«شكرا».. كيف يمكن لممارسة «الامتنان» أن تجعلك أكثر صحة وسعادة؟

كتاب يتناول «علم الامتنان» وأثره الإيجابي على الفرد والمجتمع

TT

فضيلة الشكر والامتنان والاعتراف بالجميل، على القليل والكثير، من الفضائل والأخلاق والمشاعر الإنسانية النبيلة التي أكدت وحثت عليها الأديان والثقافات المختلفة، لما لها من أهمية في حياة الإنسان والمجتمع. وللشكر درجات وأشكال متعددة، فهناك شكر لله تعالى وشكر للوالدين وشكر للناس، قال تعالى: «لئن شكرتم لأزيدنكم» (سورة إبراهيم: آية 7)، وشكر الناس من شكر الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «لا يشكر الله من لا يشكر الناس»، وكان شكر الله، من وصايا الرسول الكريم لأصحابه رضوان الله عليهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: «لا تنس أن تقول في دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك».

وشكر الإنسان للنعمة والإحساس دائما بفضل الله تعالى، وممارسة الامتنان للآخرين، لا يكون بالقول فقط، بل هو عبادة لله تعالى تكون أيضا بمساعدة الضعفاء والمحتاجين وقضاء حوائجهم وتفريج همومهم وإدخال السرور عليهم والمشاركة في صنائع المعروف وأعمال البر والخير. وعلى الرغم من أن كلمة الشكر لا تكلف الإنسان شيئا، إلا أن البعض قد يضن بها في مقابل ما يقدم لهم من خدمات ومنافع.

وقد أصبح الشكر والامتنان علما (science of gratitude)، وهو مجال حديث نسبيا، ينال حاليا قدرا كبيرا من الاهتمام ضمن ما يسمى بعلم النفس الإيجابي، الذي يهدف إلى تعميق فهم علماء النفس، لأفضل الحالات والظروف لعمل الإنسان وما الذي يجعله أكثر نجاحا واستقرارا وسعادة، وترجمة ذلك إلى نتائج يمكن للناس استخدامها في حياتهم اليومية؛ حيث بدأ علماء النفس بدراسة علم الامتنان والشكر وبيان أثره الإيجابي الملموس على حياة الإنسان وصحته؛ حيث أكدوا على أهمية الشكر، كعنصر حاسم من عناصر السعادة الذي غالبا ما يتم تجاهله. فالتفكير في الامتنان وإظهار تعبيراته للآخرين يرتبط بزيادة مستويات السعادة والطاقة الجسدية والتفاؤل والتعاطف. فقد قام عالم النفس الأميركي البروفسور روبرت إيمونز بجامعة كاليفورنيا في ديفيز ورئيس تحرير مجلة «علم النفس الإيجابي» وأحد أبرز العلماء الباحثين في مجال الشكر والامتنان، بإصدار كتابه الشهير، الذي يعد أول كتاب من نوعه في هذا المجال بعنوان «شكرا: كيف يمكن لممارسة الامتنان أن يجعلك أكثر سعادة». حيث درس فيه معنى أن تفكر وتشعر بالامتنان. ووجد أن الامتنان لشخص ما، يزيد من مشاعر سعادة الفرد، فقد كشفت الدراسات والتجارب التي أجراها إيمونز، على أن الامتنان والاعتراف بالجميل في التعامل مع الآخرين يؤدي لإحداث تغيير إيجابي في الحياة، فالشكر يؤدي إلى الصحة والسعادة والتفاؤل والاستمتاع بالحياة؛ حيث يعمل على تعزيز الطاقة الذاتية للإنسان ودعم جهاز المناعة لديه وحمايته من الأمراض، وبالتالي صحة جسدية ونفسية أفضل. فقد وجد من تجاربه أن الامتنان بشكل منتظم يزيد من سعادة الإنسان بنسبة تصل إلى 25 في المائة، كما أن الحفاظ على الامتنان يؤدي إلى نوم أفضل وإلى مزيد من الطاقة. لقد قدم إيمونز في كتابه، سردا شاملا في دراسة الشكر والامتنان؛ حيث تناول مفهوم الإمتنان، وما الذي يعنيه أن تكون ممتنا، وهل يمكن للامتنان أن يؤدي إلى تغيير دائم في الحياة، وما الممارسات التي تزيد الإمتنان؟ ويشير إيمونز إلى أن الامتنان ليس مفهوما جديدا، فقد أكدت معظم الأديان على أهمية تقديم الشكر للآخرين، ولكن الامتنان عامل منسي في أبحاث السعادة، فنحن منخرطون في مشروع بحثي طويل الأمد، بهدف التوصل لمجموعة كبيرة من البيانات العلمية حول طبيعة الامتنان وأسبابه وأثاره المحتملة على صحة البشر وسعادتهم، باعتباره جزءا لا يتجزأ من الصحة والرفاه. كما أننا في الوقت الحاضر نقوم بتطوير طرق وأساليب لغرس الامتنان في الحياة اليومية وتقييم لتأثيره على السعادة، وتطوير مقاييس موثوقة لتقييم الفروق الفردية في طباع الامتنان. ويعرف إيمونز الإمتنان بأنه الاعتراف بالخير والجميل في حياة المرء، والاعتراف بأن مصدر أو مصادر الخير تكمن جزئيا على الأقل خارج الذات. والجديد في كتابه، هو أنه بحث قائم على أساس علمي، فقد أكد فيه على أن الامتنان يمكن أن يزيد بشكل كبير من الرفاه والسعادة، وقد نسج النتائج التي توصل إليها في بحثه، بأمثلة من التاريخ والفلسفة والدين، وكذلك نقلا عن حكايات من أناس حقيقيين.

