراقية ثرية وأن والده كاظم الحلي، أصبح في خلاف مع نظام البعث في السبعينات من القرن الماضي، مما دفع بالنظام إلى «مصادرة» أعماله الهندسية، فلجأت الأسرة إلى لندن واستقرت في منطقة بيملكو حيث فتح الوالد كاظم مصنعا. وتوفي كاظم الحلي العام الماضي أما زوجته، فصيحة، فقد توفيت قبل تسع سنوات. وفي لندن أكمل سعد دراسته بما فيها الجامعية وأصبح مهندسا ناجحا. وقبل تسع سنوات تزوج سعد الحلي من إقبال، وهي طبيبة أسنان عراقية وابنة محاضر جامعي، التقى بها في دبي حيث كانت تعمل.

والاثنين الماضي وصل الحلي وزوجته إقبال برفقة ابنتيهما زينب وزينة وحماته سهيلة العلاف المقيمة في السويد، الحاملة لجواز سفر من هذا البلد إلى مخيم «لو سوليتير دو لاك» على ضفاف بحيرة «أنسي» في فرنسا في سيارة «بي إم دبليو» تجر كرفانا. والأربعاء الماضي استقلت الأسرة سيارة «بي إم دبليو» متجهة نحو الغابات. وفي نفس الوقت كان فرنسي يدعى سيلفين موليير (45 عاما) يستقل دراجته نحو المنطقة. وفجأة سمع دوي طلقات وبعدها بقليل وصل المنطقة دراج بريطاني، حيث وجد الطفلة زينب مغميا عليها والدم يغطيها قرب السيارة الـ«بي إم دبليو» التي كان محركها يدور. الفرنسي موليير، الذي سبق الدراج البريطاني إلى المنطقة بدقائق، كان هو الآخر طريحا على الأرض مقتولا بعدة طلقات. فقط عندما فتح الدراج البريطاني باب السيارة ليوقف محركها اكتشف الجثث الثلاثة أما الطفلة زينة التي لم تصب بأذى فكانت قد اختبأت تحت جثة والدتها ولم تعثر عليها الشرطة إلا بعد 8 ساعات.