العنف اليومي يصارع حياة العراقيين.. لكنه لا يوقفها

الأماكن التي تستهدفها التفجيرات تستعيد حالتها الطبيعية بعد ساعات من وقوعها

عراقيون يعاينون آثار انفجار وقع مؤخرا في مدينة الصدر ببغداد (رويترز)
TT

تنفجر السيارة المفخخة في ساحة وسط بغداد، لتشتعل معها السيارات المحيطة، وتتحطم واجهات المحلات القريبة، وترتفع فوقها غيمة رمادية، بينما تبدأ دماء ضحايا الهجوم بالتمدد على أرض الحادث. وفي تسجيل مصور قصير التقطته كاميرا جهاز هاتف جوال، تظهر لحظات ما بعد هجوم ساحة الأندلس، فيما تبدو في تسجيل آخر، جرى تصويره بعد أيام من الهجوم، لافتة سوداء كتب عليها اسم حسن جواد زغير وقد رفعت أمام المحل الذي كان يعمل فيه.

هذا الحادث كان واحدا من تفجيرين بسيارتين مفخختين قتل فيهما ما لا يقل عن 12 شخصا في 31 يوليو (تموز) الماضي، الشهر الذي شهد أكثر من مائة هجوم في عموم البلاد. وحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، لم تكد تنقضي ساعات على التفجيرين، حتى بدأت ساحة الأندلس تستعيد حالتها الطبيعية، فطليت المحلات التي تضررت، وتم تغيير زجاجها الذي تحطم، وعاد المارة والسيارات يتجمعون فيها ويعبرونها دون تردد.

ويعكس هذا التبدل السريع من حالة إلى أخرى قدرة العراقيين على البناء بعد أن يضرب العنف، وتأقلمهم مع حقيقة أنهم لا يملكون خيارا آخر غير المضي بحياتهم على الرغم من كل شيء، وعلى الرغم من كل المخاطر. ويقول حكمت، أحد أشقاء حسن، وهو يجلس على طاولة في محل بيع الفلافل الذي تملكه عائلته: «نشعر بخوف أكبر الآن. كلما توقفت سيارة هنا، أشك في أنها قد تكون مفخخة». وكان حكمت يجلس وراء منضدة داخل المحل عندما وقع الهجوم، الأمر الذي منع الأذى عنه، بينما أودت إحدى الشظايا بحياة حسن، حيث كان يقف عند مدخل المحل الذي تعرض لأضرار جسيمة جرى إصلاحها في وقت لاحق.

ويقول شقيقهما علاء إنه اتصل بحسن في ذلك اليوم طالبا منه المغادرة بعدما وقع انفجار في منطقة أخرى من بغداد، من دون أن ينجح في ذلك. ويروي علاء الذي كان في منزل العائلة القريب حين وقع الهجوم: «عندما أذهب إلى أي مكان أشعر بالخوف والقلق من أن انفجارا قد يقع».

ويقول علاء إن حسن (28 عاما) كان يتعامل بمودة مع الآخرين، مشيرا إلى أن شقيقه أرسل زهورا وأوقد شموعا في كنيسة سيدة النجاة بعدما قتل فيها مسلحون عشرات المصلين عام 2010. ويلفت إلى أن موت حسن خلف آثارا مدمرة على العائلة، وخصوصا الوالدين اللذين لا يكفان عن البكاء. واضطرت العائلة إلى بيع مجوهرات من أجل دفع ثمن مراسم دفن ابنها وإصلاح المحل الذي أعيد افتتاحه بعد أيام فقط من الهجوم.

وعلى الرغم من انخفاض معدلات العنف في العراق مقارنة بعامي 2006 و2007، عندما كانت تحصد موجات التفجيرات نحو ألف قتيل في الشهر الواحد، فإن هذه الهجمات لا تزال حدثا يوميا يهدد حياة العراقيين، خصوصا في ظل تزايدها في الأشهر الأخيرة.

وقتل 365 شخصا في العراق في سبتمبر (أيلول) بحسب حصيلة لوزارات الداخلية والدفاع والصحة، ما يجعله الشهر الأكثر دموية منذ مقتل 426 شخصا في أغسطس (آب) 2010. وتشمل الهجمات اليومية العبوات الناسفة واللاصقة والسيارات المفخخة والتفجيرات الانتحارية وعمليات الاغتيال التي ينفذ قسم منها بأسلحة مزودة بكواتم للصوت وأخرى بالرشاشات، ويستهدف معظمها مراكز ونقاط تفتيش للشرطة والجيش.

وعلى الرغم من مرور تسع سنوات على هذه الحال، فإن العراقيين يواصلون حياتهم على الرغم من المخاطر، ويذهبون إلى عملهم ويتبضعون في الأسواق التي غالبا ما تستهدف، ويقصدون المساجد والمطاعم والمقاهي مستقلين سياراتهم حتى بعد وقت قصير من وقوع هجمات فيها. وبالنسبة إلى غالبية العراقيين الذين لا يستطيعون مغادرة البلاد، فإنه لا خيار آخر لديهم.

ويروي صلاح كامل الذي كان يعمل في أحد المحلات التجارية في ساحة الأندلس يوم الهجوم، أن حسن كان يشك في السيارة التي تسببت بمقتله، وقد حاول إبعاد الناس عن المكان. وحاول صلاح الذي أصيب بجروح في الهجوم أن ينقذ حسن بعد إصابته بحروق وجروح بليغة جراء الانفجار، أدت إلى وفاته في المستشفى. ويقول صلاح إنه قرر التوقف عن العمل في هذه الساحة التي باتت تذكره بصديقه حسن، وبالجثث التي رآها ترقد فوق أرض الساحة، والجرحى الذين حاول مساعدتهم لمغادرة موقع الهجوم.

إلا أن حاجة صلاح إلى المال أجبرته على العدول عن قراره، والعمل في المحل الذي تملكه عائلة حسن، حيث يحصل على 15 ألف دينار (نحو 12.5 دولار) في اليوم الواحد. ويدرك صلاح أن هناك احتمالا أن يقع هجوم آخر في المكان ذاته، ويقول: «أول شيء أقوله عند كل صباح هو أنني لن أعيش هذا اليوم. ولماذا لن أعيش؟ لأنني في خطر، ربما ستأتي سيارة (مفخخة) وأموت». ويضيف بحسرة: «أشعر بالخطر لكنني أريد أن أهتم بعائلتي، فأنا أشد قلقا عليهم من قلقي على نفسي. جسدي هنا وروحي معهم».