بيروت تستفيق من «كابوسها» وهدوء حذر على وقع الانتشار الأمني

شرطة المدينة لـ «الشرق الأوسط» : الوضع الأمني جيد جدا وهناك تجاوب من كل الأطراف

عمال يصلحون اثار التفجير الذي ضرب محلات حي الاشرفية بعد عملية الاغتيال التي استهدفت اللواء وسام الحسن (أ.ب)
TT

بحذر استفاقت بيروت من الكابوس الذي كبل حياتها ليومين متتاليين. بدأ أبناؤها نهارهم بخطوات بطيئة ومدروسة. على أطلال حرائق الإطارات والنفايات اختاروا الطرقات التي سيسلكونها نحو أعمالهم ولسان حالهم «الحمد لله على السلامة.. إن شاء الله تكون انتهت عند هذا الحد»، في حين لا يزال يعتبر آخرون أنه «إذا ما كبرت ما بتصغر»، في إشارة إلى ضرورة استكمال التحرك لإسقاط الحكومة وقطع الطريق أمام أي اغتيالات محتملة.

المتنقل في شوارع العاصمة سيلاحظ عودة الحياة البيروتية الصاخبة وإن كانت «مسمومة» هذه المرة لتطبع يوميات اللبنانيين، ولا سيما مع تقدم ساعات النهار. القوى الأمنية لا تزال منتشرة بشكل كبير في كل المناطق، وخاصة في تلك التي كانت ساحة للمعارك في اليومين الماضيين. وهذا ما يؤكده قائد شرطة بيروت، العميد ديب طبيلي، لـ«الشرق الأوسط» بالقول: «الوضع الأمني جيد جدا. كل الشوارع فتحت والحياة عادت إلى طبيعتها بعيدا عن أي مشكلات أمنية، باستثناء الخيام التي لا تزال منصوبة في وسط بيروت»، لافتا إلى أن هناك تجاوبا من كل الأطراف والدوريات لا تزال مستمرة وتتنقل في كل المناطق.

أهالي طريق الجديدة ومحيطها، معقل تيار المستقبل، حيث دارت اشتباكات بين أبنائها والجيش اللبناني قبل أن يستعيد سيطرته على أمنها، وإن كانوا لا ينكرون أن بعض شباب المنطقة نزلوا إلى الشارع للتعبير عن غضبهم بعد عملية الاغتيال التي استهدفت اللواء وسام الحسن، يؤكدون أن أحدا من هؤلاء لم يتعرض للجيش اللبناني، في حين «دخل على الخط طابور ثالث في محاولة للإيقاع بين الطرفين وإلصاق التهمة بأبناء المنطقة»، بحسب ما يقول علي، الذي كان موجودا على أرض المعركة ليلة أول من أمس، عازيا سبب هذه التحركات إلى عدم السماح لتكرار أحداث 7 مايو (أيار) 2008، مضيفا: «مع العلم بأن الجيش لم يدخل إلى طريق الجديدة، بل اقتصر وجوده على أطرافها، والشباب الفلسطينيون الذين شاركونا في تحركنا هم إخوتنا وأبناء المنطقة الذين نعيش معهم منذ عشرات السنين، ولم يأتوا من المخيمات كما تروج وسائل الإعلام». وهنا، العتب مضاعف بحسب «أم هاني» على وسائل الإعلام التي ساهمت برأيها بتفاقم المشكلة من خلال تضخيم الوضع وتصوير أحياء طريق الجديدة وكأنها معقل الإرهابيين، مضيفة: «شبابنا طلاب في المدارس والجامعات ليسوا محاربين على الجبهات». بدوره، يعتبر أحمد أن شباب «14 آذار» بشكل عام، وتيار المستقبل بشكل خاص في واد، وقياداتهم في واد آخر، بعدما أصبحوا متقدمين عليهم، وهذا ما بدا واضحا بعدما رفضوا الرضوخ لتعليماتهم التي كانت تطالبهم بالعودة إلى منازلهم، مضيفا: «يئسنا من الخطابات الخالية من أي جدول أو خطط للتحرك، سئمنا خضوعا، في حين يغتالون قيادتنا الواحد تلو الآخر». ويضيف: «مع العلم بأن الجيش لم يدخل إلى منطقتنا بالقوة وبالتالي لم يقتحمها، بل إننا تعاونا مع عناصره للدخول، وهذا دليل على أننا لم نكن خائفين لأننا لم نرتكب خطأ».

