أميركا المنهكة بالعاصفة تسعى لتجاوز مخلفاتها

عدد القتلى 110 وإعادة الكهرباء والنقل أكبر تحديين في نيويورك .. وشركات تكافح لاستئناف العمل

أطلال منازل وشركات احترقت بفعل العاصفة في كوينز بنيويورك كما بدت أمس (أ.ف.ب)
TT

انهمك سكان نيويورك وغيرها من مدن شمال شرقي الولايات المتحدة المتضررة من عاصفة «ساندي»، أمس في العمل على إعادة الكهرباء وإزالة الركام الناجم عن العاصفة الكبيرة التي خلفت دمارا في مناطق بأكملها، وأوقعت 110 قتلى على الأقل. وجاء هذا فيما واصل العاصفة التي صاحبتها رياح قوية ومد بحري مدمر في منطقة شاسعة من الساحل الشرقي الأميركي، إثارة عواصف ثلجية في جبال الأبالاش فيما بقي الملايين من دون كهرباء وسط اضطرابات النقل العام.

تسببت العاصفة في مقتل 18 شخصا في مدينة نيويورك من بين 23 قتيلا في ولاية نيويورك بينما قتل ستة في نيوجيرسي. وإجمالا، ارتفع عدد القتلى إلى 43 في أميركا الشمالية منذ وصول «ساندي» إلى اليابسة يوم الاثنين، كما قتل 67 شخصا في أثناء وجوده في منطقة الكاريبي.

وفي هذه الأثناء جاهدت السلطات والسكان في كبرى المدن الأميركية من أجل إعادة الخدمات الحيوية وإزالة الركام بعد تدفق كميات هائلة من مياه البحر إلى الطرقات وأنفاق القطارات والحرائق الهائلة. وقال رئيس بلدية نيويورك مايكل بلومبيرغ للصحافيين إن «إعادة الكهرباء والنقل العام إلى حركته المعهودة يطرحان التحدي الأكبر في الأيام المقبلة»، فيما بدأت فرق الإنقاذ والأشغال العامة تعمل وسط مشهد دمار هائل. وتابع بلومبيرغ «التدمير انتهى، نأمل أن يبدأ التحسن من الآن وصاعدا».

في منطقة بريزي بوينت الساحلية في حي كوينز دمر أكثر من 80 منزلا بحريق نجم عن الأمطار الغزيرة فيما غرقت منطقة مانهاتن السفلى التي تشمل ناطحات سحاب الحي المالي الشهيرة في ظلام دامس. وحتى أمس، بقي نظام الأنفاق النيويوركي الذي غمرته مياه الفيضانات يعاني مما اعتبرته إدارته أسوأ كارثة في تاريخه منذ إنشائه قبل 108 أعوام. وأعرب الرئيس باراك أوباما الذي يواجه معركة قاسية لإعادة انتخابه في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، عن دعمه. وقال: «أميركا معكم. نحن إلى جانبكم وسنفعل كل ما يسعنا لمساعدتكم في الوقوف على أقدامكم مجددا».

واستفاق الناس مجددا صباح أمس على مشاهد مروعة للدمار الذي ألحقته العاصفة، حيث حط قارب على سكة للحديد في ولاية نيويورك وعامت السيارات وكأنها سدادات فلين في مرائب مدينة نيويورك فيما احترق أحد أحياء كوينز بالكامل. وانقطعت الكهرباء عن أكثر من ثمانية ملايين منزل ومكان عمل من ولايتي نورث كارولينا وساوث كارولينا إلى الثلاثاء بحسب وزارة الطاقة حيث تزايدت الانقطاعات مع مواصلة العاصفة المروعة تقدمها غربا نحو البحيرات الكبرى.

وبقيت ثلاثة من المفاعلات النووية الأميركية مغلقة فيما أعلنت حال الإنذار القصوى في مفاعل رابع بعد إتلاف الفيضانات والأمطار شبكات النقل وأنظمة التبريد. فرغم المخاوف من احتمال اجتياح المياه للمفاعلات على غرار كارثة فوكوشيما النووية في العام الفائت شددت السلطات على أنها لا تشكل خطرا على الناس. وقالت وزارة الطاقة الأميركية إن أكثر من ثمانية ملايين منزل وشركة في عدة ولايات ما زالت من دون كهرباء بعد أن أسقطت الأشجار التي اقتلعها ساندي خطوط الكهرباء.

ورغم الجهود الكبيرة المبذولة فإن الأمر قد يتطلب من ملايين السكان في نيويورك والمناطق الأخرى المتضررة، أياما وربما أسابيع حتى يفيقوا من أثر العاصفة ساندي التي اعتبرت بالفعل أكثر تدميرا من العاصفة أيرين التي ضربت نفس المنطقة العام الماضي.

وفي الداخل الأميركي، تسببت العاصفة بهطول ثلاثة أمتار من الثلوج على المرتفعات في الولايات التي تتشارك جبال الأبالاش مع تقدمه غربا وشمالا. وفي أماكن أخرى من نيويورك بدأ سكان الواجهة البحرية لمنطقة بريزي بوينت في التنقيب بين الحطام بعد أن دمر حريق هائل أكثر من 80 منزلا في منطقة غمرتها المياه.

