مهن تزدهر خلال أيام عيد الأضحى في المغرب وتستمر أياما بعده

يجد فيها بعض الشباب العاطل متنفسا لأنه «العيد الأكبر»

تجارة الفحم والعلف تزدهر في موسم العيد (تصوير: منير محميدات)
TT

تنتعش خلال عيد الأضحى المبارك، الذي يمتد أربعة أيام في المغرب وأحيانا أسبوعا، مهن خاصة بهذه المناسبة، منها ما يتصل مباشرة بالأضحية، ومنها ما هو على علاقة غير مباشرة بالعيد وطرق الاحتفال به.

بالنسبة للجزء الأول من هذه المهن «الموسمية»، فإن كثيرين من الشباب العاطل يستغلون هذه المناسبة لتوفير مدخول لتغطية احتياجاتهم، فيعمل بعض هؤلاء وسطاء بين بائعي الخراف والزبائن.

من هؤلاء سعد بلحاج، وهو شاب في الثلاثينات من العمر، قال إنه يعمل سمسارا للماشية قبل العيد، وفي يوم العيد يعمل جزارا. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» قال بلحاج «لدي خبرة جيدة في التعامل مع الماشية اكتسبتها من عملي في أسواق الأغنام، ويستعين بي الأصدقاء والمعارف لشراء الأضحية وذبحها وتقطيعها». وأشار بلحاج إلى أن كثيرين مثله يعملون حاليا في الأسواق، لمساعدة الزبائن على اختيار الأضحية المناسبة، وعندما تتم عملية البيع يحصلون على تعويض من المشتري والبائع. ثم أوضح أن «العمل في مهنة لها علاقة بعيد الأضحى يزدهر قبل ثلاثة أسابيع ويستمر حتى اليوم الثالث للعيد، إذ بعد التوسط بين الزبائن وأصحاب المواشي في شراء الأضحية، يعمل هؤلاء الشباب يوم العيد في ذبح الأضاحي بمقابل مادي، وفي اليوم الثاني والثالث للعيد يتولون تقطيع الأضحية بمقابل كذلك».

وتابع بلحاج شرحه فذكر أن لديه زبائن دائمين يتصلون به قبل العيد للاتفاق على شراء الأضحية وذبحها وتقطيعها، مشيرا إلى أنه «خلال السنوات الأخيرة أصبحت هناك محلات لبيع الأغنام، بات كثيرون يفضلونها على الأسواق التقليدية، لأنها تتيح للمشتري اختيار الخروف والاتفاق مع البائع على الثمن ودفع جزء منه، ثم ترك الخروف حتى ليلة العيد، وفي بعض الأحيان حتى يوم العيد، ثم يسدد ما تبقى. وهناك بعض الأسر التي تملك محلات تجارية فارغة تستغلها في عيد الأضحى بحيث تؤجرها للأسر التي ليس لديها مكان تحتفظ فيه بالخروف، ويطلق على هذه المحلات اسم (فندق الخروف)».

ومن المهن الأخرى التي تزدهر أيام عيد الأضحى، تلك التي لها ارتباط ببعض المتطلبات غير المباشرة التي يحتاجها الناس مع عيد الأضحى. وفي هذا الإطار يعرض البعض أكواما من العلف والفحم والبصل ومواد أخرى، على الأرصفة في الأحياء الشعبية. وهناك من ينصب خيما بلاستيكية لبيع هذه المواد، والعلف للخراف قبل النحر، والفحم للمشاوي، والبصل الذي هو المادة الغذائية الأكثر استعمالا في طهي لحم الأضحية. وفي هذا السياق قال لنا محمد عشير «لقد تشاركت مع بعض أبناء الحي في استئجار خيمة بلاستيكية لمدة عشرة أيام نعرض فيها جميع المواد التي لها علاقة بالأضحية، ووزعنا المهام بيننا. وبعد أيام العيد نجمع المال كله ونقسمه بعد حسم مصاريف شراء التبن والفحم والبصل واستئجار الخيمة».

