زيارة المقابر: الطقس الوحيد المتبقي للسوريين من عادات العيد

بين مشاعر الحسرة والاعتزاز بالشهادة تأكيدا على استمرار الثورة

أم فقدت ولدين وتشيع الثالث أول أيام عيد الأضحى (صورة من تنسيقية مدينة القصير بحمص)
TT

إنه العيد الرابع الذي يمر على السوريين، وقوات النظام تقصف المدن والقرى وترتكب المجازر هنا وهناك. وعلى الرغم من أن الكثير من طقوس هذه المناسبة لم تعدّ تشغل بال الناس في مختلف أنحاء البلاد لا سيما المنكوبة منها، فإن زيارة الأموات في المقابر وقراءة الفاتحة على أرواحهم بقيت أولوية بالنسبة إلى الأهالي.

استيقظت أم حسن باكرا في صباح يوم عيد الأضحى، هذه السيدة الخمسينية التي فقدت أحد أبنائها في ريف دمشق، أبت إلا أن تذهب إلى المقبرة حيث دفن ابنها حسن لتزوره وتقرأ الفاتحة عن روحه تقول «هو الأغلى عندي كيف يمّر العيد من دون أن أزوره، وأطمئن عليه»، وقد قتل حسن بعد معارك طاحنة دارت بين الجيش النظامي وقوات الجيش الحر في إحدى ضواحي دمشق، سقط على أثرها الكثير من الضحايا من الجانبين.

تقول والدته «في البداية شارك في المظاهرات التي خرجت ضد نظام الأسد كما معظم الشباب في المنطقة، لكن بعدما تزايد العنف وشاهد بأم عينه موت الكثير من أصدقائه برصاص قوات الأمن قرر الانتساب إلى الجيش الحر ومقاتلة النظام حتى إسقاطه». تضيف أم محمد والحسرة تخنق صوتها «لم يكن حسن مدرّبا على استخدام السلاح، هو لم يؤد الخدمة العسكرية، عمره صغير، فقدته باكرا».

في شمال سوريا داخل مدينة إدلب التي استطاع الثوار تحرير الجزء الأكبر منها يقف طارق عند مقبرة تم استحداثها حديثا لضحايا الجيش الحر. الرجل الذي يعمل في حقل التدريس منذ عشر سنوات لا يجد مكانا يتوجه إليه صباح عيد الأضحى سوى المقبرة يقول «في هذا المكان يرقد أخي وثلاثة من أبناء أعمامي»، ويضيف «أخي استشهد خلال مشاركته في الدفاع عن مدينتنا (المسطومة) أما أبناء أعمامي فاستشهدوا إثر القصف الذي استهدف المدينة من قبل طائرات المجرم بشار الأسد». ويؤكد طارق أن «الكثير من سكان إدلب قصدوا المقابر صباح العيد ليعايدوا على أولادهم وإخوتهم الذي قتلهم النظام السوري وأصبحوا شهداء الثورة».

بدوره، لا يظهر الحاج أبو علي أي حزن أو ألم خلال زيارته لأبنائه الثلاثة الذين قتلوا في معارك مع الجيش النظامي داخل أحد أحياء مدينة حلب. ينهي الرجل الستيني قراءة الفاتحة على القبور الثلاثة ويغادر المقبرة من دون أن يرف له جفن يقول «أبنائي شهداء في سبيل الله والإسلام»، مضيفا «في ديننا القويم لا نحزن على الشهداء ولا نبكيهم بل نفتخر بشهادتهم ونعتز بها». ويجزم الحاج أبو علي أن «النظام سيسقط قريبا» داعيا السوريين إلى الصلابة في مواجهة إجرامه «للحرية ثمن باهظ علينا أن ندفعه كي نحصل عليها».

وفي الوقت الذي تشير فيه آخر الإحصائيات إلى أن عدد ضحايا القمع الذي يمارسه النظام السوري ضد الثائرين من شعبه قد وصل إلى 40476 فإن الكثير من الناشطين يؤكدون أن زيارة الموتى خلال الأعياد هي طقس يمارسه السوريون منذ عقود إلا أن الثورة جعلتها الطقس الوحيد الذي يقوم به الناس للتأكيد على استمرار مواجهتهم النظام وتكريم شهدائهم.