ولكن، ما الذي يعنيه أن تكون ممتنا؟ وجد إيمونز أن الحياة المليئة أكثر بالامتنان، تكون مرتبطة بزيادة في عوامل كثيرة، من بينها: السعادة والرفاه وممارسة الرياضة البدنية والرضا عن الحياة والتفاؤل والتسامح والحماس والحب والإيثار، كما وجد أن الأفراد الذين يحافظون بانتظام على ممارسة الإمتنان، كانوا أقل عرضة للإصابة بالأمراض وانخفاض مستويات الحسد والجشع والاستياء والمرارة وكانوا أكثر قدرة وفعالية في التعامل مع الإجهاد والتوتر.

وفي كتاب آخر بعنوان «علم نفس الامتنان»، من تحرير روبرت إيمونز ومايكل مكولوغ بجامعة ميامي الأميركية، توصلا فيه، من خلال مجموعة من الدراسات والتجارب، إلى أن مجموعات الأفراد الذين حافظوا على ممارسات الامتنان بشكل منتظم، كانت لديهم نتائج أفضل بكثير على مقاييس السعادة الجسمية والنفسية، وكانوا أكثر تفاؤلا تجاه حياتهم، وأقل عرضه للإصابة بالأمراض الجسمية، وكانوا أكثر استعدادا لتحقيق أهداف شخصية مهمة في حياتهم سواء أكاديمية أو صحية أو تتعلق بالعلاقة بين الأشخاص، وكانت لديهم مستويات عالية من اليقظة والحماس والإصرار والتصميم والطاقة الجسدية، وأكثر استعدادا لمساعدة شخص ما في مشكلة شخصية أو دعمه عاطفيا. كما كانت لديهم معدلات ونوعية نوم أفضل، وكذلك معدلات أكبر من الطاقة الإيجابية العالية، وإحساس مرتفع بالشعور بالتواصل مع الآخرين.

ويدعو إيمونز في كتابه، القراء إلى تعلم كيف يمكن وضع عاطفة الشكر والامتنان القوية موضع التنفيذ، من خلال طرق وأساليب معينة لتحسين وتعزيز الامتنان، تشمل: الحفاظ على الامتنان بشكل دائم ومنتظم، واستخدام تذكيرات بصرية، واستخدام لغات وكلمات الامتنان، والإبداع في البحث عن حالات وظروف جديدة للامتنان.

ويختتم إيمونز كتابه بالقول بأن: «الامتنان والشكر يحررنا من التأسف والأسى على الماضي والقلق من المستقبل، ومن خلال زراعة الامتنان داخلنا، سوف نتحرر من الحسد على ما لم يكن لدينا أو أننا لسنا كما أردنا، ومع الشكر والامتنان يأتي إدراك بأن لدينا ما يكفي ويكفي ما نحن فيه».

«شكرا».. كلمة صغيرة وخلق كريم له دلالات ونتائج كبيرة، فهي عبادة لله وطريق لقلوب الناس وفوائدها كثيرة على الفرد والمجتمع، فلنعلمها لأبنائنا ونعززها في سلوكياتنا وحياتنا اليومية، وليكن دعاؤنا دائما دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك».