الملف النووي الإيراني يهيمن على محادثات نتنياهو ـ هولاند في باريس

الرئيس الفرنسي للفلسطينيين: وحدها المفاوضات تفضي إلى الحل الدائم

هولاند يرحب بنتنياهو لدى وصوله إلى قصر الإليزيه في باريس أمس (رويترز)
TT

استحوذ الملف النووي الإيراني على جزء كبير من محادثات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في باريس مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند. وبدا واضحا أن الجانب الإسرائيلي سعى للتركيز على هذا الموضوع وعلى موضوع معاداة السامية والعنصرية، على خلفية مقتل أربعة يهود في الربيع الماضي في مدينة تولوز (جنوب فرنسا) للتغطية على ملف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية وعلى تكثيف الاستيطان في القدس الشرقية والضفة الغربية.

وبينما اعتبر الرئيس الفرنسي أن امتلاك إيران السلاح النووي «أمر لا يمكن لفرنسا أن تقبله»، مؤكدا عزم بلاده على السير في فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية والمالية على إيران «ما دام أن الحاجة تدعو إلى ذلك»، طالب نتنياهو مرة أخرى الأسرة الدولية برسم «خطوط حمراء» لإيران لا يجوز تخطيها تحت طائلة التعرض لعمل عسكري. وقال نتنياهو في المؤتمر الصحافي المشترك الذي أعقب جلسة من المحادثات بين الجانبين الفرنسي والإسرائيلي إن العقوبات الدولية «قاسية وتضغط من غير شك على الاقتصاد الإيراني ولكنها للأسف لم تؤخر البرنامج النووي الإيراني».

وفي الأسابيع الأخيرة، سعى نتنياهو للضغط على الإدارة الأميركية لحملها على تبني مبدأ رسم الخطوط الحمراء، إلا أن الرئيس أوباما رفض الاستجابة لطلبه، ولكنه في المقابل شدد على أن الولايات المتحدة «لن تسمح» لإيران بامتلاك القنبلة النووية وأنها، من أجل ذلك، مستعدة للجوء إلى «كل الوسائل» لوقفها.

بيد أن إسرائيل تطالب بمنع طهران من الحصول على «القدرة النووية» أي الوصول إلى العتبة التكنولوجية والتخصيبية التي تمكنها من تصنيع القنبلة النووية. وفي هذه النقطة بالذات يكمن الفارق الحقيقي بين واشنطن وتل أبيب. رغم ذلك، فإن نتنياهو دفع إلى قبول «مهلة» جديدة للأسرة الدولية حتى الربيع المقبل بعدها سيعتبر نفسه حر اليدين في اللجوء إلى العمل العسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية.

وفي مقابلة مع مجلة «باري ماتش» نشرت أمس، أعلن نتنياهو الذي يتأهب لخوض الانتخابات التشريعية في يناير (كانون الثاني) المقبل، أنه «في الدقائق الخمس (التي تلي الضربة العسكرية ضد إيران) وبعكس تحليلات المشككين، فإن شعورا من الارتياح سيعم المنطقة لأن إيران لا تتمتع بالشعبية في العالم العربي وبعض الأنظمة ومواطنوها فهموا أن إيران نووية لا تشكل خطرا على إسرائيل وحدها بل عليهم أيضا».

ووصف نتنياهو موقف فرنسا المتشدد إزاء الملف النووي الإيراني، بأنه «بالغ الأهمية» لأن باريس، وكما شرح ذلك هولاند نفسه، عازمة على الاستمرار في سياسة «المقاربة المزدوجة» أي فرض العقوبات والإعلان عن الاستعداد للحوار مع إيران شرط أن تستجيب لمتطلبات الوكالة الدولية للطاقة ولقرارات الأمم المتحدة مع القبول مسبقا بأن تستفيد من التطبيقات السلمية للطاقة النووية.

وفي هذا السياق، طالب هولاند القادة الإيرانيين بتقديم «البراهين» وأن «يقوموا بمبادرات ملموسة» تقنع العالم بأنهم تخلوا عن السعي للحصول على القنبلة النووية. ويعد موقف هولاند استمرارا للسياسة التي سار عليها الرئيس السابق نيكولا ساركوزي خلال السنوات الخمس الماضية. وكان الأخير الوحيد بين القادة الغربيين الذين قال أكثر من مرة إنه «لن يصافح» الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لسببين: الأول لأنه يدعو لمحو إسرائيل من على الخريطة، والثاني لسعيه إلى حصول بلاده على السلاح النووي.

ولوح نتنياهو بالتهديد النووي الإيراني الذي اعتبره خطرا على إسرائيل وأوروبا وأميركا والعالم العربي، وهو الموقف الذي لاقاه فيه هولاند. وقال نتنياهو إن إيران من غير قنبلة نووية «خطرة وهي أكثر خطورة في حال امتلاكها». وفي أي حال، فهو لا يرى أن السلام يمكن أن يحافظ عليه «مع آيات الله ومع القنبلة». وذهب إلى حد القول إن إيران «تريد أن تكون خلافة» وأنها لن تكتفي بالأراضي الإيرانية؛ بل تريد ضم أجزاء أخرى إليها. وكان نتنياهو قد استبق لقاءه هولاند بالتأكيد أنه يريد أن يدرس معه ماهية العقوبات الملموسة والجديدة التي يمكن فرضها على إيران. وأسف هولاند لأن العقوبات تصيب الشعب الإيراني.

وفي الموضوع الفلسطيني، مارس نتنياهو فن الدعاية السياسية كما يتقنه؛ إذ أكد أنه «جاهز» للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) في «أية لحظة» لا بل إنه دعا هولاند إلى الدعوة لمثل هذا اللقاء. وقال نتنياهو إنه «منذ أربع سنوات» يسعى لمحادثات سلام من غير شروط» وإن المسافة التي تفصل القدس عن غزة لا تزيد على سبع دقائق ولذا من الممكن أن يلتقي مع الطرف الفلسطيني للتفاوض متجاهلا تماما إشارة هولاند إلى موضوع الاستيطان الذي تزايدت وتيرته في الأسابيع الأخيرة.

لكن الأخير اقترب كثيرا من الموقف الإسرائيلي من خلال نقطتين: الأولى، أنه طالب هو الآخر بمفاوضات «من غير شروط مسبقة» مستشهدا بأبو مازن الذي نقل عنه أنه «ليس لديه شروط مسبقة». والثاني، أنه نبه الجانب الفلسطيني إلى القفز فوق المفاوضات المباشرة والسعي إلى الحصول على صفة الدولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقال هولاند: «ثمة محاولة من جانب السلطة الفلسطينية بالتوجه إلى الجمعية العامة للحصول على ما لم تحصل عليه بالمفاوضات. لكن المفاوضات وحدها هي التي تؤدي إلى حل نهائي للوضع الفلسطيني».

ويرى مراقبون أن هولاند «تراجع» عن مواقف سابقة شخصية وفرنسية فهم منها الاستعداد للاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ علما بأن أبو مازن جاء إلى باريس للقائه قبل خطابه في الأمم المتحدة والتقاه في نيويورك. وقالت مصادر فلسطينية لـ«الشرق الأوسط» إن السلطة «وعدت باريس بتنسيق الخطوات معها» في موضوع طلب صفة الدولة غير العضو بعد أن فشلت في الحصول على صفة الدولة الدائمة والكاملة العضوية في العام الماضي.