بسبب حربه الشرسة على الفساد.. موظف هندي ينقل من عمله 43 مرة

«أشوك كيمكا» شخص مثير للمتاعب تحدى سلطة عائلة «نهرو غاندي» في السياسة

أشوك كيمكا موظف حكومي يقوم بمحاربة الفساد (واشنطن بوست)
TT

يعتبر أشوك كيمكا شخصا مثيرا للمتاعب، فبمنتهى البساطة، لا يبدي هذا الموظف الحكومي البارز أي تسامح تجاه الفساد، ولذا، ففي كل وظيفة يتقلدها، يبذل قصارى جهده لوقف هذا الفساد. ولكن، ليس من المستغرب على الإطلاق أن لا تأتي مثل هذه التصرفات دائما على هوى رؤسائه.

ففي خلال الأعوام الـ21 التي عمل فيها كموظف حكومي في ولاية هاريانا الشمالية، تسبب تصميم كيمكا على أتباع القواعد في نقله من وظيفته 43 مرة، حيث جرى نقله إلى أقسام أخرى كل 6 أشهر في المتوسط.

وعلى الرغم من أن كيمكا لم يستمر في وظيفته الماضية سوى 80 يوما فقط، فإنه تحول إلى شخص مشهور على الصعيد الوطني من خلال تحدي سلطة عائلة نهرو غاندي، التي تهيمن على السياسة الهندية منذ استقلال البلاد. ومع تصاعد موجة الاستياء تجاه استشراء الفساد الرسمي وتعطش وسائل الإعلام لمعرفة أخبار الفاسد، تحول كيمكا إلى بطل وطني.

بدأ صعود كيمكا نحو الشهرة في الشهر الحالي عندما اتهم النشطاء في مجال مكافحة الفساد روبرت فادرا، زوج ابنة سونيا غاندي، أقوى شخصية سياسية في الهند، بجني عشرات الملايين من الدولارات من خلال سلسلة من صفقات الأراضي المشبوهة منذ صعود «حزب المؤتمر» للسلطة في عام 2004، في الوقت الذي أصر فيه فادرا على نفي هذه الاتهامات.

شاهد كيمكا، الذي كان يعمل وقتها رئيسا لمكتب تسجيل الأراضي في ولاية هاريانا، تقريرا نشر في إحدى الصحف يزعم أن هذه الصفقات المشبوهة قد جرت في 4 من المناطق التي كانت تقع في نطاق مسؤوليته.

وعلى الفور، أمر كيمكا بإجراء تحقيق في هذا الموضوع، مطالبا بإرسال سجلات الأراضي ذات الصلة إلى مكتبه.

يقول كيمكا: «حتى وإن كانت الاتهامات التي أثيرت تبدو غير منطقية، فدعونا نكشف كل الحقائق حتى نؤكد أننا نتمتع بالنزاهة. فإذا كانت هذه الادعاءات صحيحة، ينبغي وقتها اتخاذ الإجراءات اللازمة. روبرت فادرا ما هو إلا مواطن عادي خاضع لسيادة القانون في هذا البلد».

وبعد مرور 3 أيام، أكد كيمكا أن بعض الموظفين الحكوميين في منطقتين مختلفتين قد أخبروه أنهم لم يستطيعوا الامتثال لطلبه بخصوص سجلات الأراضي، وذلك بسبب وجود تعليمات «عليا».

يقول كيمكا: «قلت لهم إن روبرت فادرا ليس فوق القانون، وإن لم تفعلوا ما أمرتكم به، فسوف أرسل إليكم خطابا رسميا، وسيتحول الأمر إلى عاصفة إعلامية».

وفي تمام الساعة العاشرة في تلك الليلة، وصلت مذكرة إلى شقة كيمكا تخطره بأنه قد تم نقله مرة أخرى لوظيفة أقل شأنا بكثير، حيث سيقوم بإدارة شركة تطوير البذور في الولاية.

شدد كيمكا على أن الحكومة شعرت بالخوف من حدوث «فضيحة كبرى»، ولكنه لا يعرف ما إن كان هذا القرار مرتبطا بقضية فاردا أم بغيرها من التحقيقات التي كان قد بدأها في مجموعة من القضايا المماثلة. تبنت جماعات مكافحة الفساد في الهند موقف كيمكا وتعهدوا بالوقوف إلى جانبه. وباستخدام لهجة هندية تقليدية، قال أرفيند كيجريوال، رئيس جماعة «محاربة الفساد في الهند»، الذي تحول إلى العمل في السياسة، للمراسلين الصحافيين: «نحن نقف بقوة مع كيمكا. إننا نحيي كفاحه، وسوف نقدم له أي مساعدة يطلبها. إنني أناشد كل المواطنين الهنود الشرفاء بإظهار بعض الشجاعة في مقاطعاتهم، مثلما قام كيمكا بفضح الفساد». ومن الواضح للغاية أن كيمكا، الذي تمكن من اجتياز أحد أكثر الاختبارات تنافسية في العالم لدخول هيئة الخدمات الإدارية الهندية والحاصل على دكتوراه في علوم الحاسب الآلي، هو رجل يحترم القواعد، حيث تمتلئ أحاديثه بإشارات إلى مقاطع من كتاب القواعد الإدارية وقوانين الأراضي والدستور. وعلى الرغم من ظهوره المتكرر على شاشات التلفزيون الهندي، أكد كيمكا أنه لا ينتقد سياسة الحكومة الهندية في مجال الإعلام، وهو ما يعد في حد ذاته مخالفا لقواعد العمل بالنسبة لأي موظف حكومي.

