همة

TT

أهنئكم قراءنا بعيد الأضحى، وأدعو للحجاج بأن يتقبل الله حجهم، وبما أننا في العيد، فلن أثخنكم بغث الاقتصاد، كنت قبل عشرين عاما أشيد منزلا لي بحي من أحياء الرياض. وكان أمامي شاب سعودي يتحرك مختلفا عن غيره، إذ كان يقود «بيك آب» (ونيت) ويرتدي قميصا وبنطالا، والبنطال والقميص لمن لا يعرف في عالمنا العربي كان ارتداؤهما في العاصمة السعودية الرياض مستنكرا. أعجبني هذا الشاب وهو يعمل بهذا الزي فكنت أبادله التحيات، وكان يردها مشيرا لي بيده.

جيراني كانوا إخوة من تجار السجاد في العاصمة السعودية، وكانوا يشيدون مجمعا سكنيا لهم، وحينما رأوني أبادل الشاب التحيات ظنوا أنني أعرفه؛ فجاءني أحدهم وقال لي: بما أنك تعرف صاحب السيارة الـ«ونيت»، وتعرف أيضا أننا مشغولون بتجارتنا، فإننا نرجو منك أن تحدثه ليقوم بالإشراف على سكننا (الإشراف يعني أن يقوم أحدهم بمتابعة بناء السكن لآخر مقابل أجر).

ابتسمت في وجه جاري، وقلت له: صحيح أنا أعرفه أفضل منك، ولكني لا أعرف اسمه، وتبادل التحيات الذي تراه ما هو إلا إعجاب بنشاط الشاب. المهم، ذهبت للشاب وأخبرته بطلب جاري فشكرني، وقال لي: آسف، لدي عمل كثير ولا أستطيع الإشراف على مجمع جيرانك، إلا إذا انتظروني عاما كاملا لأسلم بعض المباني التي أشرف عليها، ثم أتابع عملهم. كانت هذه المرة الأولى التي أحييه فيها عبر المصافحة، وكانت بحرارة من جهتي. نقلت إجابة الشاب لجيراني فاستغربوا من ضغط العمل لدى الشاب، وبالطبع لا يمكنهم التوقف عن إكمال بنائهم.

ومن المعروف أن من يقوم بالبناء يحضر طلباته بنفسه، وكنت عند أحد تجار السباكة، وقد استقبلني بحرارة، وفجأة دخل علينا الشاب الذي أحدثكم عنه. فاستدار التاجر 180 درجة، ونسي أنني موجود واهتم بطلبات الشاب، وقفت أراقب الموقف، حتى انتهى الشاب من طلباته وغادر المحل. التفت إلى التاجر وبدأ يعتذر ويقول: أنت تبني بناء واحدا وتغادرنا. الشاب يشرف على عشرات المباني سنويا؛ فهو زبون دائم وأنت زبون مغادر.

ضحكت، وقلت: أقدر عذرك. ولكن ما قصة الشاب؟ فقال هو أحد خريجي المعهد المهني، أي أنه لم يكمل تعليمه، ولكنه صمم على النجاح فاختار هذه المهنة، وعمل بهمة.. فنجح، وهو يكسب من عمله أكثر من مليون ريال سنويا (266.6 ألف دولار).

حاولت قدر إمكاني أن أختصر القصة لكم، فأرجو أن أكون قد اختصرتها دون إخلال.. ودمتم.

* كاتب اقتصادي