القمة الأوروبية تنطلق اليوم.. والعالم ينتظر إشارات تطمينية منها

أجندتها تتضمن الاتحاد النقدي وآلية مراقبة القطاع المصرفي

منطقة اليورو وعملتها الموحدة على المحك
TT

وجه رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي هرمان فان رومبوي، الدعوة لقادة الدول الأعضاء في التكتل الموحد للاجتماع في بروكسل اليوم (الخميس) وغدا (الجمعة)، وفي رسالته المفتوحة للقادة الأوروبيين، حدد فان رومبوي أجندة القمة، عندما قال، إنه سيعرض على القمة تقريرا حول الاتحاد الاقتصادي والنقدي، وإنه أعد التقرير بالتعاون مع رئيس المفوضية الأوروبية ورئيس مجموعة اليورو ورئيس المصرف المركزي الأوروبي، وذلك بناء على تكليف من القادة الأوروبيين صدر في قمة يونيو (حزيران) الأخيرة في بروكسل، وقال فان رومبوي، إن التقرير يشكل الخطوة الثانية على طريق تحديد رؤيتنا الحقيقية لإكمال الاتحاد النقدي والاقتصادي ويتضمن أفكارا عدة تحتاج إلى المزيد من التباحث والنقاش وأشار إلى أنه بعد جلسة الاجتماع التقليدية مع رئيس البرلمان الأوروبي في بداية القمة سيتم طرح التقرير للمناقشة بحضور رئيس المركزي الأوروبي خلال الجلسة الأولى من القمة وتستكمل المناقشة على عشاء عمل، وذلك للتوصل إلى ما من شأنه أن يعطي دفعة للعمل الجاري حاليا بشأن مقترحات تشريعية وخاصة فيما يتعلق بوضع آلية إشراف واحدة على القطاع المصرفي مع إعطاء توجيهات فيما يتعلق بالعمل من أجل المزيد من التكامل بشأن الموازنة في اطر السياسات الاقتصادية، مع مناقشة ما يجب إعطاؤه من زخم لاتفاق النمو والتوظيف تنفيذا لقرارات قمة يونيو الماضية، وذلك في ظل مخاوف من تخلف البعض عن الركب وضرورة ضمان سرعة تنفيذ الاتفاق على الصعيد الوطني وعلى الصعيد الأوروبي بشكل عام. وأشار رئيس المجلس الأوروبي إلى أن مناقشات اليوم الثاني من القمة ستركز على علاقات الاتحاد الأوروبي مع الشركاء الاستراتيجيين مع إعطاء تفاصيل بشأن ما جرى التباحث بشأنه في القمة الأوروبية الصينية الأخيرة مع اعتماد مواقف أوروبية بشأن ملفات دولية على ضوء المناقشات التي أجراها رؤساء الدبلوماسية الأوروبية في لوكسمبورغ مؤخرا. يأتي ذلك في حين بلغ معدل التضخم السنوي في منطقة اليورو 2.7 في المائة في شهر سبتمبر (أيلول). المعدل جاء أدنى من توقعات المحللين لكنه ما زال يفوق الحد الأقصى الموضوع من قبل البنك المركزي الأوروبي وهو 2 في المائة. والسبب الرئيسي للتضخم والذي شكل مفاجأة في أوساط المحللين هو ارتفاع أسعار الملبوسات بمعدل 14 في المائة، وذلك إضافة لارتفاع أسعار الطاقة. يأتي ذلك في حين تنتظر الأسواق القمة الأوروبية وذلك في ظل حالة الضبابية التي تسيطر على الأسواق مع غياب أي قرارات جادة أو جديدة نحو الوصول إلى حل جذري لأزمة الديون السيادية البالغ عمرها ثلاث سنوات حتى الآن. المواضيع ذات الأولوية لدى الأسواق والتي يأمل أن يتم مناقشتها خلال القمة تتمثل في هل من الممكن أن تطلب إسبانيا رسميا المساعدة الدولية خلال تلك القمة، لا سيما بعد خفض التصنيف الائتماني للديون السيادية طويلة الأجل وكذا قصيرة الأجل. وحتى الآن تمثل إسبانيا محور اهتمام المستثمرين خاصة أنها الأقرب إلى طلب المساعدة، لكن حتى الآن ما زالت الحكومة تتمنع في طلب المساعدة والخضوع لشروط المقرضين الدوليين وإن كانت تقارير تفيد بأن