وعلى مسافة غير بعيدة عن عشير وقف حسن العكازي، منهمكا في شحذ السكاكين لإحدى السيدات على آلة تدار باليد، بينما تكومت على مقربة منه حقائب كثيرة مملوءة بمختلف الأدوات الحادة ذات الصلة بالأضحية. وردا على استفسار من «الشرق الأوسط» أجاب العكازي قائلا «منذ 15 سنة وأنا أمارس هذه الحرفة، فأنا أعمل في الأصل حدادا في مدينة برشيد (جنوب الدار البيضاء)، لكنني خلال أيام العيد أنتقل إلى الدار البيضاء لمزاولة هذه المهنة التي تدر عليّ دخلا مهما». وأضاف أن «شحذ السكين الواحد يكلف 5 دراهم (نصف دولار أميركي) والساطور 10 دراهم (دولار واحد)، وبما أن كل زبون يحضر معه على الأقل 4 سكاكين فإن دخلي اليومي يصل إلى 300 درهم (نحو 34 دولارا)، وفي ليلة العيد يمكن أن يتضاعف هذا المبلغ بنسبة الضعفين».

أيضا من المهن التي تزدهر خلال أيام العيد، تجارة تجهيزات الطبخ التقليدية من أوان مختلفة، معدنية وفخارية وبلاستيكية، إضافة إلى التوابل التي يزداد عليها الطلب، وبالأخص التوابل الخاصة بإعداد الأكلات التقليدية على المائدة المغربية.

وهنا قال لنا حفيظ السويسي، وهو صاحب محل لبيع الأواني في «قيسارية درب السلطان»، وهو أكبر الأسواق التجارية في الدار البيضاء: «خلال الأيام العادية يكون الإقبال على شراء الأواني عاديا، لكن خلال أيام عيد الأضحى يتزايد الإقبال كثيرا سواء على الأواني أو السكاكين أو أدوات الشواء أو الطاجين (إناء فخاري يحتفظ بحرارة الأكلات) أو الأواني البلاستيكية أو غير ذلك. ولهذا فعلى الرغم من أنني متخصص في بيع الأواني الزجاجية فقط، فإنني خلال أيام عيد الأضحى أجلب جميع الأواني التي لها علاقة بهذه المناسبة، كما يعمل معي عمال إضافيون لكي أستطيع تلبية طلبات الزبائن».

في المقابل، قالت نعيمة درياني، وهي ربة منزل وجدتها «الشرق الأوسط» في محل حفيظ السويسي: «على الرغم من أن معظم هذه الأواني توجد في معظم البيوت المغربية، فإن النساء يفضلن شراء الجديد بمناسبة العيد». وأردفت قائلة «كل سنة تظهر أشكال جديدة مختلفة من الأواني.. وفي العيد الكل يفرح الفقير والغني».

وبالإضافة إلى الأواني وغيرها، يحرص المغاربة على شراء بعض المواد المرتبطة بطهي لحم الأضحية، وفي هذا الشأن يقول محمد فقيه، وهو بائع توابل، إن «الإقبال يكون شديدا على شراء الكمون ومسحوق الكزبرة والمروزية (مجموعة من التوابل والأعشاب يصل عددها إلى 50 نوعا) وغيرها من المواد التي تسهل عملية طهي اللحم وتعطيه نكهة لذيذة».

وأخيرا، لا بد من الإشارة إلى أن «مهن العيد» الموسمية هذه لا تتوقف بنهايته، بل تستمر أياما بعده، ومنها عمل بعض الشباب في تجارة فروة الخراف، التي تتحول إلى جلود وأصواف تتعدد استعمالاتها. وعادة ما تستمر عطلة العيد في المغرب أسبوعا، لأن هذا العيد يعتبر هو العيد الأكثر أهمية على الإطلاق، بدليل أن معظم سكان المدن من أهل الأرياف يذهبون إلى قراهم وبلداتهم الأصلية، وبذا تتحول أيام عيد الأضحى إلى أيام تواصل اجتماعي حميم، وعلى هذا الأساس يعتبره المغاربة «أكبر الأعياد».