وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط: جميع الخيارات مطروحة في الملف السوري

أليستر بيرت قال لـ «الشرق الأوسط» إن الانتخابات الأميركية لن تغير مسار الاحداث في دمشق.. وإن بلاده متفائله بـ«الربيع العربي»

TT

أحيت وزارة الخارجية البريطانية أمس الذكرى الثانية لإطلاقها «صندوق الشراكة العربية» مع دول عربية تشهد انتقالا سياسيا واجتماعيا بعد الثورات التونسية والمصرية والليبية. وبينما يركز المشروع على برامج تدعم الحريات السياسية والازدهار الاقتصادي في العالم العربي، هناك عقبات عدة أمام هذه الرؤية، وعلى رأسها الأزمة السورية المتفاقمة.

ولا يخفى على المسؤولين البريطانيين تداعيات الأزمة السورية أو الاضطرابات الأمنية في عدد من الدول التي مرت بانتقالات سياسية خلال العامين الماضيين، إلا أن وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط أليستر بيرت أكد على «التفاؤل» العام تجاه ما يحدث في المنطقة. وفي حوار خاص لـ«الشرق الأوسط» بهذه المناسبة، عبر بيرت عن «الإحباط» مما يحدث في سوريا، وبشكل أخص «الاقتتال اليومي» المستمر فيها مع «فشل» الأمم المتحدة لمعالجة هذه الأزمة.

واعتبر بيرت عدم إحراز تقدم على الصعيد الدولي في الملف السوري «مثيرا لليأس، وأمرا مليئا بالإحباط، وعلينا تذكر أن هناك أناسا يقتلون يوميا بغض النظر عن الحوارات الجارية، ومن المحزن والمؤسف أن المؤسسة الدولية (أي الأمم المتحدة) قد فشلت.. علينا أن نكون واضحين، المؤسسة التي خولها العالم للبحث عن حلول بعد 18 شهرا لم تلب المطالب». وأضاف «لكن لا يمكن التوقف، علينا أن نواصل جهودنا».

وحول الموقف الروسي، قال بيرت «روسيا لديها أسبابها لعدم مساندة التحرك في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. نحن لا نتصور أن موقفهم على صواب، لكننا نواصل محادثاتنا معهم». وردا على سؤال حول الموقف الروسي برفض رحيل الرئيس السوري بشار الأسد من منصبه من أجل تسهيل انتقال سياسي في البلاد، قال بيرت «الأسد لن يرحل، وحدوث تغيير علني في موقف روسيا على الأرجح أمر غير وارد، لكن إذا كانوا يقرون سرا بأنه لا يوجد مستقبل ممكن مع الأسد في المرحلة الانتقالية فهذا أمر يمكنهم هم معرفته وعلينا نحن أن نخمنه، لكن هناك نسبة معينة فقط يقولها البعض في العلن». وتابع «الجهود متواصلة مع روسيا، ليس فقط لطمأنتها بأن مصالحها في سوريا ليست مهددة، وأن من مصلحتها العمل مع الآخرين من أجل التغيير، لكن من المهم أيضا أن يعلم الروس وغيرهم أن الأمر المهم في النهاية هو مصلحة الشعب السوري».

ولفت بيرت إلى أن «الوضع على الأرض يتغير»، مشيرا إلى أن «النظام السوري يواصل فقدان السيطرة على الأرض للتنسيقيات المحلية وغيرها، وهذا أمر سيستمر لوقت طويل إذا لم تفلح أي من الجهود الدبلوماسية». وأضاف «إنه أمر محبط، ولكن لا يوجد بديل آخر سوى العمل على التوصل إلى وضع، لا يمكن أن يكون الرئيس (السوري) جزءا منه، حيث يمكن القيام بانتقال سياسي يدعمه الجميع».