إسبانيا قد لا تستطيع مقابلة المستهدف بتخفيض العجز خلال العامين المقبلين وذلك على حسب تصريحات صندوق النقد الدولي. وينتظر أيضا خلال هذا الأسبوع رد فعل الأسواق عند قيام إسبانيا بطرح سندات لأجل 2015 و2016 و2022 يعني سندات لأجل ثلاث وعشر سنوات وبالتالي سوف يكون التركيز على العائد على السندات. وأيضا من ضمن المواضيع المهمة التي سيتم مناقشتها خلال القمة الأوروبية مشروع إنشاء «اتحاد البنوك» وتوحيد السياسة المالية لدول منطقة اليورو بجانب التمويل المباشر للبنوك من خلال آلية صندوق الاستقرار الأوروبي. وعلى الجانب الآخر لا تزال اليونان أيضا من ضمن الأولويات التي قد يتم طرحها أثناء القمة، خاصة مع معاودة المباحثات بين الحكومة اليونانية والمقرضين الدوليين (صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي) حيث يتوقع أن يتم الوصول إلى اتفاق حول حجم خطط التقشف والتي تمكنها من الحصول على الشريحة الثانية من المساعدات. وفي برلين، رفضت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الانتقادات الموجهة إلى اليونان في مؤتمر لأصحاب العمل، وذلك في ظل الضغوط التي تتعرض لها ألمانيا لزيادة الطلب المحلي في منطقة اليورو التي تسير معظم دولها في خطط تقشفية لتخفيض ديونها وقد قالت: «الحكومة الألمانية ورجال الأعمال سيتوجهون إلى البرتغال، وأنا شخصيا زرت اليونان لأراقب سيرها في الإجراءات اللازمة، ولقد لاحظت تطورا وقد كان أبطأ من توقعاتنا. لكن بشكل عام حصلت تغيرات في طريقة معالجة الأزمة». تصريح ميركل يأتي قبل ساعات من القمة التي سيعقدها الزعماء الأوروبيون في بروكسل وهو يعد مؤشرا على استعداد ألمانيا لمساعدة اليونان لإبقائها في منطقة اليورو. وفي الشأن الإسباني، خفضت وكالة «ستانداردز آند بورز» التصنيف الائتماني لـ15 مصرفا إسبانيا، وتوقعاتها تجاه أكبر مصرفين مقرضين في إسبانيا: سانتاندير وBBVA جاءت سلبية. هذا التخفيض يأتي بينما تواجه الحكومة الإسبانية ضغوطا كبيرة لطلب حزمة إنقاذ أوروبية نتيجة لأزمة ديون مصارفها العقارية. إحدى المراجعات أشارت إلى أن عجز المصارف يقارب ستين مليار يورو، بينما أعلنت وكالة «موديز» العالمية للتصنيف الائتماني إبقاءها على تصنيف إسبانيا عند «بي آي آي 3» دون تغيير مع توقعات سلبية على ضوء الأنباء المتناقلة إزاء اقتراب موعد مدريد من طلب حزمة مساعدات مالية. ونقلت تقارير عن الوكالة (موديز) أن قرارها بالإبقاء على التصنيف الائتماني للديون السيادية الإسبانية دون تغيير يأتي نتيجة تراجع المخاطر من مواجهة ديون البلاد مشكلات في الأسواق بفضل جهود البنك المركزي الأوروبي واستعداده لشراء الديون الإسبانية لاحتواء تقلبات الأسواق. وأضافت أنها على قناعة بأن إسبانيا ستطلب حزمة إنقاذ من آلية الاستقرار الأوروبي في وقت قريب، مشيرة إلى أن ذلك سيساعد بدوره البنك المركزي الأوروبي في تفعيل برنامجه لشراء السندات الإسبانية في الأسواق الثانوية. وأشارت إلى أن هناك توقعات سلبية بشأن ديون إسبانيا نظرا لوجود عوامل سلبية على رأسها مسألة صعوبة خفض العجز في الموازنة والمخاطر التي تحدق باليورو في ظل تدهور الوضع في اليونان وما له من تداعيات سلبية على إسبانيا. ومن جانب آخر أشادت «موديز» بالإصلاحات الهيكيلة التي طبقتها إسبانيا بهدف خفض العجز في موازنتها وخفض ديونها.

