ليبيا: انقسام بين النخبة حول هوية المرشح لرئاسة الحكومة الجديدة

مراقبون: سباق المنافسة تقرره السلبيات.. وآخرون: من الصعب التوافق على أي شخصية

ذوو ضحايا مجزرة سجن ابو سليم يتظاهرون مطالبين بمحاكمة القتلة (رويترز)
TT

يترقب الليبيون نتائج معركة شرسة حول اسم المرشح لشغل منصب رئيس الحكومة الجديد. وتدور خلف الكواليس داخل المؤتمر الوطني العام (البرلمان) الذي يعتبر أول برلمان منتخب منذ نحو ستة عقود في البلاد. ويتنافس ثمانية مرشحين تقدموا رسميا بأوراق ترشحهم إلى البرلمان، لكنهم ما زالوا في انتظار قرارات الهيئة الوطنية لتطبيق معايير الوطنية والنزاهة التي كلفها البرلمان بمراجعة ملفات هؤلاء للتأكد من انطباق المعايير والشروط التي وضعها مؤخرا.

ومن هذه المعايير عدم حمل جنسية أجنبية أو الزواج من غير ليبية بالإضافة إلى خلو السجل المهني من ارتباط بنظام القذافي. ويعتبر الدكتور محمود جبريل رئيس تحالف القوى الوطنية ورئيس أول حكومة للثوار خلال الحرب ضد القذافي العام الماضي، أحد المرشحين الأكثر جدلا وربما حظوظا في شغل المنصب، في مواجهة مرشحي التيار الإسلامي وهما عوض البرعصي وزير الكهرباء الحالي ومصطفى أبو شاقور النائب الثاني لرئيس الوزراء.

وبينما ينتظر الليبيون للمرة الأولى مشاهدة المرشحين لرئاسة الحكومة وهم يقدمون برنامجهم على مدى ساعة ونصف كاملة داخل البرلمان في مناقشة علنية ومفتوحة قبل موعد الاقتراع المحدد يوم الأربعاء المقبل، يعتقد البعض أن الاختيار لن يكون سهلا هذه المرة كما كان الحال عليه في الحكومة الانتقالية الحالية التي ترأسها الدكتور عبد الرحيم الكيب منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وتوشك على الرحيل الآن.

وقال محمود شمام: إن سباق رئاسة الحكومة هذه المرة لا تقرره الإيجابيات للأسف الشديد وإنما تقرره السلبيات أكثر. ويعتقد شمام أن الدكتور جبريل رئيس تحالف القوى الوطنية ينطلق من قاعدة مؤيدة له قد تصل في أفضل الظروف إلى 80 عضوا من أصل الأعضاء الـ200 للبرلمان، لافتا إلى أن هذه القاعدة تتكون من 39 حصل عليهم من قائمة جبريل و2 من قائمة التيار الوسطي و4 من كيانات صغيرة أخرى والباقي من المستقلين.

وأضاف شمام أن مهمة جبريل في الحفاظ على تماسك تحالفه في غاية الأهمية وهو مجابه بأمرين: قدرته المحدودة على إغداق الوعود، وطبيعة التصويت السرية التي تسمح للمشاعر الجهوية والقبلية بأن تعبر عن نفسها دون أن تفضح نفسها.

وفي تقدير شمام فإن قوة جبريل السياسية تكمن في الشعبية الشخصية التي يتمتع بها، بالإضافة إلى أنه شخصية دولية مرموقة، على أن ضعفه يكمن في طرحه لبرنامج استراتيجي بدلا من التركيز على برنامج 15 شهرا لإنقاذ البلاد، خاصة أن خصومه يشككون دائما في قدرته على أداء المهام الداخلية، كما يعيبون عليه أيضا اختياره لدائرته الداخلية لأشخاص مثار جدل دائم.

ووفقا لتحليل شمام فإنه إذا لم يحسم جبريل الأمر في الجولة الأولى فسوف يتكتل ضده «تحالف مناوئ» وهو التحالف الذي أوصل الدكتور محمد يوسف المقريف لرئاسة البرلمان. لكن ورغم أنه يحتاج إلى جهد واضح لتوطيد أركان تحالفه والنظر إلى أوجه التعاون مع الأطراف الأخرى، يظل جبريل كما يرى شمام، هو الأوفر حظا للفوز برئاسة الحكومة.

