فنانون عراقيون لـ «الشرق الأوسط»: نتاجاتنا الفنية لم تعد تغري الناس والمسؤولين باقتنائها

معارض الفنون تنظم في بغداد وتباع في الخارج

الفنانة التشكيلية العراقية ملاك جميل في معرضها (ألف ليلة وليلة) ببغداد («الشرق الأوسط»)
TT

كانت بغداد تزدحم بصالات العرض التشكيلي التابعة لوزارة الثقافة وبعضها صالات خاصة بفنانين تشكيليين، حيث افتتحت الفنانة التشكيلية وداد الأورفلي أول صالة خاصة للعرض التشكيلي (غاليري الأورفلي) في حي المنصور الراقي بجانب الكرخ من بغداد، وسرعان ما تحول هذا الغاليري إلى مركز ثقافي مهم. ويمكن تسمية صالات مهمة كانت تابعة للحكومة، مثل: متحف الفن الوطني الحديث، وغاليري الرواق الذي كان يديره الفنان الراحل موفق الخطيب، ومتحف الرواد الذي كان بإدارة الفنانة التشكيلية الراحلة بهيجة الحكيم، وصالات مركز صدام للفنون الذي كان تابعا لدائرة الفنون التشكيلية التي كانت الفنانة الراحلة ليلى العطار مديرها العام. ومنذ نهاية الثمانينات، تم افتتاح الكثير من الغاليرهات الخاصة من قبل فنانين تشكيليين، مثل: محترف فهمي القيسي، وقاعة حوار للفنان قاسم سبتي.

هذه الصالات، وعلى كثرتها، كانت تزدحم بجمهور كبير من متتبعي الإنجاز التشكيلي العراقي، بل إن اقتناء لوحات من هذه المعارض ولفنانين معروفين أو حتى شباب كان عادة اجتماعية وثقافية، بينما كانت وزارات الدولة تقتني أعمالا تشكيلية من المعارض لتؤثث بها جدران مكاتب هذه الوزارات من جهة ولتشجيع ودعم الفنانين التشكيليين من جهة ثانية. وفي سنوات الحصار الصعبة ما بين 1991 و2003، خرجت المئات من الأعمال التشكيلية خارج العراق، وخاصة إلى العاصمة الأردنية عمان، لتباع بأسعار زهيدة لوسطاء يقومون بدورهم ببيع هذه الأعمال بأسعار مرتفعة، لما لمكانة الفن التشكيلي العراقي من مكانة عالية وسمعة رفيعة، وهذا ما دفع وزارة الثقافة العراقية إلى منع تسرب أعمال الفنانين الرواد وبعض الفنانين المعروفين إلى الخارج خشية على ضياع التراث التشكيلي العراقي.

واليوم، يشكو فنانون عراقيون من كساد نتاجاتهم الفنية في المعارض والأسواق المتخصصة في بغداد، وقلة عدد الحاضرين لمعارضها الرسمية والأهلية، التي غالبا ما تغلق أبوابها بعد أيام قليلة من افتتاحها، مقابل رواج الإقبال عليها وبيعها بأسعار مرتفعة في الخارج، لما تتمتع به من سمعة جمالية متفردة.

وتحاول الحركة الفنية في العراق استعادة ماضيها المشرق ومكانتها بين الدول المجاورة، في السنوات الأخيرة، عبر تنشيط إقامة المعارض المتخصصة في الدوائر التابعة لوزارة الثقافة العراقية، أو تلك التي تقام على أروقة عدد من القاعات والمراكز الأهلية التي افتتحت أبوابها مؤخرا لتشجيع الفنان العراقي على معاودة نشاطه وتحفيز المغتربين منهم لأجل العودة للبلاد والاستقرار فيها إثر تحسن الأوضاع الأمنية فيها.

«الشرق الأوسط» رصدت هذه الظاهرة وتحدثت مع عدد من الفنانين التشكيليين العراقيين ببغداد، إذ قالت الفنانة التشكيلية ملاك جميل، التي أقامت معرضها الشخصي السابع والعشرين مؤخرا على أروقة وزارة الثقافة العراقية وحمل عنوان (ألف ليلة وليلة): «لم يكن بإمكان الفنان العراقي إقامة المعارض الشخصية لعدم توافر التخصيصات المالية من الجهات الرسمية، لكن الوزارة اليوم، وضمن خطتها لإنجاح مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013، تحاول دعم الفنان وتحفيزه لأجل معاودة نشاطه كما السابق».

