سعودي يحافظ على صناعة أقدم وسيلة نقل في الجزيرة العربية

مهرجان «الدوخلة» بسنابس يعرض 62 مخطوطة أثرية

جانب من المصاحف الأثرية المعروضة في المهرجان
TT

سجل مهرجان «الدوخلة» بسنابس (شرق السعودية)، رقما قياسيا في عدد الحضور خلال يوم واحد، حيث شهد اليوم الثالث من المهرجان حضور أكثر من 45.200 زائر وزائرة، بعد أن كان الرقم الأعلى الذي سجل الموسم الماضي في حدود 43 ألف زائر من الجنسين.

كشف ذلك لـ«الشرق الأوسط» سعيد آل طلاق، المدير التنفيذي لمهرجان الدوخلة، الذي أوضح أن عدد الزائرين يوثق من خلال لجنة ترصد الزائرين عند البوابات باستخدام أجهزة تقنية حديثة.

وشهد المهرجان أول من أمس افتتاح الخيمة القرآنية التي ضمت مجموعة من المخطوطات التاريخية النادرة، ونموذجا للكعبة المشرفة، وأجزاء من كسوتها، إلى جانب بعض الحلي التي حفرت عليها آيات قرآنية. وأوضح آل طلاق أن المعرض ضم 762 مخطوطة قرآنية، 62 منها هي مخطوطات أثرية، يتجاوز عمر بعضها المائة عام، إلى جانب منسوخات قرآنية من بعض الدول الإسلامية، منها المصحف التركي الذي يتميز بالأسلوب الألفي، حيث يبدأ صفحاته بألف، ويختتم بألف، وهو نوع من المصاحف التي انتشرت في فترة الدولة العثمانية، التي كانت تسيطر على العالم الإسلامي، إضافة لمصحف من إيران تتميز أوراقه بأنها معطرة، ويدوم العطر لسنوات طوال، وغير ذلك من المصاحف المختلفة الأشكال والأحجام.

كما تم عرض خوذة وسيف ودرع إسلامي محفور عليها آيات قرآنية، يصل عمرها لمائة وخمسين سنة، فضلا عن الكثير من الآثار الإسلامية المترافقة مع المعرض، الذي يقدم نظرة للتطور والتقدم الكبير الذي طرأ على طرق حفظ نسخ القرآن الكريم على مدى السنوات، وطرق كتابته، من خطوط وزخرفة، وصولا إلى أشرطة التسجيل، إضافة إلى اللوحات الزجاجية ذات الزخرفة الإسلامية. ويهدف المعرض إلى تثقيف الحضور بكيفية حفظ القرآن، وإطلاعهم على طرق الأجيال السابقة في الحفاظ على القرآن الكريم، لتصل للأجيال الحالية باستثمار الآيات القرآنية، في مواقع عدة لا تقتصر على الكتابة الورقية، بل على الدروع والسيوف والأبواب والقبب والجدران.

في أحد زوايا المهرجان، يركن شاب عشريني، يهوى صناعة وسيلة النقل القديمة المسماة بـ«القاري»، الذي يكاد ينقرض في شرق المملكة، بعد أن كان وسيلة التنقل وعربة «أيام زمان».

و«القاري» عبارة عن عربة مربعة الشكل، يجرها حمار، وكانت تستخدم قديما في نقل الأمتعة من خشب وعشب وبضاعة وغيرها، حيث كان الوسيلة الوحيدة للتنقل قديما بالنسبة لأبناء المنطقة.

ويقول خليل الجساس (27 عاما) الذي يعمل بهذه الصناعة من باب الهواية: «لست محترفا في هذه الصناعة، ولكني أبقى في مصاف الهواة». ورغم أنه يصنع جميع الأحجام، سواء تلك المستخدمة في المزارع أو المتوسطة الحجم للتنزه أو الصغيرة جدا، وتستخدم كنماذج تراثية في المنازل، فإنه يستدرك بحزن أنه لا يوجد طلب عليها، «إذ لا يأتي سوى طلب واحد في العام لا أكثر، ولا أصنعها إلا بالطلب».

وعن بداياته في هذه الهواية يقول الجساس إنه كان في زيارة لمزرعة أقرباء له، وهنا لم يقاوم رؤية كميات قطع الخشب التي تهدر هناك، فجمع البعض منها لينتهي نصف النهار وهو أمام «قاري» بالحجم الطبيعي متقن الصنع، رغم أنها المرة الأولى التي يحاول تقليد هذه الصناعة.

وأضاف: «أمضيت في هذه الصناعة خمس سنوات، عرفت خلالها أنه لم يتبق من رواد هذه الصناعة سوى شخص واحد من مدينة صفوى المجاورة، أما في محافظة الأحساء فقد أصبح صانعو القاري من الرواد».

وعن أنواع «القواري» قال إنها نوعان فقط «بري وبحري» لكل منهما خشب خاص به، وهذا يعتمد على منطقة صاحب القاري، إذ إن هذا أيضا ينقسم إلى نوعين، منها القطيفي الذي يدخل في صناعته الحديد كثيرا، لكنه أكبر حجما وأخف في جره أثناء دخول البحر حيث يستخدم.

ويختلف القاري القطيفي عن القاري الأحسائي حسب الجساس الذي يقول: «القاري الأحسائي أصغر حجما وأثقل قليلا، فهو يستخدم في نقل المواد الثقيلة في المزارع، كالحصى والرمل، وحاليا يستخدم في حمل الخضار». ويشير خليل إلى نوع آخر هو «قاري الديزل» الذي يحمل خزانا خاصا لنقل الديزل، حيث لم تكن السيارات دخلت إلى المملكة فكانت القواري تقوم بالمهمة.

فيما يؤكد خليل أن الريادة لمحافظة الأحساء، فهي الأولى، حسب رأيه، في صناعة واستخدام القاري الذي تجره الحمير، فهناك 700 قاري لا تزال تعمل، أما المنطقة الثانية من حيث العدد فهي جزيرة تاروت، وتشترك المنطقة الشرقية مع دول الخليج في هذه الصناعة واستخدامها.

ويعتمد خليل في الأدوات المستخدمة على مادة رئيسية هي الأخشاب، يساندها مطرقة ومسامير ومبرد ومثقب خشب ومفكات براغي وبعض الحلي التي تزين القاري عادة وتربطه بالحمار.

ولا يزيد وقت صناعة القاري على «ساعة واحدة للنموذج الصغير، فيما يستغرق متوسط الحجم أسبوعا من العمل، أما الكبير فيصل العمل عليه إلى ثلاثة أيام».

ويحكي خليل عن معلومة مهمة وظريفة في آن واحد، إذ إنه قديما كان لكل قاري لوحة تسجيل كلوحة السيارة يستخرجها صاحب القاري من سلاح الحدود (حرس الحدود حاليا).

ويشير إلى أن أكثر ما يثير أسفه هو مشاهدة مسلسلات الخليج التي يستخدم فيها القاري، فهناك الكثير من المغالطات في الموضوع، وبالنتيجة يقدم المعلومة الخاطئة عن بيئتنا وتراثنا، كما أن نوع الحمار أيضا مهم في هذه الأعمال، فالنوع الخليجي مختلف تمام الاختلاف عن حمار جنوب المملكة، وبالتالي يتضح تصنع المشهد في تلك الأعمال التلفزيونية.