وعلى مسافة ليست ببعيدة من طريق الجديدة، وتحديدا في محيط قصقص وشاتيلا، التي كانت بدورها ساحة للاشتباكات وللظهور المسلح وبعض عمليات القنص، شهدت المنطقة تشييع واحد من ضحايا المواجهات وهو الفلسطيني أحمد قويدر الذي قتل خلال الاشتباكات مع الجيش. وباستثناء طلقات الرصاص التي سمعت خلال التشييع، يمكن وصف الوضع الأمني في هذه المنطقة بالهادئ وإن كان على وقع الآليات العسكرية المنتشرة في المنطقة.

في موازاة هذا الواقع، عاد تلاميذ بيروت وضواحيها إلى مدارسهم بعد تعطيل قسري يوم الاثنين، رغم إعلان وزير التربية والتعليم العالي اللبناني حسان دياب أنه لم يكن هناك قرار بإغلاق المدارس، فإن الأهالي فضلوا عدم إرسال أبنائهم خوفا من أي تطورات أمنية. وفي حين تجرأ السواد الأعظم منهم على تجاوز هذا الخوف، يوم أمس، إلا أن بعضا منهم فضل التريث قليلا وانتظار أن تتضح معالم الصورة الأمنية.

وفي الإطار الأمني ولا سيما على خط المعلومات التي أفادت بمشاركة مسلحين فلسطينيين في المواجهات التي وقعت بين أبناء بيروت والجيش، أكد سفير فلسطين لدى لبنان أشرف دبور، أنه «لم يكن هناك أي تدخل فلسطيني في الأحداث التي وقعت في بيروت، بعد اغتيال اللواء وسام الحسن، وأن الفلسطينيين في لبنان هم على الحياد الإيجابي».

وقال دبور بعد لقائه النائبة بهية الحريري على رأس وفد مركزي من فصائل منظمة التحرير «منذ اللحظة الأولى للأحداث، أجرينا اتصالات مع قيادة الجيش ومع القوى السياسية ومع الأحزاب وكل الفاعليات، والجميع يعلم أن الفلسطينيين هم على الحياد في هذه المرحلة بالذات، وهناك توجيهات من الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) والقيادة الفلسطينية بالعمل على الحياد بإيجابية».

من جهته، أعلن أمين سر قيادة الساحة اللبنانية في حركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، فتحي أبو العردات، أن الفلسطينيين اللذين قتلا في بيروت إبان الأحداث الأخيرة «استشهدا برصاص مجهول وهما ذاهبان إلى عملهما في المسلخ وكانا مدنيين ولم تكن هناك أي مشاركة من أي فرد فلسطيني في أي أحداث أمنية».

وأكدت مديرية التوجيه في قيادة الجيش أن «وحدات الجيش المنتشرة في المناطق التي شهدت توترا أمنيا خلال الأيام الماضية، واصلت تنفيذ الخطة الأمنية التي وضعتها القيادة لقمع المظاهر المسلحة، والتصدي لإطلاق النار ولأعمال الشغب والاعتداء على ممتلكات المواطنين»، مؤكدة استمرار هذه الوحدات بتنفيذ عمليات دهم لأماكن المسلحين في بيروت وطرابلس حتى عودة الهدوء التام إلى المدينتين.

وأعلنت أنها «أوقفت خلال تنفيذ مهماتها اعتبارا من الأول من أمس وحتى صباح أمس، نحو 100 شخص بينهم 34 شخصا من التابعية السورية و4 أشخاص من التابعية الفلسطينية، وضبطت في حوزتهم كمية من الأسلحة الحربية والذخائر والعتاد العسكري، وقد أصيب من جراء إطلاق النار من المسلحين، 15 عنصرا من الجيش بجروح مختلفة بينهم ضابطان».