وأضافت: «لكن ذلك لم يكن كافيا للترويج؛ لأن وقت المعرض قصير، والجمهور لا يحرص على حضور المعارض كما السابق، لذا فإن حركة بيع اللوحات قليلة جدا، خصوصا مع غياب المسؤولين والسفراء والزوار والبعثات الدبلوماسية والرسمية التي كنا نعتمد عليها في بيع اللوحات».

وأكدت: «إن أغلى لوحة بيعت هنا لا يتجاوز سعرها 1500 دولار، في حين يصل سعرها في الخارج إلى أكثر من 50 ألف دولار». وعللت الأمر بالقول: «هناك، يحترمون الفن أكثر ويحرصون على زيارة المعارض ومتابعتها، خصوصا الفن العراقي المعروف بروحيته وأصالته المميزة».

أما الفنانة ساجدة المشايجي، التي أغلقت معرضها الأخير الشخصي بأعمال خزف وسيراميك وهي لم تبع منه سوى عمل واحد أو عملين، فأكدت قائلة: «إن العمل الفني في العراق لا يجلب الربح لصاحبه، والمعارض هنا للإعلام، والترويج للفنان فقط». وأضافت: «بالأمس، كان المسؤولون يحرصون على اقتناء النتاجات الفنية وحجزها مسبقا، لأجل عرضها في بيوتهم أو داخل دوائرهم ومكاتبهم الرسمية، أو حتى إهدائها لمن يحبون، لكنهم اليوم عزفوا عن ذلك، وربما استعانوا بالأعمال الفنية المستوردة!».

وأكدت أنها تحصد أرباحا وإقبالا أكثر عندما تنظم معارضها في دول الخارج أو دول الجوار، وهذا ما يفسر بقاء معظم الفنانين العراقيين الكبار في الخارج.

الفنان التشكيلي خالد جبر قال: «عادة ما كانت الوفود الأجنبية والسياحية هي التي تنشط الحركة الفنية في العراق، وما دامت السياحة انحسرت فيعني أن رواج الأعمال الفنية قد انحسر هو الآخر». وأضاف: «اهتمام الجمهور العراقي انحسر لأجل تأمين القوت اليومي، إضافة إلى الحياة اليومية الصعبة والاضطرابات الأمنية التي تمنعه من زيارة المعارض الفنية والتمتع بما تحويه كما السابق».

وأعربت الفنانة منى مرعي، التي أقامت معرضها الأخير على إحدى قاعات وزارة الثقافة العراقية، عن فرحها وحزنها في ذات الوقت بسبب إغفال الكثير من المهتمين والنقاد لمعرضها وقلة الطلب على اللوحات، في حين تمكنت من عرض ذات الأعمال في الخارج ونالت حضورا وتشجيعا كبيرا من قبل الجمهور، وبيعت كل اللوحات.

بدوره، قال سامر علوان، صاحب أقدم محل لبيع اللوحات الفنية العراقية في منطقة الكرادة وسط بغداد: «إن معظم رواده اختفوا بعد أن حلت البضاعة المستوردة محلها لرخص ثمنها، كما أن من يقدر الفن العراقي الأصيل رحل عن بلاده وصار مغتربا عنها». وأكد: «إن محال بيع اللوحات والتحف الفنية انحسرت كثيرا، ولم يتبق منها سوى عشرة محلات بعد أن كان عددها أكثر من 70 محلا، كما أن بعض الزبائن يشتري اللوحات لأجل بيعها في الخارج».

وتنحسر صالات العرض التشكيلي في بغداد اليوم على صالات خاصة ومحددة ومعروفة مثل حوار ومدارات واكد، وهي تعنى بعرض أعمال فنانين مرموقين بين فترة وأخرى، فضلا عن قاعة دائرة الفنون التشكيلية التابعة لوزارة الثقافة التي تستضيف معارض نوعية في بعض الأحيان.