تركيا تشكو من التخلي عنها على جبهتها الحدودية مع سوريا

الأتراك يريدون من الولايات المتحدة ودول أخرى إقامة مناطق آمنة عبر فرض منطقة حظر جوي داخل سوريا

TT

قادت تركيا، التي تعد من القوى الصاعدة في العالم الإسلامي، الحملة الدولية لإسقاط نظام الأسد في دولة الجوار سوريا. ومع استمرار القتال تشكو تركيا من تخلي الولايات المتحدة ودول أخرى عنها على جبهة صراع ينزف دمًا على حدودها. وفي ظل عدم الاستجابة لمطالباتها بمكان دولي للاجئين في سوريا، تتجه تركيا نحو إيواء عدد من السوريين المتدفقين على حدودها يصل إلى نحو 80 ألفا. أما في الشرق، فيكثف المسلحون الأكراد، الذين ترى تركيا أنهم يحظون بدعم سوري، القيام بعمليات مهلكة. وفي هذه المنطقة الحدودية التي تعج بالعلويين وبها استراحة ومركز لتزويد الثوار السوريين الذين أكثرهم من السنة بالإمدادات، يتزايد القلق من أن يؤثر الصراع الطائفي السوري المتنامي على تركيا.

ويدعم مسؤولون أتراك السياسة تجاه سوريا، ولم تمثل المشاكل تهديدا كبيرا لحكومة رجب طيب أردوغان ذات الطابع الإسلامي المعتدل أو شعبية تركيا في المنطقة التي تهتم الدولة التركية بها كثيرا. ورغم ذلك، في الوقت الذي تشير فيه استطلاعات رأي إلى تراجع الدعم الشعبي لموقف الحكومة، ترى تركيا أن لديها مساحة محدودة للتحكم في انهيار لم تتوقعه عندما انقلبت ضد الرئيس السوري بشار الأسد العام الماضي على حد قول محللين. ويقول غوكون باجيك، مدير مركز الأبحاث الاستراتيجية للشرق الأوسط بجامعة زيرف «تدرك أنقرة حاليا أنها ليست لديها قدرة على إعادة ترتيب الوضع ليس في المنطقة فحسب بل في سوريا أيضا. لذا فإن أنقرة بحاجة ماسة إلى دعم أميركي لن يأتي». وعندما زار وفد أميركي تركيا نهاية الشهر الماضي، طرح الأتراك مرة أخرى المسألة التي عرضوها قبلها بأسبوعين على وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون. وقال مسؤول رفيع المستوى إنهم كانوا مضغوطين بسبب تدفق السوريين، ويريدون من الولايات المتحدة ودول أخرى إقامة مناطق آمنة لهم من خلال فرض منطقة حظر جوي داخل سوريا. وحذر الأتراك أن الحد الأقصى لاستيعاب اللاجئين السوريين في تركيا هو مائة ألف.

وقالت كلينتون، التي فوجئت بالتوسلات التركية العاطفية، إن فرض منطقة حظر جوي يتطلب تدخلا خارجيا كبيرا، وإن الولايات المتحدة لا تعتقد أن هذا سيكون مفيدا، بحسب قول المسؤول الذي رفض ذكر اسمه لمناقشته أمورا حساسة. وبدلا من تبديد مخاوف تركيا وقلقها، دعت كلينتون إلى إجراء المزيد من النقاشات الثنائية، وإلى إنشاء لجنة للعمليات والإدارة لإتاحة التنسيق بين الحكومتين في ما يتعلق بالتعامل مع الأزمة. ويعد موقف تركيا الحالي تجاه الأسد تحولا كاملا عن موقفها في الماضي، فقبل الثورة كانت سوريا هي محور السياسة الخارجية التركية التي تقوم على العمل على عدم خلق مشاكل مع دول الجوار، وكانت العلاقات التجارية مزدهرة والتنقل بين البلدين متاحا بسهولة. أما الآن فتستضيف تركيا المجلس الوطني السوري المعارض، وهي بمثابة ملجأ آمن للجيش السوري الحر والمئات من الجنود السوريين المنشقين. ووصف أردوغان سوريا يوم الأربعاء بـ«الدولة الإرهابية». وعزز هذا الموقف من مصداقية تركيا في العالم العربي، لكنه زاد من تعقيد علاقاتها بإيران وروسيا اللتين تدعمان الأسد.