يقول كيمكا: «رأسمالية المحسوبية والفساد ليست سياسة حكومية. أنا فقط أعبر عن رفضي لرؤسائي في الهرم الوظيفي من صناع القرار الذين يرفضون بشكل صارخ الامتثال لسياسة الحكومة، وينخرطون في مثل هذا النوع من الابتزاز». وفي عام 1993، عندما كان كيمكا يعمل كقاض محلي، طلب منه رئيس وزراء ولاية هاريانا وقتها تدبير بعض الشاحنات الحكومية لنقل الناس إلى أحد المؤتمرات الجماهيرية الخاصة بحزب المؤتمر، وهو الأمر الذي رفضه كيمكا. نجح كيمكا لاحقا في التصدي لاستخدام مادة الأسبست في جدران المستودعات وأنابيب المياه، منتصرا على اتحاد لوبي الأسبست القوي مع بعض السياسيين المحليين.

نجح كيمكا أيضا في الكشف عن قيام أحد التكتلات الاحتكارية بتوريد أنواع من الطوب رديئة الجودة للحكومة، فضلا عن كشف عمليات نقل غير مشروعة لبعض الأراضي المميزة التي تقع خارج نيودلهي إلى إحدى شركات الإنشاءات بأسعار رخيصة، مما ترتب عنه فوزه بجائزة لمكافحة الفساد على المستوى الوطني في عام 2011. أكد كيمكا أنه تبرع بالقيمة المالية للجائزة لصالح أبحاث السرطان والسل.

يقول كيمكا: «أنا أتمتع بحاسة سادسة في اكتشاف عمليات الاحتيال»، ولكن هذا الأمر لم يجعله دائما يحظى بالشعبية بين أصدقائه، خاصة في الوقت الحالي.

يضيف كيمكا: «في الشهر أو الشهرين الماضيين، تخلى عني معظم أصدقائي، أو بعضهم، إما بسبب الخوف أو حتى الغيرة. أشعر بعدم الراحة عند دخولي إلى مقر عملي. أحيانا ما يراودني شعور بعدم الارتياح، وبأنني لست واحدا منهم». وعلى الرغم من ذلك، يقول كيمكا إن مرؤوسيه عادة ما يشعرون بالفخر بالعمل معه. يؤكد كيمكا أنه تلقى كثيرا من رسائل الدعم من بعض كبار الموظفين الحكوميين المتقاعدين والمواطنين الهنود في مختلف أنحاء العالم، وهو الأمر الذي ساعده على تخطي هذا «الكابوس». نفت الحكومة الرواية التي سردها كيمكا بخصوص هذه الأحداث، حيث نفى سينغ هودا، رئيس وزراء ولاية هاريانا، أن تكون عملية نقل كيمكا قد جاءت بمثابة العقاب له، واعدا بإجراء تحقيق حول المزاعم الخاصة بفادرا. وأكد سينغ للمراسلين الصحافيين أنه إذا ما ثبت كذب تلك الادعاءات، فسوف يتم اتخاذ «الإجراءات المناسبة» ضد هذا الموظف.

وفي هذه الأثناء، بدأت حملة من الهمس في نيودلهي حول السمات الشخصية لكيمكا، حيث تساءل الموالون للحكومة عما إن كان كيمكا شخصا لا يستطيع الاستمرار في أي وظيفة.

يقول مانيش تيواري، الناطق باسم حزب المؤتمر الهندي: «هل هو الشخص الوحيد الطيب والباقي جميعهم أشرار؟ أم أن هناك مشكلة جوهرية جرى تجاهلها؟».

ولكن الصحافيين والمحاميين في شانديغار يؤكدون أن كيمكا يتمتع بنزاهة لا تضاهى.

يقول المحامي كولديب تيواري: «من خلال تجربتي الشخصية، هناك نوعان من موظفي الحكومة؛ موظفون يعملون فقط لإرضاء سادتهم من الساسة وموظفون آخرون يعملون من أجل تطبيق القانون والعدالة والفقراء»، مضيفا: «أنا أضع كيمكا في الفئة الثانية، حيث لا يستطيع أي شخص التشكيك في نزاهته وأمانته».

من الواضح للغاية أن الضغوط التي يتعرض لها كيمكا تؤثر عليه بصورة كبيرة، حيث أكد أنه تلقى بعض التهديدات بالقتل.

يقول كيمكا: «يحاول بعض الأشخاص الذين ينتهكون القوانين، والذين يرتكبون المخالفات، تخويفي. فكل هذه الأنواع من التهديدات تجعل الحياة صعبة للغاية بالنسبة لك».

وفي مقابلة أجريت معه في مكتبه المتواضع الجديد، حيث كان يجلس على أريكة برتقالية اللون، تحدث كيمكا بنبرة التحدي، وتعهد بمواصلة الحرب لتغيير النظام من الداخل «حتى خروجي على المعاش».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»