وينطلق منافسه نائب رئيس الحكومة الحالية مصطفى أبو شاقور من قاعدة مؤيدين قوامها حزب الجبهة الوطنية ومجموعة الجبل الغربي وبعض الأنصار المتبعثرين ويمكنه أن يشكل كتلة لا تتجاوز الأربعين صوتا. ويعتقد شمام أن اسم أبو شاقور قد يطرح كمرشح تسوية في الجولة الثانية وربما يستطيع أن يشكل تحالفا واسعا شبيها بالتحالف الذي أوصل المقريف إلى رئاسة البرلمان، لكن الأمر قد يحتاج إلى اجتذاب كتلة المستقلين (35 صوتا) وتحول كافة الذين يدعمون عوض البرعصي.

ووفقا لتحليل شمام، فإن أبو شاقور يمتاز بالنزاهة لكنه يفتقر للكاريزمية، لافتا إلى أن عمله الباهت تحت رئاسة الكيب من الأمور التي تقلل من جاذبيته، وافتقاره للديناميكية السياسية وهو ما قد يؤثر على حظوظه، لكنه كان ولا يزال مرشحا بارزا ويملك حظوظا كبيرة في الفوز، خصوصا إذا تمكن من التمدد خارج نطاقه الجهوي وأعطى تطمينات قوية للمصوتين في الشرق والجنوب، وخرج بشكل نقدي من عباءة الكيب.

المرشح الثالث وهو وزير الكهرباء البرعصي ينطلق من قاعدة مؤيدين قد تصل إلى 35 صوتا يأتي معظمها من أعضاء حزب العدالة والتنمية، الذي يعتبر الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، بيد أنه قد يظفر ببعض الأصوات التي تأتي من المنطقة الشرقية.

قوة البرعصي، كما يرى شمام، في ديناميكيته وتجربته التكنوقراطية وهي أمور قد تقيده في مرحلة بناء الدولة ولكن ليس في هذه المرحلة بالتحديد، على أن انتماءه للإخوان المسلمين الذي ظهر متأخرا قد يؤثر على حظوظه نظرا لتراجع شعبية الإخوان لأسباب متعددة.

يمثل البرعصي من هذه الزاوية المشروع المستقبلي الجيد للإخوان المسلمين، لكن يقول شمام إنه تم طرحه الآن وهو يفتقر للخبرة السياسية المطلوبة خصوصا في غياب أي نشاط سياسي معارض له على عكس معظم المرشحين.

ويرى شمام أن محمد المفتي ومحمد بالروين يعتبران مرشحي تسوية في اللحظات الأخيرة لخبرتهما السياسية والنضالية وتمتعهما بمواصفات توفيقية عديدة، أما بقية المرشحين الآخرين فهم شخصيات وطنية لا غبار عليهم لكنهم لا يحظون بقاعدة معقولة داخل البرلمان ينطلقون منها.

في المقابل يرى الإعلامي الليبي جلال عثمان، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «الليبيين يواجهون مشكلة كبيرة تتمثل في عدم وجود توازن بين المؤسسة الرسمية والشارع». ويشرح ذلك بقوله: «إلى وقت قريب كانت المؤسسة الرسمية في عهد القذافي أقوى بكثير من الشارع، في حين انقلبت الموازين بعد الثورة وأصبح الشارع هو الذي يملك زمام المبادرة، فقد استطاع تغيير الكثير من الوظائف القيادية من خلال الاعتصامات المتكررة بسبب عدم الرضا على من يتولونها».

وتابع عثمان قائلا إنه سيكون من الصعب التوافق على أي شخصية؛ كون ليبيا تنقسم حاليا لشرق وغرب وجنوب وبالنظر إلى أن الشرق قد تولى رئاسة البرلمان فإنه يرى أن حظوظ الغرب ستكون أكبر في الظفر بمنصب رئيس الوزراء، بالإضافة إلى ذلك ستلعب التكتلات السياسية - كما يقول جلال عثمان - دورا مهما، مثل تكتل الإخوان، وتكتل التحالف، وكذلك تكتل المستقلين، الذي يضم مستقلين من كلا التكتلين.

لكن عثمان يرى أيضا أنه من المحتمل أن تميل الكفة للدكتور محمود جبريل، مشيرا إلى أن الليبيين كغيرهم من العرب، يركزون على الشخصيات المعروفة، وهذا سيقلل من حظوظ بعض الشخصيات المغمورة مثل الدكتور عبد الحميد النعمي والمبروك الزوي.