وزير الخارجية الفرنسي: نصف سوريا مناطق محررة

ممثلو 20 دولة التقوا في باريس لتنسيق مساعداتهم للمجالس المدنية

TT

22 دولة تمثلت في اجتماع باريس أمس لدعم المجالس الثورية المدنية في سوريا، بينها ست دول عربية هي السعودية ومصر والمغرب والإمارات العربية المتحدة وقطر والأردن، إضافة إلى ممثل عن الجامعة العربية بصفة مراقب. وكذلك الدول الغربية الرئيسية: الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا، فضلا عن كندا وأستراليا واليابان. وبحضور ممثلين عن خمسة مجالس ثورية سورية جاءوا إلى العاصمة الفرنسية من الداخل السوري وفرنسا، وجاء من سوريا ممثلون عن المجالس المحلية في حمص ومعرة النعمان وجبل الزاوية وتل رفعت وأتارب.

ويأتي الاجتماع بناء على رغبة باريس في الترويج للنهج الجديد الذي تتبعه منذ بداية سبتمبر (أيلول) الماضي في مساعدة ما تسمى «المناطق المحررة»، أي تلك التي خرجت وبشكل نهائي عن سلطة الدولة السورية واختارت مجالس محلية مدنية أو مطعمة لإدارة شؤونها الحياتية اليومية.

وفي الكلمة الافتتاحية التي ألقاها، حدد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أربعة أهداف للاجتماع الذي تم على مستوى كبار الموظفين أو السفراء في فرنسا، وهي: توفير المساعدة للسكان الذين لا تصلهم المساعدات عبر القنوات الإنسانية التقليدية (الأمم المتحدة، الصليب الأحمر والمنظمات غير الحكومية)، وتقديم الدعم المباشر للمجالس المحلية التي ينظر إليها على أنها قطب استقرار ونواة حكم محلي ديناميكي وثابت، وتقوية موقع المدنيين في حكم سوريا ما بعد الرئيس الأسد، وأخيرا التعويض عن شعور إهمال المجموعة الدولية الذي ينتاب الشعب السوري بعد عشرين شهرا على انتفاضته.

غير أن الوزير الفرنسي سارع إلى القول إن العمل الإنساني «ليس - ولا يجب أن يكون - محور العمل الوحيد للأسرة الدولية؛ إذ علينا الاستمرار في السعي لإسقاط نظام الأسد وحصول عملية الانتقال الديمقراطي». ومن خلال هذا التنويه، سعى فابيوس للرد على بعض الانتقادات التي تعتبر التركيز على العمل الإنساني الجزئي «تفصيل يخفي العجز الدولي عن وقف الحرب القائمة على الشعب السوري».

غير أن الهدف المباشر الذي سعت إليه باريس هو محاولة جر دول أخرى للعمل معها على دعم المجالس المحلية، والذي ترى فيه عملا إنسانيا وسياسيا على السواء. وبحسب مصدر دبلوماسي فرنسي، فإن الجهود الفرنسية أسفرت عن نتائج أولية تمثلت بانضمام ألمانيا وكندا إلى الأعمال التي بدأتها باريس في «المناطق المحررة».

وعلى صعيد الوضعين السياسي والعسكري، ندد فابيوس بـ«هروب النظام الجنوني إلى الأمام» ولجوئه للعنف الأعمى واستهداف المستشفيات والمدارس بالطائرات والأسلحة الثقيلة، منددا خصوصا باستخدامه البراميل المتفجرة المحشوة بـ«تي إن تي» والقنابل العنقودية. وأكد فابيوس أن باريس «تملك شهادات» على استخدام النظام للقنابل العنقودية، رغم النفي القطعي الذي صدر عن دمشق.

واعتبر فابيوس أن نصف الأراضي السورية يمكن اعتبارها مناطق محررة، وأن القوات السورية الموالية للنظام «موجودة في موقع دفاعي وليس بمستطاع بشار (الأسد) أن يعيد سيطرته عليها». وبحسب الرؤية الفرنسية، فإن المناطق المحررة «ليست مهددة أرضيا وميدانيا». وبالمقابل، فإن «الخطر الأساسي» يأتي من الجو، بيد أنه رأى أن توافر «بعض الوسائل» للدفاع الجوي للمعارضة تلزم طائرات النظام الحربية وطوافاته على القصف من ارتفاعات عالية، ما يعني أنه أصبح «أقل دقة».

