البرلمان الليبي يقرر رسميا استخدام القوة لإخلاء مقره من عشرات الجرحى

اتهم جهات مجهولة بتعمد تعطيل عمله وسط انقسام بين أعضائه

TT

قرر المؤتمر الوطني العام (البرلمان) في ليبيا إخلاء مقره الرئيسي في طرابلس من عشرات الجرحى الذين يحتلونه منذ نحو أسبوعين بالقوة، وتكليف قوات الأمن التي تتولى حمايته باتخاذ كل الإجراءات العاجلة والفورية لإخلاء المقر وحرمه من جميع الأشخاص المقتحمين.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن القوات المكلفة اقتحام المؤتمر باتت جاهزة ومستعدة لبدء مهمتها في أي وقت اعتبارا من عصر أمس، كما تم تعزيز الإجراءات الأمنية حول المقر الرئيسي للمؤتمر بفندق «ريكسوس»، أحد أفخم فنادق طرابلس.

واقتحم عشرات الجرحى والثوار، بعضهم مسلحون، مقر المؤتمر خلال جلسة رسمية كان يتم بثها عبر التلفزيون الرسمي في الخامس من الشهر الحالي، واحتلوه بعد مشادات كلامية، وباءت كل المحاولات لإقناعهم بالخروج بالفشل.

واضطر المؤتمر الذي تشكل عقب الانتخابات التشريعية التي جرت في يوليو (تموز) الماضي إلى عقد جلساته في خيمة نصبت على عجل بحديقة الفندق الذي يتخذه مقرا له وسط تذمر واستياء أعضائه ومطالباتهم بوضع حد للنيل من هيبة الدولة ومؤسساتها.

وأصدر المؤتمر قرارا حمل رقم 16 للعام الحالي، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، نص في مادته الثانية على أن «يكون لرئيس وأفراد القوات الأمنية كل الصلاحيات القانونية المقررة في تنفيذ المهمة الموكلة وبجميع الوسائل والسبل المتاحة، بما في ذلك الاستعانة بمن يرون ضرورة الاستعانة بهم في هذا الشأن».

كما نصت المادة الثالثة من القرار على أن «يعمل بأحكام هذا القرار من تاريخ صدوره وأنه يتعين على جميع المعنيين به وضعه موضع التنفيذ».

وجاء القرار تاليا لبيان رسمي أصدره المؤتمر الذي يعتبر أعلى سلطة دستورية في البلاد، «لوضع جماهير شعبنا التي منحتنا الثقة أمام واقع الحال الذي يواجهه المؤتمر»، على حد نص البيان الذي اتهم أيضا أطرافا كثيرة، من دون تسميتها، بالعمل «على الاستفادة من تعطيل المؤتمر وإعاقته عن أداء مهامه، خصوصا بعد انتخاب الهيئة التأسيسية لكتابة الدستور الجديد للبلاد، بالإضافة إلى مناقشة قانون العزل السياسي الذي يقطع الطريق على - من وإلى - نظام الطاغية (في إشارة إلى نظام العقيد الراحل معمر القذافي) وأفسد الحياة السياسية والاجتماعية والإدارية».

وقال البيان إنه يضع بهذا رئيسه محمد المقريف أمام مسؤولياته التي تنص عليها لائحة المؤتمر الوطني والمتمثلة في «العمل وبشكل فوري على إخراج المعتصمين من قاعة المقر الرئيسي»، معتبرا أنه «لا مبرر لاستمرار اعتصامهم وعرقلة عمل المؤتمر».

وقرر المؤتمر وفقا لنص البيان الاستمرار في عقد جلساته المتوقفة في القاعة الرئيسية بمقره الأصلي لمناقشة ما وصفه بالاستحقاقات التي لا تحتمل أي تأجيل أو تأخير، بالإضافة إلى بث الجلسات على الهواء مباشرة عبر قناة ليبيا الوطنية الفضائية (التلفزيون الرسمي) حتى يتمكن الشعب من متابعة حقيقة ما يجرى في الجلسات.

وقال أعضاء في المؤتمر الوطني لـ«الشرق الأوسط» إن لديهم مخاوف من وقوع مجزرة أو مذبحة يسقط فيها العشرات من القتلى والجرحى خلال العملية المتوقعة لإخلاء المقر.

ولفتوا إلى أن قرار استخدام القوة يمثل تناقضا لما سبق أن قرره المؤتمر قبل فترة، وتحديدا في مقره البديل في الخيمة بعدم استعمال القوة، وتساءلوا: استخدام القوة ضد من؟ ضد جرحى فقدوا أطرافهم في قتال القذافي؟

وكان المؤتمر الوطني قد خصص اجتماعه أول من أمس، الذي عقده في قاعة ملحقة بالفندق الذي يتخذ منه مقرا له، لمناقشة مشروع العزل السياسي الذي سيتم التصويت عليه في الخامس من الشهر المقبل، على أن يتم استكمال كل الملاحظات بشأنه يوم الاثنين المقبل تمهيدا لإعادة صياغته.

وشهدت هذه الجلسة سجالا بين أعضاء المؤتمر حول كيفية استعادة المقر، وما إذا كان يجب استعمال القوة من عدمها ضد المعتصمين بداخله.

وقال عضو في المؤتمر لـ«الشرق الأوسط» شارك في هذه الجلسة: «تحدث عضوان وطالبا الحكومة بأن تقوم بإخلاء المقر، لكن تم الرد عليهما بأن المؤتمر اتخذ قرارا بعدم استعمال القوة وأن تقوم الحكومة بتنفيذ مطالب المعتصمين التي وعدتهم بها».

ونقلت وكالة الأنباء الرسمية عن الدكتور صالح المخزوم، النائب الثاني لرئيس المؤتمر، أنه لاحظ خلال ترؤسه للجلسة الصباحية امتعاض وانزعاج أعضاء المؤتمر من الاستمرار في العمل داخل قاعة مؤجرة في فندق، ومطالبتهم بالعودة إلى مقر قاعات المؤتمر الأساسية، خصوصا أن الاستحقاق المطلوب من المؤتمر هو استصدار تشريع بشأن قانون العزل السياسي.

وأعلن المخزوم أن المؤتمر اضطر إلى استئجار قاعة في فندق «ريكسوس» لكي يسير فيها جلساته بسبب وجود الجرحى ومبتوري الأطراف بمقر القاعة الرئيسية، مشيرا إلى أن المؤتمر تواصل مع هؤلاء الجرحى عن طريق أحد أعضائه عبد الرحمن الشاطر بعد أن تعهدت الحكومة بأنها ستقوم بتوفير احتياجاتهم.

وبعدما كشف عن توقيع الحكومة الانتقالية التي يقودها الدكتور علي زيدان اتفاقين عن طريق نائبه عبد السلام القاضي مع الجرحى، أولهما تم تعديله بناء على طلب المعتصمين، قبل أن يعلن في مؤتمر صحافي مفاجئ انهيار الاتفاق الثاني لأن الجرحى رفضوا هذه الاتفاقات كما رفضوا الخروج من قاعة المؤتمر.

واعتبر المخزوم أن السؤال المطروح لدى المؤتمر هو: لماذا لا يعتصم هؤلاء أمام الحكومة، خصوصا أن مطالبهم تنفيذية؟ موضحا أن المؤتمر الذي يختص بالجانب التشريعي والقانوني قد قام بالمطلوب منه في هذا الملف، حيث أقر قانون ذوي العاهات من حرب التحرير وصدر القانون، وسيصدر برقمه مع بعض الإضافات البسيطة والتعديلات الفنية خلال اليومين القادمين، مشيرا إلى أن الاختصاصات التنفيذية والعلاج وغيرها هي من شأن الحكومة.

وأكد المخزوم أن المؤتمر عازم أشد العزم على أن يسلم الأمانة في وقتها، وأن يعمل من أجل الاستحقاقات القادمة، موضحا أن المؤتمر يرغب في أن يعقد جلسة رسمية في مقره لأن القوانين المعروضة الآن خطيرة ومهمة وتهم ليبيا والعالم أجمع، كقانون العزل السياسي، وقانون إعادة إنشاء مفوضية للانتخابات، وقانون تشكيل اللجنة التي ستضع مشروع قانون الهيئة التأسيسية، وقانون العدالة الانتقالية، وهي جاهزة لمناقشتها.

وأضاف أن المؤتمر قام بالاتصال بالحكومة وطلب منها الحضور لتوضيح ما الذي قامت به بخصوص ملف الجرحى وماذا قدمت لهم وماذا تستطيع أن تقدم لهم، ولماذا لا يتم احتواء هؤلاء الجرحى، لافتا إلى استياء المؤتمر من عدم استجابة الحكومة لهذا الطلب وموقفها السلبي، حيث إنها لم تتبن هذا الملف كما يجب، فهي ملزمة بتوفير احتياجات الجرحى، وبالحوار معهم، وملزمة بتزويد المؤتمر بصورة كاملة بمستجدات هذا الملف.

في غضون ذلك، أزيح الستار مساء أول من أمس في طرابلس عن النصب التذكاري لشهداء 20 فبراير (شباط) 2011، الذين خرجوا من مختلف مناطق المدينة احتجاجا على الجرائم التي ارتكبتها كتائب نظام القذافي ضد المتظاهرين في مدينة بنغازي.

وأقام المجلس المحلي في طرابلس بميدان الشهداء نصبا تذكاريا بين ساريتي العلم الوطني التي بلغ ارتفاعهما 25 مترا، تخليدا لهذه الذكرى، بينما قام المقريف، وسادات البدري، رئيس المجلس المحلي لطرابلس، برفع العلمين في حضور حشد جماهيري ورسمي.

وبعدما اعتبر البدري أن هذه المناسبة تمثل رسالة قوية إلى كل المشككين في حب الشعب الليبي وولائه لثورة 17 فبراير، أشاد بمن وصفهم بالثوار البواسل، ورجال الجيش والأمن الذين سهروا على تأمين احتفالات طرابلس في الذكرى الثانية لاندلاع الثورة ضد القذافي، وسط أجواء غاية في الروعة، من دون أسلاك شائكة وبوابات أمنية، على حد قوله.