فضيحة انتهاكات جنسية وتواطؤ تعصف بـ«بي بي سي»

مديرها يمثل أمام لجنة برلمانية ويصف الوضع بالخطير

جورج إنتويسل المدير العام الجديد لـ«بي بي سي» بعد مثوله أمام البرلمان في لندن أمس (أ.ف.ب)
TT

وصف رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، الفضيحة الجنسية التي تعصف بهيئة البث البريطاني (بي بي سي) بالصاعقة، وأن الادعاءات بالاعتداءات الجنسية، التي قام بها أحد النجوم التلفزيونيين في صناعة الترفيه، قد هزت المجتمع البريطاني، وأنها تزداد سوءا يوما بعد يوم.

ومثل أمس جورج إنتويسل، المدير العام الجديد لـ«بي بي سي»، أمام البرلمان، ليجيب عن أسئلة صعبة تواجهها مؤسسته بشأن الفضيحة التي تمثلت بالاعتداءات الجنسية على الأطفال المتهم بها السير جيمي سافيل، الذي توفي العام الماضي في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2011. الـ«بي بي سي» أصبحت محل شك، وتواجه اتهامات بالتغطية على ممارسات سافيل، بعد أن اتخذت قرارا بعدم بث برنامج يحقق في الانتهاكات التي قام بها.

وكانت قد تفاقمت الأزمة التي تواجهها «بي بي سي» بعد أن تبين أن منتج برامج حذرها من احتمال اتهامها بإخفاء معلومات حين ألغت تقريرا يتناول ارتكاب سافيل لانتهاكات جنسية ضد الأطفال.

وقدم برنامج «بانوراما»، الذي بث في بريطانيا الليلة قبل الماضية، تفاصيل عن حجم المعلومات التي توافرت لفريق برنامج «نيوز نايت» آنذاك، ورغم ذلك فقد تقرر عدم بث البرنامج، وكان السير سافيل، المتهم بهذه الاتهامات وقتها، ما زال حيا.

برنامج «بانوراما»، الذي يتناول قضايا الساعة الساخنة والذي جاءت أدلته دامغة وموثقة من خلال المقابلات الشخصية لعدد من ضحايا الاعتداءات الجنسية، بث قبل يوم من الجلسات البرلمانية الساخنة التي واجهها جورج إنتويسل أمس. ووصف إنتويسل، الذي أصبح مديرا عاما للهيئة، الفضيحة الجنسية التي تحوم حول سافيل بـ«أمر خطير للغاية» بالنسبة للهيئة.

وجرى استدعاء إنتويسل لتقديم إفادته، أمس، أمام لجنة برلمانية مختصة بالإعلام والثقافة والرياضة، لتفسير سبب «تهاون» شبكة «بي بي سي»، على مدى عقود، حيال اتهامات الاعتداء على النساء والأطفال من جانب سافيل، الذي عمل «دي جي» (مقدم للأغاني) لأكثر من أربعة عقود لدى «بي بي سي» وتوفي في أكتوبر الماضي.

وقال إنتويسل، الذي يواجه عاصفة إعلامية، أمام اللجنة، إنه شعر «بالهول» لدى اكتشافه أن المزاعم ضد سافيل مرت «دون أن تكتشف» طيلة سنوات.

وفي برنامج «بانوراما»ن قال ميريون جونز، وهو أحد منتجي برنامج «نيوز نايت» (نشرة إخبارية تبثها إذاعة «بي بي سي» الثانية ليلا)، وشارك في إعداد التحقيق، إنه حذر رئيس تحرير البرنامج من أن «بي بي سي» معرضة لخطر الاتهام بإخفاء معلومات إذا لم تبث التقرير. ونقلت «بي بي سي» عن جونز قوله: «كنت متأكدا من أن الموضوع سيظهر بطريقة أو أخرى وستتهم (بي بي سي) بإخفاء معلومات».

وقرر برنامج «نيوز نايت» الشهير، الذي تبثه القناة الأرضية الثانية لتلفزيون «بي بي سي»، إيقاف رئيس تحريره، بيتر ريبون، للاشتباه في أنه قام بالتستر على المذيع الشهير وعدم عرض تحقيق عن سلوك سافيل العام الماضي.

