لوحة «نزهة الحريم» في النيل تخرج من مكمنها الذي اختبأت فيه 150 عاما

مزاد في باريس يعرضها للبيع بمليون يورو بعد أن توارثها أحفاد الرسام الفرنسي جيروم

تمثل لوحة «نزهة الحريم» منظرا ساحرا لزورق ينساب على صفحة النيل، في مصر، بسواعد مجدفين أشداء، تتوسطه مقصورة تجلس فيها بضع نساء
TT

كعادتهم في الشهر الأخير من السنة، ينظم عدد من أبرز وكلاء تجارة التحف والأعمال الفنية في باريس مزادا للوحات تندرج في باب الفن الاستشراقي، وذلك مساء الحادي عشر من الشهر الحالي. وسيجري المزاد في قصر «آركوريال» التاريخي الذي يقع وسط جادة «الشانزليزيه». ويسبق البيع معرض للأعمال المطروحة للمزاد يستمر 3 أيام.

أهم ما يلفت نظر الجامعين والهواة في المزاد المنتظر لوحة للرسام جان ليون جيروم (1824 - 1904) بعنوان «نزهة الحريم». واللوحة المنفذة بالألوان الزيتية على قماش بمقاس 86 في 150 سنتمترا، هي من مقتنيات ورثة مادلين جيروم، ابنة الفنان. وقد تناقلت أجيال الأسرة تلك اللوحة طوال 150 عاما، دون أن تعرض على الملأ، حتى قرر آخر الورثة التخلي عنها مقابل سعر يتراوح بين 800 ألف ومليون و200 ألف يورو، حسبما جاء في دليل المعرض. وتمثل اللوحة منظرا ساحرا لزورق ينساب على صفحة النيل، في مصر، بسواعد مجدفين أشداء، تتوسطه مقصورة تتجلى فيها بضع نساء.

ومنذ رحلته الأولى إلى مصر، عام 1855، صار جيروم بمثابة «الشاهد النزيه على الواقعية الشرقية». وقد امتازت لوحاته بذلك الاهتمام البالغ بالتفاصيل الدقيقة التي تقترن بريشة يحركها خيال شاعري اعتبره الجمهور تعبيرا أمينا عن الحقيقة المثبتة. لقد عشق جيروم منظر نهر النيل (ومن لا يعشقه؟) لا سيما مياهه الرائقة وضفافه الضبابية والاتساع الفسيح للسماء من فوقه وقوة سواعد المراكبية وفتنة السيدات المتنقلات في مقصوراتهن الخاصة في الزوارق، مختفيات عن الأعين لكن ألوان ثيابهن تفصح عنهن، وكأنهن في هوادج مائية، لا صحراوية. ومنذ أواسط القرن التاسع عشر، ارتبط جان ليون جيروم بأدولف غوبيل الذي كان أحد كبار تجار اللوحات في ذلك الوقت. وفي عام 1863 تزوج من ماري، إحدى بناته. إن غوبيل هو مؤسس دار للنشر حملت اسمه، وقد كان من الفطنة بحيث تشارك في تجارة اللوحات الشهيرة التي يعاد استنساخها، ومنها انتقل إلى المتاجرة باللوحات الأصلية وصار له وكيل في نيويورك. وبفضل تلك الصلات أصبح غوبيل ممثلا للفن الأوروبي الرفيع في الولايات المتحدة. وهو قد جمع ثروة طائلة خلال الحرب الأهلية هناك، لأنه لم يكن يكتفي بتقديم الفن الفرنسي بل بتمثيل الثقافة السياسية والاجتماعية في فرنسا.

وعودة إلى المزاد الذي يجري بعد أيام، فإنه من المعروف أن الكثيرين من أصحاب المجاميع الفنية، في الغرب، تشجعوا على تقديم مقتنياتهم لتباع في المزادات العالمية، نظرا للارتفاع الذي تشهده أسعار قطع الآثار والتحف والفنون الشرقية. والفضل يعود لافتتاح متاحف جديدة للفنون الإسلامية، والاهتمام الذي يلقاه الفن الشرقي في عدد من دول الخليج، وبحث خبراء التأثيث العاملين في حقل الفنادق والمصارف والقصور المشيدة حديثا عن أعمال فنية تناسب البيئة التي يشتغلون فيها.

يتوزع المزاد على 6 موضوعات تشمل 54 لوحة جاءت من مجموعات خاصة في أوروبا. وقد خصص القسم الأول للأعمال التي تتناول الجزائر. ويمثل هذا القسم الفنان الفرنسي المستشرق اتيان دينيه، الذي اعتنق الإسلام وصار يدعى نصر الدين. أما القسم الثاني فيدور حول تأثير الرسام جان ليون جيروم على غيره من الفنانين من أمثال جورج بريتونييه وجان باتيست هيزمانس ورودولف ارنست. وهناك قسم مخصص لأعمال الرسام جاك ماجوريل ومعاصريه، وهو الفنان الفرنسي ذو اللوحات التي يتزايد عليها الطلب، في السنوات الأخيرة. أما معاصروه فهم الرسامون ألكسندر لاكوفليف وبرنار بوتيه دومونفيل. وقد خصص قسم للأعمال التي تتناول بلدانا بعينها، مثل تركيا وتونس. وفي خضم تلك اللوحات العائدة لزمن مضى، نرى قسما للفن المعاصر في المغرب من خلال لوحات لكل من الفنانة شعيبية، الرسامة الفطرية المتحدرة من وسط شعبي والتي نجحت في تحقيق شهرة عالمية، وزميليها أحمد شرقاوي وجيلالي غرباوي.

من خلال هذا المزاد يعيد قسم الفنون الشرقية لدى وكلاء البيع «آركوريال» و«بريت بولان» و«تاجان»، الذي يديره الخبير أوليفييه بيرمان، تأكيد ريادته العالمية في مجال تجارة الأعمال الفنية وطرحه للبيع لوحات مرموقة لأشهر رسامي المدرسة الاستشراقية في الفن، وهي تيار ساد تبلور في القرن التاسع عشر حين توجه عدد من رسامي أوروبا إلى بلدان الشرق، والمغرب العربي بالأخص، بحثا عن موضوعات جديدة وطبيعة جغرافية مختلفة وانعكاسات ضوئية باهرة لشمس تشرق في كل المواسم.