الحكومة الباكستانية ترضخ لضغوط القادري وتقبل غالبية مطالبه

ابتهاج وسط آلاف المتظاهرين.. والقضاء يرجئ النظر في قضية رئيس الوزراء المتهم بالفساد

أنصار القادري يحملون صورته ويبدون ابتهاجهم، بعد رضوخ الحكومة وقبولها الحوارإثر ثلاثة أيام من الاحتجاج الشعبي في إسلام آباد أمس (رويترز)
TT

توصل مفاوضون يمثلون الحكومة الباكستانية إلى اتفاق مبدئي أمس مع السياسي ورجل الدين طاهر القادري الذي يقود حركة احتجاج واسعة في إسلام آباد منذ أيام. وبعد ثلاثة أيام من الاحتجاج الشعبي، لمح القادري إلى أن يوم أمس سيكون آخر أيام الاعتصام أمام البرلمان ودعا الحكومة إلى محادثات الفرصة الأخيرة. ويبدو أن الحكومة رضخت في الأخير لغالبية مطالب القادري وتحفظت على اثنين هما حل البرلمان وإلغاء اللجنة الانتخابية الوطنية.

وأعلن القادري أمام المتظاهرين الذين كانوا في حالة ابتهاج خارج البرلمان أمس أن المفاوضات انتهت وأن فريق التفاوض الحكومي اتجه نحو مقر رئيس الوزراء رجا برويز أشرف، حتى يوقف هذا الأخير على الاتفاق النهائي. وقال القادري للمتظاهرين: «بعدما يوقع رئيس الوزراء (الاتفاق)، سأتلو عليكم بنفسي البيان المشترك».

وكان وفدا يضم وزراء من الحكومة وأعضاء من الائتلاف، قد دخل في حدود الساعة الرابعة مساء أمس إلى الحاوية المقاومة للرصاص التي يقيم فيها القادري منذ صباح الثلاثاء فيما يفترش مناصروه الأرض في الخارج. واستمرت المفاوضات بين القادري والوفد الحكومي أكثر من ثلاث سنوات، وتمحورت حول عدد من المطالب التي حددها القادري وهي: حل البرلمان فورا وتشكيل حكومة مؤقتة بالتشاور مع الجيش والسلطة القضائية لفرض إصلاحات تسهل إجراء انتخابات حرة تحت إشراف لجنة انتخابية وطنية جديدة.

وقال وزير الإعلام قمر الزمان كايرا للصحافيين خارج مقر إقامة رئيس الوزراء أمس إن المحادثات تكللت بالنجاح، وإن الأمة ستستمع إلى أخبار طيبة في القريب العاجل. وأضاف: «إنني متوجه إلى مقر إقامة رئيس الوزراء حتى أطلعه على نجاح المفاوضات، ولاحقا سأطلع الرئيس (علي آصف زرداري) أيضا».

لكن مسؤولا حكوميا بارزا قال لـ«الشرق الأوسط»، إن رئيس الوزراء حرص على إرسال وزير العدل فاروق نائق، ضمن الوفد الحكومي المفاوض حتى يبلغ القادري عدم دستورية اثنين من مطالبه. وقال: المسؤول الحكومي إن المطلبين اللذين تحفظت عليهما الحكومة هما مطلب حل البرلمان ومطلب حل اللجنة الوطنية الانتخابية. وأضاف: «كلا المطلبين لا يمكن تطبيقهما والفريق الحكومي أبلغ ذلك إلى القادري».

وتشهد باكستان توترا شديدا منذ الثلاثاء عندما تزامنت مذكرة توقيف صدرت بحق رئيس الوزراء راجا برويز أشرف بتهمة فساد، مع وصول القادري إلى إسلام آباد وإلقائه خطابا ناريا ندد فيه بالسياسيين وأثنى على القوات المسلحة والهيئة القضائية. وأثار هذا التوقيت ذعرا حول مؤامرة مزعومة من القضاء والجيش لتأجيل الانتخابات المقررة منتصف مايو (أيار) القادم.

وفيما لاحت بشائر الحوار لإنهاء الأزمة أمس، بدأت الحشود التي تحدت الطقس البارد والمطر الغزير أمام البرلمان، بالغناء والرقص في الشارع. وكان الكثير منهم يرتجفون من البرد. وقال أجمل كريم وهو في منتصف العشرينات من العمر «آمل أن يشكل الاحتجاج ضغطا كافيا على الحكومة لتعلن عن إصلاحات متعلقة بالانتخابات وتحدد موعدا واضحا للانتخابات القادمة».

يذكر أن بروز القادري المفاجئ، والممول بشكل جيد على ما يبدو، بعد سنوات من الإقامة في كندا، قد ووجه بانتقادات ووصف بأنه مؤامرة من قبل بعض هيئات المؤسسة، وخاصة القوات المسلحة، لإرجاء الانتخابات واستعادة النفوذ. وكانت الحكومة أكدت في وقت سابق حل البرلمان في منتصف مارس (آذار) المقبل مما يمهد الطريق أمام تشكيل حكومة مؤقتة بالتشاور مع الأطراف السياسيين وإجراء انتخابات في غضون 60 يوما، بتاريخ ما منتصف مايو.

وطلب الرئيس آصف علي زرداري الذي أمضى فترة الاحتجاج في كراتشي، من البرلمان الانعقاد في 21 يناير (كانون الثاني) الحالي. ويرى محللون أن الحكومة استبعدت على ما يبدو أي خطر فوري وأن إعلان تاريخ محدد للانتخابات يمكن أن يحل المسألة. وقال الجنرال المتقاعد والمحلل السياسي طلعت مسعود: «أعتقد أن الانتخابات القادمة هي الخيار الوحيد الآن»، و«أعتقد أن الحكومة ستجتاز الوضع الحالي. طاهر القادري بحاجة لحل ينقذ ماء الوجه وهم يتحدثون إليه ليمنحوه ذلك».

ويبدو أن إرجاء المحكمة العليا قضية اتهام بالفساد ضد رئيس الوزراء بعد أن أعلن مسؤولون أن ليس لديهم أدلة كافية لتوقيفه، منحت الحكومة فسحة للتنفس. وأرجأ كبير القضاة افتخار محمد شودري القضية ضد أشرف و15 شخصا آخرين متهمين بالفساد في مشاريع طاقة إلى 23 الحالي. وتعود المشاريع إلى الفترة التي كان فيها أشرف وزيرا للموارد المائية والطاقة.

وقال رئيس مكتب المحاسبة الوطني فصيح بخاري لكبير القضاة إن إيجاد أدلة لمحاكمة أي شخص يحتاج إلى وقت رغم طلب المحكمة في مارس 2012 بدء إجراءات قضائية ضد أشرف. ومن ناحيته حذر المحلل السياسي حسن عسكري من أن ذلك ليس سوى حل مؤقت. وقال: «حتى لو أتوا بحل للمشكلات الحالية ربما تحصل أزمة أخرى... لذا على الحكومة إعلان الانتخابات الآن».