وأقامت تركيا 11 معسكرا للاجئين على طول الحدود، وتقيم المزيد لاستقبال الوافدين الجدد، الذي يفدون بمعدل 4 آلاف لاجئ يوميا على حد تصريح الحكومة. وتكدس الآلاف في مدارس حكومية ومساكن الطلبة، ويتلقى المئات من السوريين العلاج في مستشفيات تركية. وغيرت تركيا موقفها في بيان أخير لها، حيث أكدت أنه عند وصول عدد اللاجئين إلى مائة ألف ستتوقف عن استقبال المزيد. ومع ذلك، أشار وزير الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو، الذي يواجه انتقادا متزايدا في الداخل، الأسبوع الماضي إلى ندم الحكومة على اتباع سياسة الانفتاح. وقال أمام الأمم المتحدة «هناك شعور متنام في تركيا بأننا نشجع المجتمع الدولي على السلبية واللامبالاة من خلال تقديم هذه التضحية والتعامل وحدنا مع قضية كبيرة».

وتتفاقم أزمة اللاجئين مع هيمنة المعارك حامية الوطيس بين قوات الأمن وحزب العمال الكردستاني، الذي أعلن تمرده على الدولة منذ 28 عاما، في مرتفعات المنطقة الجنوبية الشرقية، على عناوين الصحف التركية. ويتهم مسؤولون أتراك سوريا بدعم حرب الشوارع وأفراد من حزب العمال الكردستاني في المناطق التي تقع شمال شرقي سوريا على طول الحدود التركية. وحمّل المسؤولون الأتراك الشهر الماضي حزب العمال الكردستاني مسؤولية تفجير أسفر عن مقتل تسعة مدنيين في مدينة غازي عنتاب.

وتشعر تركيا بوجه خاص بالقلق من سقوط صواريخ سورية في أيدي حزب العمال الكردستاني مما يمكنه من الهجوم على المروحيات التي تعتمد عليها تركيا في القتال مع أفراده على حد قول باجيك. ورغم إدانة تركيا للأسد، والقلق من استمرار فراغ السلطة في سوريا، والمطالبات بتدخل دولي، يقول مسؤولون ومحللون إن الدولة غير مستعدة لنشر قواتها بشكل فردي لمواجهة الأسد أو تأمين منطقة للاجئين. وهناك معارضة شعبية كبيرة في تركيا للقيام بعمل عسكري، ويقول محللون إن تركيا قلقة من المخاطرة بشعبيتها في منطقة لا يزال الإرث العثماني حاضرا بقوة فيها. والجيش التركي غير مستعد لحرب طائفية ربما تكون ممتدة على شاكلة الحرب العراقية على حد قول هنري باركي، الخبير التركي بجامعة ليهاي في بنسلفانيا.

وقال باركي «إنهم يدركون أن هذا مثل صندوق بندورة لا تدري ماذا سيحدث إذا فتحته». وأوضح باركي أن الحدود التركية السورية التي يبلغ طولها 566 ميلا تجعل انتصار تركيا في الصراع منذ البداية أمرا مستحيلا. واستغل المعلقون الأتراك والساسة من المعارضة القضية باعتبارها فشلا في السياسات. وقال بعض المحللين والمسؤولين الأميركيين إن تركيا زادت من معاناتها من خلال وضع قيود على تدخل الأمم المتحدة في المعسكرات والسماح للثوار واللاجئين السنة بالتركز في محافظة هاتاي التي تضم عددا كبيرا من العلويين. وكتب سامح إيديز، محلل السياسة الخارجية، في صحيفة «حرييت ديلي نيوز» الصادرة باللغة الإنجليزية «تواجه الحكومة أزمة لا حل لها، وناسا في الداخل يتزايد عدم ارتياحهم تجاه هذا الوضع. إذا لم تكن هذه نكبة، فما هي النكبة إذن؟».

