لعنة الفساد تعوق تقدم أوروبا الشرقية

الاتحاد الأوروبي يوقف مساعدات لرومانيا بسبب استفحال الظاهرة

رئيس وزراء رومانيا السابق آدريان ناستاسي مع نجله آندريه (نيويورك تايمز)
TT

في الصيف الماضي، وبعد أن وصلت قوات الشرطة إلى الفيللا الرائعة الخاصة برئيس وزراء رومانيا السابق أدريان ناستاسي لإلقاء القبض عليه بتهم فساد، يبدو أن الرجل أقدم على سحب مسدسه وحاول قتل نفسه. شاهد الملايين من المواطنين الرومانيين عبر شاشات التلفاز ناستاسي، 62 عاما، محمولا على نقالة وهناك وشاح من ماركة بربري مربوط على رقبته. نجا ناستاسي من محاولة الانتحار، وبعد أسبوع واحد تم إيداعه خلف القضبان.

أشاد أنصار مكافحة الفساد بسقوط ناستاسي، واصفين الأمر باللحظة الفارقة في تطور الديمقراطية الناشئة في البلاد، بينما وصف آخرون إدانته بسرقة مليوني دولار من أموال الدولة في حملته الرئاسية بالمحاكمة الصورية. يزعم معارضو ناستاسي أنه قام بالتظاهر بعملية الانتحار في محاولة منه لتجنب دخول السجن، بينما وصف ابنه آندريه ناستاسي، الذي كان موجودا في المنزل في ذلك الوقت، هذه الاتهامات بالسخيفة.

وأيا كانت الحقيقة، يقبع أدريان ناستاسي الآن في زنزانة مساحتها 4 أمتار مربعة. وعلى مدونة سجنه، روى ناستاسي مؤخرا كيف يأكل السجناء الكرنب والبطاطس ويتحدون الفئران ولا يحصلون على الماء الساخن إلا لساعتين فقط في الأسبوع. أما الآن، فيؤكد المحللون في الداخل والخارج أن قضية ناستاسي لم تكشف عن حقيقة الاستقطاب السياسي والاختلال الوظيفي الموجود في رومانيا بقدر ما سلطت الضوء على مدى ضعف الخطوات التي تتخذها البلاد نحو المزيد من الديمقراطية. جاءت هذه القضية وسط المخاوف التي تنتاب الاتحاد الأوروبي من أن أعضاءه الجدد ليسوا على مستوى المسؤولية في ما يتعلق بمهمة اجتثاث الفساد، الذي ورثته تلك البلاد بعد عقود طويلة من الحكم الشيوعي وضعف الحوكمة.

يقول المحللون إن بلدان أوروبا الشرقية والوسطى ومنطقة البلقان باتت تعاني من موجة من عدم الاستقرار، التي تنبع من الفساد المستوطن في هذه البلدان، فضلا عن الجهود الصورية لمحاربته في ظل الخصومات السياسية المريرة التي تشهدها. يشعر الاتحاد الأوروبي، وأعضاؤه الـ27، بقلق متزايد من زحف الفوضى بين أعضائه الجدد، لدرجة أن رومانيا وجارتها بلغاريا، اللتين دخلتا الاتحاد في عام 2007، لم ينضما بعد إلى معاهدة «شنغن» الخاصة بحرية التنقل داخل عدد من دول الاتحاد الأوروبي. وأول من أمس، عبرت المفوضية الأوروبية، الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي، عن قلقها من انتشار الفساد والاحتيال في رومانيا، مما دفعها إلى حجب المساعدات التنموية الخاصة بالاتحاد الأوروبي، التي يُحتمل أن تصل إلى مليارات اليوروات. وفي كرواتيا، التي يُفترض أن تنضم للاتحاد الأوروبي العام المقبل، تمت إدانة رئيس الوزراء السابق إيفو سانادر بالاختلاس.

كافحت رومانيا، على وجه الخصوص، كثيرا للتغلب على تبعات الديكتاتورية الفاسدة والقاسية التي خلفها الديكتاتور السابق نيكولاي تشاوشيسكو. فعلى مدار الأعوام الستة الماضية، تم تقديم 4.700 شخص للمحاكمة بتهم الفساد، بمن فيهم 15 وزيرا و23 عضوا في البرلمان وأكثر من 500 ضابط شرطة.

وبالنسبة لكثيرين، يعتبر ناستاسي، وهو العضو السابق في النخبة الشيوعية الذي شغل منصب رئيس الوزراء في الفترة بين عامي 2000 - 2004، رمزا لجيل من السياسيين الذين لا يزالون يقبضون على زمام السلطة ويتمتعون بنفوذ كبير ربما يمكنهم من الإفلات من المساءلة القانونية. وعند مطالبته بالإفصاح عن ثروته، رد ناستاسي بصورة ساخرة، رافضا بشدة الإفصاح عن ثروته.

وبينما يبدي القليل من حلفائه المقربين، بمن فيهم رئيس الوزراء الحالي فيكتور بونتا، بعض التعاطف مع ناستاسي، الذي تطلق عليه وسائل الإعلام الرومانية اسم «ناستاسي صاحب المنازل السبعة»، نظرا للحياة المترفة التي يعيشها، يشكك البعض في المحاكمة التي خضع لها ناستاسي.

يؤكد محامو ناستاسي وجود مجموعة كبيرة من المخالفات القانونية التي شابت محاكمته، من أهمها قيام النيابة باستدعاء 972 شاهدا (أكثر من عدد الشهود الذين تم استدعاؤهم في محاكمات نورمبيرغ) في الوقت الذي لم يتم فيه السماح له إلا باستدعاء 5 شهود فقط. وأضاف المحامون أن النيابة قد وجهت الاتهام لناستاسي بكل وقاحة بصفته زعيما لحزب سياسي وليس رئيس وزراء سابق، وذلك لتجنب الحصول على الموافقات المطلوبة من البرلمان بخصوص الاتهامات الموجهة إليه. وقال فيكتور أليستار، رئيس فرع منظمة الشفافية الدولية في رومانيا، وهي منظمة تعنى بمكافحة الفساد، إن الطبيعة غير المتوازنة للنيابة قد أثارت الكثير من علامات الاستفهام حول ما إذا كان ناستاسي قد حصل على محاكمة عادلة أم لا، بغض النظر عن السمعة التي يشتهر بها. ويضيف أليستار: «إذا كنت تريد الإيقاع بمسؤول كبير، فينبغي لك القيام بذلك بالطريق الصحيحة».

يؤكد المدعون العامون أن كثيرا من الناس قد شهدوا ضد ناستاسي نظرا للانتشار الواسع للفساد في عهده. وخلال محاكمته، تم اتهام ناستاسي بأنه بموجب النفوذ الواسع الذي كان يتمتع به، تم إجبار الشركات على الاشتراك في مؤتمر البناء الذي عقد في عام 2004، والذي تم استخدام رسوم الاشتراك فيه للمساعدة في تمويل حملته الانتخابية الفاشلة في عام 2004.

حصل ناستاسي على حكم آخر منفصل بالسجن لمدة ثلاثة أعوام مع وقف التنفيذ لاتهامه بالابتزاز، فضلا عن تبرئة ساحته في القضية الخاصة بالميراث المشبوه الذي حصلت عليه زوجته، الذي يقدر بنحو 400.000 دولار.

وفي الأثناء نفسها، شدد ناستاسي على براءته من جميع التهم، واصفا الاتهامات الموجه ضده بأنها «لعبة سياسية» مثيرة للسخرية. وفي الشهر الحالي، طلب ناستاسي من المحكمة أن يتم خصم الأسبوع الذي قضاه في المستشفى بعد إطلاق النار على نفسه من فترة سجنه التي تصل إلى عامين، ولكن المحكمة رفضت هذا الاقتراح.

امتنع ناستاسي عن إجراء أية مقابلات، ولكنه ابنه آندريه، وهو رجل أعمال يبلغ من العمر 26 عاما، أكد في إحدى المقابلات أن والده يعاني من الاكتئاب بعد أن تحول إلى ضحية في حملة المطاردة الشرسة التي يشنها الرئيس الروماني ترايان باسيسكو.

* ساهم في إعداد هذا التقرير جورج كالين

* خدمة «نيويورك تايمز»