طفلة سعودية تعاني من مرض نادر.. ووالدها تقطعت به السبل بين المستشفيات

توفيت أختها من مرض مشابه.. والأطباء شخصوا حالتها بـ«توريت»

الطفلة مريم على سرير المرض
TT

تعاني طفلة سعودية من حالة مرضية «نادرة» لم تكن الأولى التي تصيب فردا من عائلتها، فأختها الكبرى قضت من هذا المرض الذي وقف الأطباء حتى يوم أمس في حيرة من أمره، بينما تتقطع السبل بوالدها الذي فقد ابنته، وينظر بعين الأسى للأخرى بين مستشفيات الأحساء والظهران والرياض، وإدارات الشؤون الصحية عله ينقذ البنت الأخرى.

الطفلة مريم محمد الجريسان التي لم تتجاوز ربيعها العاشر مصابة بمرض غريب توفيت منه أختها، يتلخص في نوبات دائمة ومستمرة ومتواصلة من السعال، فهي لا تستطيع العيش بشكل طبيعي، ولا تخلد للراحة إلا إذا تمكن منها التعب والإرهاق، وهذا منعها من الاختلاط بالناس والعيش في نمط حياة طبيعي أو حتى الذهاب للمدرسة.

في حين ذكر اختصاصي بمستشفى الملك فيصل التخصصي، أن «الطفلة مريم تعاني من مرض اسمه (توريت) وهو مرض نادر وفريد من نوعه وعبارة عن خلل عصبي وراثي، ومنذ الطفولة المبكرة تظهر أعراضه».

والدها الخمسيني وهو على مشارف التقاعد من عمله العسكري بعد 3 عقود يخشى على حياة ابنته، فسبق أن فقد أختها التي كانت تعاني من نفس الأعراض، هو أيضا يعاني من أزمة أخرى، فزوجته تعاني من فشل كلوي.

يقول الجريسان لـ«الشرق الأوسط»: «تعبت كثيرا لإيجاد حلول علاجية لطفلتي.. حتى إنني فكرت في بيع منزلي الذي أستظل وأسرتي تحت سقفه من أجل تحصيل مبلغ مالي يسهم في علاجها».

ويضيف والد مريم: «ابنتي الكبيرة مريم (تحمل نفس الاسم) توفيت أمام ناظري وناظر والدتها بعد أن أخرجت من أحد المستشفيات الكبيرة، ونخشى أن يتكرر نفس السيناريو مع مريم الثانية التي سميت بهذا الاسم لحفظ ذكرى شقيقتها المتوفاة».

ويضيف: «بالنسبة لمريم، فإن السعال الشديد لا يتوقف إلا في حال غمض جفنها وسكن أنينها، وهذا سر الحالة الغريبة بالفعل والتي تجعلها غير قادرة على الانتظام بالمدرسة». ويتساءل: «هل يمكن اعتبار ابنتي من ذوي الاحتياجات الخاصة أم أن حالتها يمكن أن تصنف كحالة فريدة من نوعها؟».

وبين أنه عرضها على أكبر المستشفيات الحكومية في المملكة وأبرزها مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض ومستشفى الحرس الوطني بالأحساء وغيرها من المستشفيات ولكن الأطباء لم يجدوا الحل لحالتها رغم إجراء الكثير من الفحوصات والاختبارات الطبية لها حتى أنهم اختبروها في الجانب النفسي ولكنها أثبتت أن معاناتها ليست نفسية كونها في حالة استقرار نفسي ولديها فهم مناسب وتحفظ سورا من القرآن الكريم وتم اختبارها في عدة جوانب وتجاوزت الاختبار النفسي وهذا ينفي تماما أن تكون مصابة بمرض نفسي.

ويصف والدها شيئا من حالتها اليومية ويقول: «وصف لها الاختصاصيون النفسيون عددا من الأدوية وكلما تناولت الأدوية التي وصفت لها ارتفعت حدة السعال وحصل لها جفاف شديد ومستمر مع لوي في الرقبة للجهة اليسرى وتبول مستمر، مما يجعلها تخرج من غرفتها وتسير في ممرات المنزل وتشعر بأن هناك شيئا ما يخنقها ثم تترنح أثناء الوقوف مع ضيق التنفس ولا تتوقف عنها هذه الحالة حتى تنهار وتنام».