ويقع المدير العام الجديد للـ«بي بي سي»، جورج إنتويسل، تحت ضغط حاليا لتفسير السبب في إلغاء برنامج «نيوز نايت» تحقيقا في شأن سافيل العام الماضي. وكان مارك طومسون، الرئيس التنفيذي الحالي لـ«نيويورك تايمز»، مسؤولا عن هيئة الإذاعة البريطانية ويشغل منصب المدير العام في ذلك الحين.

وردا على سؤال ما إذا كانت تلك هي أسوأ أزمة تواجهها «بي بي سي» على الإطلاق، قال إنتويسل، الذي تسلم منصبه قبل شهر: «إنها قضية في غاية الخطورة». وأضاف أن تحقيقين ستجريهما «بي بي سي»، «لاكتشاف حقيقة» الاتهامات، سوف يوضحان ما إذا كانت توجد «ثقافة» في «بي بي سي» شجعت الأفراد على غض الطرف عن سوء تصرف سافيل بسبب نجوميته. الملكة إليزابيث الثانية، ملكة بريطانيا، منحت سافيل لقب «سير»، كونه واحدا من أبرز الشخصيات التلفزيونية الشهيرة في «بي بي سي».

وتناولت وسائل الإعلام البريطاني القضية من خلال الكثير من المقابلات في البرامج التلفزيونية وفي الصحافة المكتوبة، لتبين التغيير في القيم الاجتماعية والسياسية التي طرأت على المجتمع خلال الثلاثين سنة الماضية. وقالت بعض الشخصيات النسائية التي عملت في هذا المجال، الراديو والتلفزيون، إن الأجواء العامة التي سادت فترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي كانت سلبية جدا بخصوص العلاقات بين الجنسين.

وقالت إحدى الشخصيات النسائية الكوميدية، ساندي توكفيك، مقدمة برامج على إذاعة القناة الرابعة التابعة لـ«بي بي سي»، إن الزملاء من الرجال الذين عملت معهم كانوا يلمسونها بطريقة مشينة، مضيفة أن ما كان يزيد الطين بلة هو رد فعل زميلاتها السلبي. وقالت توكسفيك إن شخصا متنفذا تحرش بها، ما زال يعمل في «بي بي سي».

وقالت أخرى إن بعض زملاء العمل تقبلوا الثقافة السائدة بصدر رحب. وقالت إحدى النساء إن زميلاتها قلن لها، بعد أن نقلت لهن ما تعرضت له من تحرش: «هل كان الأمر مثيرا، وإذا لم يكن مثيرا فهذا يعني أنك سحاقية».

وبدأت الشرطة في الأسبوع الماضي تحقيقا جنائيا بشأن ادعاءات بأنه اعتدى على أكثر من 200 ضحية من بينهم أطفال في «بي بي سي» ومؤسسات أخرى، بعد أن زعمت قناة تلفزيونية بريطانية أخرى أنه أقام علاقات مع أطفال على مدى عشرات السنين.

إذ بثت قناة «إي تي في» المنافسة مقابلات مع نساء، ذكرن أن سافيل ارتكب انتهاكات جنسية بحقهن حين كن في الثانية عشرة من العمر، وأن هذا حدث أحيانا بمقر «بي بي سي». وقالت أحداهن إنها رأت مغني الروك غاري غليتر، الذي أدين في فيتنام سابقا بممارسته الجنس مع قاصر، في غرفة تجمعه مع جيمي سافيل. وكان الأخير يراقب غليتر وهو يعتدي جنسيا على طفلة في استوديوهات الـ«بي بي سي».

وبدأت «بي بي سي» تحقيقين مستقلين في المزاعم؛ أحدهما لبحث تصرفات سافيل والآخر للتحقيق في السبب وراء حذف تقرير برنامج «نيوز نايت». ولم تعلق «بي بي سي» رسميا على القضية قائلة إنه من غير الملائم التعليق لحين الانتهاء من نتائج التحقيقين. لكن «بي بي سي» اعترفت يوم الاثنين بارتكاب أخطاء في تعاملها مع الفضيحة الجنسية.