وفي ما يخص إمكانية شن عملية عسكرية قال «نحن نواجه قضايا عملية عدة، إذ ليست هناك أرضية قانونية من الأمم المتحدة للتدخل»، لافتا إلى أن «هناك سؤالا حول ماذا سيكون شكل التدخل.. فسوريا بلد كبير، وأي تدخل عسكري سيتطلب الكثير من الاعتبارات.. كما أن هناك آراء متباينة على واقع الأرض في سوريا حول مثل هذه الخطوة». لكنه أكد على أنه «لا يمكن استثناء أي خيار، وجميع الخيارات تبقى مطروحة، وهناك قلق من بعض الأسلحة في سوريا واستخدامها يعتبر خطا أحمر قد يدفعنا إلى التفكير بشكل مختلف»، في إشارة إلى الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في سوريا وإمكانية استخدام النظام السوري لها. وأضاف «ليس من المستحيل التفكير في ظرف قد يدفع البعض للتفكير في هذا الخيار، ولكن هناك خطرا على تأثير ذلك على المدنيين أو قتل المزيد من المدنيين، ولذلك لا يوجد اندفاع على ذلك.. هناك قلق من كيفية تأثير مثل هذه الخطوة على الوضع بشكل سلبي». وأضاف أنه «من الخطر التفكير في أن المزيد من التسليح سيجلب نتائج» للوضع في سوريا.

وحول ما إذا كان يتوقع تغييرا جذريا في الموقف الأميركي من الأوضاع في سوريا بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية يوم 6 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، قال بيرت «لا أعتقد أن هناك نقصا في استعداد الإدارة الأميركية (الحالية) لمعالجة المشكلة.. ولا أشعر بأن تغييرا في الرئاسة الأميركية سيكون عامل تغيير في الوضع السوري». وأضاف «لا أعتقد أنه سيكون هناك تغيير في مجلس الأمن بسبب تغيير في الولايات المتحدة. الأميركيون يشعرون بنفس الإحباط الذي نشعر به في الوضع على الأرض، ويواصلون عملهم الدبلوماسي، وبغض النظر عن نتائج الانتخابات فإنهم سيواصلون هذه الجهود».

ووجه بيرت انتقادا مبطنا للمعارضة السورية التي وصفها بـ«الأكثر انقساما من التي رأيناها في دول أخرى، وهذا تحد لهم، ولا يمكن أن نخفي هذا الأمر». وأضاف «نعتقد أن أمام المعارضة مسؤولية، ليس لتصبح مجموعة واحدة، ولكن عليها مسؤولية لدعم مجموعة من المبادئ لتقول هكذا سنحكم سوريا ونحمي الأقليات. وهذه هي الحرية الاقتصادية التي يمكن أن يتوقعها الآخرون، والإعلان عن تأييد الجميع لهذه المبادئ سيعطي الثقة للآخرين في توليهم حكومة انتقالية، وهذا ما ترجوه بريطانيا من اجتماع المعارضة في الدوحة الأسبوع المقبل».

وتعتبر سوريا نموذجا صارخا للمشاكل التي تواجه المنطقة بعد ما يسمى بـ«الربيع العربي»، وقد دفعت الأحداث فيها كثيرين إلى اعتبار المرحلة أشبه بـ«الشتاء». وعند سؤال بيرت إذا كان لا يزال يتمتع بنفس الدرجة من التفاؤل تجاه ما يحدث في المنطقة بعد عامين من الصراعات والاضطرابات الأمنية بالإضافة إلى الاقتتال اليومي في سوريا، أجاب «لدينا شعور بأهمية الأحداث الحالية، وهناك رغبة في إظهار النجاح الفوري، لكن هذه تغييرات استثنائية في هذه الدول بعد عقود من الحكم المعين وقرون لا يمكن تسميتها بالديمقراطية، وهذا العهد الجديد يتطلب المزيد من الوقت، وسيشهد مدا وجزرا، لكن الإجابة المختصرة لسؤال إذا ما زلنا متفائلين هي بالتأكيد نعم، وذلك لا يعني أننا لن نشهد نكسات أو أخطاء».