وبخصوص اقتراح المبعوث العربي - الدولي الأخضر الإبراهيمي بإقرار هدنة تبدأ مع عيد الأضحى المقبل، اعتبر فابيوس أنه «اقتراح جيد» شرط أن «تتوافر له الوسائل» التي تسهل تطبيقه وتجعله قابلا للحياة. لكن باريس لا تبدو متشجعة لجهة العمل به إذ إنها تعتبر، من جهة، أن هذه الوسائل «غير متوافرة» وفق ما قاله الوزير، فضلا عن أنها تستذكر رفض دمشق اقتراح الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الشبيه بما يقترحه الإبراهيمي اليوم.

ونبه فابيوس إلى المخاطر التي يمكن أن تترتب على استمرار القتال ومعاندة النظام لجهة «تكاثر الجهاديين» في سوريا، الذين «ما زالوا حتى اليوم أقلية، لكن استمرار المعارك إلى أمد طويل وبقاء النظام يحمل في طياته خطر أن تتكاثر أعدادهم وعندها سيكون ذلك بمثابة كارثة». وأشار فابيوس إلى أنه فاتح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي يبرر التمسك ببقاء نظام الأسد للخوف من الفوضى التي ستترتب على سقوطه بهذا الأمر. وبحسب فابيوس، فإن «الفوضى لن تحل غدا، بل هي موجودة اليوم»، واستمرار الدعم الروسي «سيعطي الغلبة للمتطرفين الأمر الذي يتعين تحاشيه إطلاقا». وكرر الوزير الفرنسي دعوته لتوحد المعارضة ولفت للحاجة للحفاظ على المؤسسات السورية وتوفير الضمانات للأقليات.

وفسرت مصادر رسمية فرنسية «التشدد المتزايد» في المواقف الروسية بـ«جمود الوضع عسكريا واعتبار موسكو أن نظام الأسد يمكن أن يستمر، وبالتالي فلا سبب يستوجب تغييره». وكان فابيوس نقل عن لافروف أن الأسد «لن يرحل إطلاقا»، في حين أخذت فرنسا عليه التناقضات الواضحة في موقفه لجهة تبني موسكو لبيان جنيف الذي ينص على «انتقال سياسي»، أي رحيل الأسد، وتأكيد روسيا أن الأخير لن يتخلى عن السلطة.

وأوردت المصادر المذكورة سببا إضافيا لرغبة فرنسا في دعم المجالس المحلية، إذ إنها تنظر إليها على أنها «نموذج لسوريا المستقبل». ولذا فإن حلول الفوضى في المناطق المحررة سيكون بمثابة «النموذج المعاكس والسيئ»، وبالتالي ثمة حاجة لتنظيم الأمور الحياتية وتوفير الاحتياجات الأساسية. ومن جهة أخرى، فإن باريس، بحسب ما أفادت به هذه المصادر، تريد أن تقوي العنصر المدني في المعارضة في مواجهة العنصر العسكري.

من جهته، وصف عثمان بدوي، رئيس المجلس الثوري في مدينة معرة النعمان وعضو المجلس الوطني لقيادة الثورة اجتماع الأمس بأنه «إغاثي وإنساني». غير أنه أكد أن ممثلي المجالس الثورية السورية طالبوا البلدان المشاركة بالوقوف إلى جانب الشعب السوري، وخصوصا توفير الحماية للمناطق المحررة وإقامة منطقة حظر طيران في الأجواء السورية. وأفاد بدوي بأن ما بين 30 و40 بناية تهدم يوميا في معرة النعمان، وأن البراميل المتفجرة تسقط بناية من خمسة طوابق وتدمر حتى الملاجئ تحت الأرض. وبحسب ما قاله، فإن 80 في المائة من سكان معرة النعمان البالغ عددهم 150 ألفا أخلوا من مساكنهم. لكن رغم ذلك، فـ«نحن نريد أن نضع حدا للنظام الديكتاتوري الشمولي ولحكم الأسد».