ويعتقد الجريسان أن الحل الأمثل هو نقل الطفلة للعلاج في الخارج، فبالنسبة لمريم الأولى التي توفيت، تم استحداث فتحة في الحنجرة تساعدها على التنفس، على الرغم من أن أطباء شخصوا حالتها بأنها مجرد عوارض نفسية، وذلك أمام انسداد الأفق لإيجاد تفسير علمي لهذه النوبات المستمرة من السعال. ويقول: «كيف يجري استحداث فتحة في الحنجرة إذا كان الأمر مجرد حالة نفسية».

وأشد ما يعاني منه الجريسان هو بعد المسافة بين المواعيد التي تضرب له من المستشفيات الحكومية، لكن الدكتور عبد الله السنبل في مستشفى الملك فيصل التخصصي أوضح أن أكثر الأطباء الذين يعرفون بحالة الطفلة مريم وقبلها شقيقتها المتوفاة، يلحظون اختلافا بين الحالتين، وقال: «الطفلة مريم تعاني من مرض اسمه (توريت) وهذا المرض نادر من نوعه وهو عبارة عن خلل عصبي وراثي يظهر منذ الطفولة المبكرة تظهر أعراضه على شكل حركات عصبية لا إرادية متلازمة يصاحبها متلازمات صوتية متكررة. وسمي المرض بهذا الاسم نسبة إلى مكتشفه الدكتور توريت والذي وصف حالة هذا المرض في عام 1873م واستمر بعض الأطباء في وصف حالات لمرضى بهذا المرض، حتى أطلق عليه الطبيب توريت اسمه على المرض مع أنه ظهرت حالات مشابهه منذ عام 1810 و1825 والصورة المعتادة لهذا المرض هو حركات لا إرادية، اندفاعية، مفاجئة، وكذلك خروج ألفاظ غير حسنة من المريض بصورة اندفاعية، وعدم قدرة الشخص على السيطرة على ما يخرج منه من كلمات مستغربة. وكذلك بعض الأعراض الوسواسية القهرية، وأحيانا العدوانية، بسلوك عدواني ضد الآخرين وأحيانا بسلوك عدواني ضد الشخص نفسه. لذلك نجد بعض الأطفال الذين يعانون من هذا الاضطراب قد يندفعون فجأة ويعتدون على أشخاص آخرين دون أي مبرر أو سبب واضح. وهذا أحد أعراض مرض توريت».

وبين الدكتور السنبل لـ«الشرق الأوسط» أنه أشرف شخصيا على حالة شقيقتها المتوفاة وشقيقة أخرى لها ولكن إحدى شقيقاتها شفيت ولكن من مرض غير مشابه للمرض الحالي التي تعاني منه مريم. فشقيقتها المتوفاة، رحمها الله، كانت تعاني من الالتهابات المتعددة في الغضاريف وكانت تحتاج للعلاج المكثف، وأما أختها الأخرى فكانت حالتها أقل وتم علاجها أما مريم فهي تعاني من مرض توريت والذي له علاقة بالطب النفسي والأعصاب كما تم تعريفه.

وتم تسجيل حالة مشابهة في أحد مستشفيات الرياض، لطفلة عربية كانت تعاني من مرض «توريت».

من جانبه، قال إبراهيم الحجي، المتحدث باسم مديرية الشؤون الصحية في الأحساء، إنه تم إرسال التقارير الطبية الخاصة بالمريضة والصادرة من مستشفى الحرس الوطني بالأحساء إلى مستشفى الملك فهد هناك، وبناء على تلك التقارير قال: «حصلت عليها من مراسل الصحيفة» على اعتبار أن المريضة لا تملك ملفات طبية في المستشفيات الحكومية بالأحساء تختص بهذه الحالة فقد تم تحديد مواعيد عاجلة للطفلة مع الأطباء ذوي الاختصاص.

وأضافت مديرية الشؤون الصحية: «تم وضع برنامج علاجي لها ولا يمكن الحكم سريعا على أنها بحاجة للعلاج خارج المملكة من عدمه، وخصوصا أن الحالة التي تمر بها الطفلة مريم سبق أن مرت على مريض آخر وتمت مراحل علاجه بالمملكة».

وأضاف والد الطفلة لـ«الشرق الأوسط» أنه عرض ابنته بناء على طلب المسؤولين الصحيين في مستشفى الجبر في القسم المتخصص بالأنف والإذن والحنجرة، حيث تم إجراء فحوصات قامت بها اختصاصية سعودية، أفادت بعدها بتعذر علاجها هناك، طالبين عرضها مجددا على الاختصاصية النفسية، حسبما أفاد، مجددا دعوته وزير الصحة إلى التدخل لإنقاذ ابنته عبر عرضها على لجنة طبية تتولى تقرير حالتها ودراسة إمكانية إرسالها لتلقي العلاج في الخارج.