وتحدث بيرت مطولا عن المشاريع التي دعمتها أو رعتها بريطانيا من خلال وزارة خارجية ووزارة التنمية الدولية في دول عربية تحت مظلة «صندوق الشراكة العربية». وقد خصصت 50 مليون جنيه إسترليني لمشاريع في 16 دولة، تركز الكثير منها على إجراء انتخابات شفافة من خلال تدريب المراقبين والإعلاميين لتغطية سيرها. كما أن هناك مشاريع لدعم النساء، مثل منحة لأول ضابطة شرطة لبنانية تعمل على أجندة المساواة في قوات الأمن الداخلي، وتعمل على تدريب 1200 عضو من النساء في قوات الأمن الداخلي. ويذكر أن الحكومة البريطانية أعلنت تخصيص 110 ملايين جنيه إسترليني عبر 4 سنوات، 40 مليونا منها لدعم مشاريع تنمية سياسية وإصلاحية و70 مليونا لشؤون اقتصادية.

وعلى الرغم من تأكيد بريطانيا العلني على أنها لا تريد التدخل في الشؤون السياسية للدول العربية خاصة في ما يخص اختيار قادتها، فإنها في الوقت نفسه لا تتجاهل الإجراءات الداخلية التي تقوم بها حكومات المنطقة. وقال بيرت «ليس لدينا دور في اختيار الشعوب لمن يقودها، لكن هناك قيما نتوقع أن تحترمها الحكومات ضمن مشاركتها في الشؤون الدولية والمعاهدات الدولية، ونقول دائما إن الحكومات التي ستكون أكثر كفاءة واستقرارا هي غالبا الحكومات التعددية والمنفتحة والشفافة والمسؤولة، وهي حكومات ذات إعلام حر، وتضمن حق التجمع، إلى آخره، وقلنا دائما إننا سنحاسب الحكومات بحسب ما تقوم به وليس بحسب تسميات معينة»، في إشارة إلى مخاوف بعض الأوساط من وصول أحزاب إسلامية إلى الحكم. وقال «نحن ننظر إلى كيفية حمايتهم للأقليات ولحقوق الإنسان.. ولا يوجد شك لدى أي من الحكومات في المنطقة حول رأي بريطانيا في مسؤولية حكومة ما لحماية الأقليات من المهاجمة إذا كانت من خلال الحرية الدينية أو رغبة البعض في فرض شروطهم الاجتماعية على الآخرين». وأضاف «على سبيل المثال، عندما هاجم السلفيون معرضا فنيا لأنهم لم يعجبهم ما كان معروضا، الحكومة التونسية ردت بقوة عليهم، وقالت إنها لا تريد ذلك في تونس الجديدة، وعلى المجتمع أن يقرر ماذا يمكن عرضه ولكن ليس بالقوة».

وفي ما يخص مشاريع خاصة لدعم اقتصادات الدول العربية وما تتطلبه من برامج تحفز الاقتصاد، اعتبر بيرت أنه من الصعب تحديد آليات لقياس المشاريع التي نفذت حتى الآن، إذ إنها تستغرق المزيد من الوقت. وقال «نحن حريصون على العمل على تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتشغيل الشباب، وهذه ستكون قضية محورية لنا خلال ترؤسنا مجموعة الثماني العام المقبل». وأضاف «عندما نترأس مجموعة الثماني، نريد أن نعيد تدشين عملية شراكة (دوفيل)، ولدينا 3 أهداف أساسية على الصعيد الاقتصادي، الأول زيادة الاستثمارات الخاصة في المنطقة، والثاني العمل مع الشباب والمشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم لتوفير فرص العمل، والثالث النساء في مجال العمل.. فإذا لم تكن المرأة جزءا أساسيا من القوى العاملة فلا يمكن أن يتطور المجتمع كاملا». وذكر أن «جزءا من دور الاتحاد الأوروبي هو تشجيع وضع مفضل للعلاقات مع تلك الدول، مما يعني فسح المجال للوصول إلى الأسواق.. كما أن هذه مسألة تخص الطرفين، من تشجيع التصدير إلينا إلى استثمارات من هنا في تلك الدول».