وقيمت الوكالة عاليا قرار إصلاح القطاع المصرفي الإسباني الهادف إلى تحسين الملاءة المالية للمؤسسات المتضررة من الأزمة، مشددة على أن من شأن ذلك إعادة ثقة الأسواق بالنظام المصرفي الإسباني بأكمله. وفي لشبونة أعلنت الحكومة البرتغالية عن تبني خطة تقشف اقتصادية صارمة تتضمن زيادة ضخمة في الضرائب وخفضا في الإنفاق لعام 2013. وتزامنا مع إعلان الخطة الجديدة تظاهر آلاف البرتغاليين أمام مقر البرلمان تنديدا بسياسة الحكومة التقشفية الجديدة، التي لا تلبي طموحات الشارع البرتغالي. وقال وزير المالية البرتغالي فيتور جاسبار: «من خلال ميزانية عام 2013 سوف يبقى عجز الميزانية عند حدود 7 مليارات ونصف المليار يورو، بالتوافق مع نسبة 4.5 من إجمالي الناتج العام، هذه الخطة لعام 2013 تم التوافق عليها في اجتماع المجموعة الأوروبية». ويصف المعارضون هذه الخطة بأنها ستسهم في رفع معدلات البطالة إلى مستويات قياسية وستدفع البلاد إلى ركود اقتصادي عميق يستمر عدة سنوات. وخلال اليومين الماضيين دفعت السياسات التقشفية مجددا الإسبان والبرتغاليين إلى التظاهر في شوارع مدنهم للتعبير عن رفضهم الأمر الواقع المفروض من طرف الحكومات ودائنيها الدوليين. حركة «الناقمون» الإسبان نظمت مظاهرة في مدريد تنديدا بالسياسات التقشفية المتوالية في ظرف يتزايد فيه الحديث عن إمكانية طلب الحكومة الإسبانية خطة إنقاذ من منطقة اليورو لمواجهة الأزمة. المحتجون لا يفهمون لماذا تقدم المساعدات المالية للبنوك وهي المسؤولة الأولى عن الأزمة، في حين تشد الأحزمة على بطون الأجراء والفقراء. المحتجون قالوا إنهم يرفضون تسديد ديون هم أبرياء منها وليسوا مسؤولين عن تراكمها. إنهم غاضبون عن نظامهم الذي يعتبرونه متحالفا مع رأس المال على حساب البشر. التظاهر بدأ بمسيرة أمام مقر لإحدى مؤسسات الاتحاد الأوروبي قبل الوصول إلى مقر البنك المركزي الإسباني لينتهي في ساحة «لا بويرتا ديل صول» مهد حركة «الناقمون» التي شهدت النور في 15 مايو (أيار) 2011. وفي البرتغال اتخذت الاحتجاجات طابعا أكثر احتفالية شارك فيه عدد كبير من الفنانين في مدينة لشبونة وفي مدن أخرى، وتحولت ساحة في لشبونة، التي اختيرت كرمز للمعاناة الاقتصادية - الاجتماعية المشتركة للشعبين الإسباني والبرتغالي، إلى ساحة حفلات في الهواء الطلق وساحة رفض لشد الأحزمة على البطون إلى ما لا نهاية.