ولم يقتصر الدمار على نيويورك. فالكثير من المدن على طول الساحل الشرقي الأميركي من بوسطن إلى فيلادلفيا وواشنطن طالتها رياح عاتية فيما عانى سكان الواجهات البحرية من السيول والفيضانات. وحذرت الأرصاد الجوية من استمرار الفيضانات على طول الساحل الأطلسي حيث الكثافة السكانية مرتفعة وبقي نحو 7400 عنصر من الحرس الوطني متأهبين في 11 ولاية للقيام بأعمال الإغاثة.

وأشارت تقديرات أولية لقطاع التأمين إلى أن الخسائر الخاضعة للضمان الناجمة عن العاصفة قد تتراوح بين 7 و15 مليار دولار. ومن جانبها، سارعت الشركات إلى تقييم الأضرار وبحث كيفية إعادة الموظفين إلى العمل وتوفير شتى احتياجات العملاء من المياه إلى مستلزمات بناء أسطح المنازل وخدمات الاتصال اللاسلكي بالإنترنت والكهرباء اللازمة لتشغيل أجهزة الكومبيوتر المحمولة. وفي متاجر «هوم ديبوت» قال دوج سبايرون مسؤول الطوارئ في مركز القيادة لأكبر سلسلة أميركية لمستلزمات المنازل إن من أكبر التحديات التي واجهتها الشركة في أوج قوة العاصفة هو تغيير مسارات الشاحنات المحملة بالإمدادات لأن المسؤولين المحليين أمروا بإغلاق الكثير من الطرق. وتعرض 441 متجرا من هذه السلسلة لرياح تساوي في شدتها العواصف الاستوائية بينما تعرض 18 متجرا لرياح الأعاصير. وحين بلغت العاصفة ذروته يوم الاثنين أغلقت هوم ديبوت 44 متجرا. لكن بحلول مساء الثلاثاء تراجع عدد المتاجر المغلقة إلى 11. كما أغلقت سلسلة وول مارت 267 متجرا بحلول ليل الاثنين، ثم تراجع العدد إلى 80 متجرا في عشر ولايات بحلول مساء الثلاثاء.

وقال هنري غوردن النائب الأول لرئيس قسم الساحل الشرقي في وول مارت: «كان العملاء يشترون الخبز والماء بوتيرة تفوق قدرتنا على توفير كميات جديدة من هذه السلع لكننا تمكنا من التغلب على ذلك من خلال العمل مع موردين محليين».

وقالت: «وول مارت»، أكبر سلسلة لمتاجر التجزئة في العالم، إن أيا من منشآتها لم يصب بأضرار جسيمة ولم يحدث ارتباك في خططها لموسم العطلات. بينما قالت سلسلة «ساكس» للمنتجات الفاخرة أول من أمس إنها أعادت فتح ثلاثة متاجر في ماريلاند وفرجينيا وبنسلفانيا.

ولم يستطع سكان نيويورك الباحثون عن كوب من القهوة العثور على مقهى مفتوح من السلاسل الكبرى. ففي منطقة برودواي في مانهاتن أغلقت سلسلة ستاربكس اثنين من مقاهيها. وقالت هيلي دراجي المتحدثة باسم «ستاربكس» إن الشركة أغلقت نحو 250 مقهى من فرجينيا إلى مين.

وواجهت بعض الشركات الإعلامية الكبرى في نيويورك مشكلات بسبب انقطاع التيار الكهربائي في مكاتبها أول من أمس. وقال متحدث باسم شركة «فياكوم» إن الكهرباء وخدمة الهاتف انقطعت عن مكاتب شبكات «كوميدي سنترال» و«تي في لاند» و«سبايك تي في» التابعة للشركة في مانهاتن بالقرب من نهر هدسون الثلاثاء وإن العاملين مكثوا في منازلهم. وقالت متحدثة باسم شبكة «إن بي سي يونيفرسال» ومقرها نيويورك إن الخدمات الإخبارية تعمل على مدار الساعة وإن الرئيس التنفيذي كان في مكتبه يومي الاثنين والثلاثاء. وأضافت أن معظم الموظفين عملوا من منازلهم وسيبدأون العودة إلى مكاتبهم في الأيام القليلة المقبلة.

وواجهت شركات الهاتف الأميركية صعوبات في تقديم خدماتها أول من أمس حيث عطلت الفيضانات وانقطاعات الكهرباء والثلوج عمل شبكاتها. وقالت لجنة الاتصالات الاتحادية إن نحو 25% من أبراج البث اللاسلكي تعطلت الثلاثاء وإن التعطيلات قد تزداد سوءا. وتعمل شركة «فيرايزون» على إخراج المياه التي غمرت مكاتبها المركزية التي توجد فيها معدات حيوية لخدمات الهاتف والإنترنت والتلفزيون.

وتضررت أيضا شركات الأدوية التي توجد مقراتها بكثافة في نيويورك ونيوجيرسي. وقالت «نوفارتس» إن كل مكاتبها في المنطقة أغلقت الثلاثاء. كما أغلقت «نوفو نورديسك» التي تنتج الأنسولين مكاتبها هي الأخرى. وقالت «غلاكسو سميث كلاين» إنها نفذت خطة لضمان استمرار توزيع الأدوية في ظل إغلاق الكثير من المطارات. وأضافت الشركة أن هناك ما يكفي من الأدوية في سلسلة التوريدات للحيلولة دون حدوث ارتباكات خطيرة. ويجري نقل كميات كبيرة نسبيا من الأدوية جوا وهو ما يعني أن شركات مثل «غلاكسو سميث كلاين» عليها أن تقوم بترتيبات لنقل الأدوية برا حين يتعذر النقل الجوي.