وهناك حرص شديد في الأوساط السياسية البريطانية على عدم الظهور بأنها تتدخل في شؤون الدول العربية أو تفرض عليها أجندة خاصة. وشدد بيرت على أن «هناك مجموعة من المشاريع المتعددة التي نعمل عليها مع مجموعة من الشركاء، لكن كلها بقيادة محلية. لا توجد خطة جوهرية هنا (في مقر وزارة الخارجية البريطانية) حيث نقول هذا ما سنفعله في المنطقة». وأضاف «لدينا لائحة من العروض، ونسأل الدول المعنية ما هي بحاجة له خلال هذه المرحلة.. ولهذا نشعر بالترحيب والنجاح، لأن الناس يعلمون أننا لا نأتي بنموذج واحد أو خطة واحدة نريد فرضها، بل نريد المساعدة بناء على قيم مشتركة من أجل الحكم الناجح، منها الشفافية والمحاسبة والانفتاح، وإذا كان بإمكاننا المساعدة على صعيد محلي فإننا نريد أن نفعل ذلك».

وهناك تحد أمني جسيم أمام دول عربية شهدت ثورات وتغييرات سياسية خلال العامين الماضيين، وهو أمر يقر به بيرت الذي قال إنه من «الحماقة نفي وجوده». لكنه قال إن «لدى المملكة المتحدة شركات معتادة على العمل في ظروف صعبة وتعمل في دول عدة، كما أننا نشجع تلك الدول على التواصل مع شركات جديدة تدخل هذه الأسواق ونقول لهم أنتم غير مستهدفين هناك». وأضاف «لن يقوم أحد بالاستثمار في بلد لا يشعر فيه بالترحيب، أو إذا كانت الأوضاع الأمنية تجعل عمله مستحيلا، لذلك على الجميع فهم ضرورة الأمن في تقديم بيئة مناسبة»، لافتا إلى أن «أي دولة تريد جذب الاستثمار عليها أن تجعل نفسها جذابة، وهذه عملية ذات اتجاهين»، بين دول مثل بريطانيا ودول تمر بانتقال سياسي ذات مصلحة مشتركة ومتبادلة.

ولفت بيرت إلى أهمية مصر كنموذج للدول التي تمر بمرحلة انتقالية، قائلا «استعداد الرئيس (المصري محمد مرسي) لقبول (قرض) صندوق النقد الدولي والعمل معهم إشارة مهمة جدا، فلا يمكن لمصر أن تكون منعزلة، فهي لاعب إقليمي أساسي، وهناك آخرون يراقبون ما تقوم به مصر، وإذا نما الاقتصاد المصري فإنه سيكون محركا للمنطقة كلها». ويذكر أن من بين المشاريع التي تدعمها وزارة الخارجية البريطانية لمكافحة الفساد مشاريع في دول عدة منها مصر، ضمن جعل البيئة الاستثمارية جذابة فيها.

ويذكر أن العراق من بين الدول التي تأتي ضمن «صندوق الشراكة العربية» لكن هناك تساؤلات حول التزام بريطانيا بالعراق بعد الإعلان الشهر الماضي عن إغلاق قنصليتها في البصرة. ورفض بيرت هذه الفكرة، مؤكدا التزام بلاده بالعلاقات مع العراق، مؤكدا «سنبقي على مكتبنا في البصرة، وسيعمل فريقنا في السفارة في بغداد على دعمه، وسنواصل إرسال بعثات اقتصادية إلى البصرة، وقد ناقشنا الخطوة مع شركات النفط وغيرها من الشركات في العراق». وأضاف «سهولة التنقل بين البصرة وبغداد الآن تعني سهولة إبقاء مكتبنا في البصرة ودعمه من بغداد».