هذا الشعور بعدم الارتياح واضح أيما وضوح في أنطاكية، التي تبعد أقل من ساعة عن المنطقة الحدودية. الكثير من سكان هذه المدينة ذات الطبيعة الخلابة حول محافظة هاتاي من طائفة العلويين التي تهيمن على الحكم في سوريا. الجدير بالذكر أن أغلبية السكان في سوريا وتركيا من المسلمين السنة. وكانت أنطاكية وجهة للتسوق بالنسبة للسوريين، لكن منذ اندلاع الثورة أصبحت مركزا للاجئين والثوار السوريين بمن فيهم رجال ذوو لحى كثة يوجدون في مدينة يعد ارتداء الفساتين الصيفية والشورتات فيها أمرا شائعا. وتراجعت حركة التجارة على الحدود، وارتفعت أسعار الشقق بشكل كبير.

ولا يزال دعم الأسد قويا هنا، ويتزايد القلق من أن يكون سبب دعم أردوغان للثورة السورية هو تقوية النفوذ السني في المنطقة. وقد أذكى حزب المعارضة الرئيسي في تركيا هذه المخاوف، حيث اتهم الحكومة بتدريب الإسلاميين المتشددين في معسكر قريب للمنشقين. ونفت الحكومة هذا الأمر، وقالت إنها لم تسلح الثوار.

وقال رفيق إريلماز، أحد نواب المعارضة في البرلمان عن هاتاي، التي تضم خمسة معسكرات للاجئين «إنهم يعملون على تشكيل بعض الفرق الجديدة من المقاتلين الدينيين. ما الذي يضمن ألا ينقلب هؤلاء المقاتلون على تركيا في يوم من الأيام؟».

وقال إسماعيل كيميجي، رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم في هاتاي، إن المنتقدين يبالغون في تصوير وجود المقاتلين في أنطاكية. ويرى أن هذه المخاوف ليست سوى جلبة هدفها إثارة الفرقة. وقال كيميجي «يطالب السوريون بدولة جديدة حرة». وقال عن السوريين في هاتاي «لا ندري إلى أي ديانة ينتمون، لكن السياسة التركية تقوم على مساعدة الجميع». مع ذلك تزداد التوترات سوءا. وشكا سكان أنطاكية خلال مقابلات من عدم دفع الثوار السوريين الحساب في المطاعم أو سرقتهم للحلي من النساء رغم أن هذا لم يحدث لأحد منهم. واعترض عدة آلاف من الناس نهاية الأسبوع الماضي على مشاركة تركيا في ما وُصف بالمخطط الإمبريالي ضد سوريا. ورأى البعض ضرورة مغادرة كل الثوار لتركيا.

ويقول السوريون، الذين يتم إجراء مقابلات معهم، إنهم عادة ما يشعرون بترحاب الناس بهم، لكنهم يدركون أن هذا ربما يقل بالتدريج. وقال البعض في منزل آمن للثوار في ريهانلي، حيث لا يوجد سوى القليل من العلويين، إن الأتراك يمدونهم بالموارد ويشدون من أزرهم. وقال قائد للثوار قدم نفسه باسم مستعار هو أبو هاشم «نحن نقوم بما في وسعنا للالتزام بالقوانين في دول غريبة». مع ذلك يرى أن الجدل ينبغي أن يدفع تركيا إلى الإسراع بإنهاء الحرب. وأضاف «من الأفضل للحكومة التركية أن تزودنا بالأسلحة. وبذلك يضعون حدا لهذا الهرج الحادث هنا».

* شاركت كارين دي يونغ في إعداد هذا التقرير من واشنطن

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»