موسيقى المارفا الهندية ذات أصول عربية

أسلافهم جاءوا للهند لحماية حكام ولاية حيدر آباد

موسيقى المارفا تعزف في احتفالات عيد الاستقلال
TT

جلس عبد الفاتح بن محبوب، ابن الـ80، القرفصاء على مقعد خشبي (تخت) يمضغ أوراق التنبول، مرتديا عمامته التقليدية، وكورتا طويلة وإزارا، محاطا بفرقته من العازفين الشباب، الذين يعزفون النغمات العربية. كانت ووجوههم الداكنة تتلألأ بحبات العرق، يرتدون القمصان البيضاء ويلفون الأوشحة الحمراء المربعة أسفل الطبول، يضيفون البهجة على مشاهديهم بموسيقاهم ذات الإيقاعات السريعة، مستخدمين الدف والطبول الكبيرة والعصي وآنية الصلب وعصيا خشبية تسمى «ثابي».

واستعدادا للعزف في حفل زفاف شخصية كبيرة، يجتمع كل الرجال في فرقة محبوب العربية الشهيرة التي تأسست قبل 40 عاما، وتعرف في حيدر آباد باسم «المارفا العربية»، التي تتسم بغلبة الإيقاع الراقص فيها.

قليلون هم من يقاومون التمايل على أنغام الدف العربي، فمع كل ترنيمة تشتعل الأجواء وتتجدد الطاقة في المحتفلين، تدعو المشاركين للرقص مع الموسيقي. ومع ارتفاع وتيرة الإيقاعات، يدخل المشاهدون في نوبة من الرقص الهادئ. لكن الكثير منهم لا يعلمون أن هذه الموسيقى لها جذور في أراضٍ بعيدة.

لقد دخلت الموسيقى العربية إلى الهند في القرن الثامن عشر في ولاية حيدر آباد جنوب الهند على يد أقلية عربية أفريقية، تعرف في الهند باسم سيديز (الأسياد). لم تأتِ هذه الأقلية إلى الهند، كحال عدد من الطوائف الأخرى، كعبيد بل كفرسان في جيش آصف جاهي نظام غير النظامي. كانت مهمتهم الأساسية حماية موكب نظام، خاصة خلال ظهورهم العلني، يوم الميلاد والاحتفال السنوي بيوم التتويج. وقد اعتاد المسؤولون تقديم الأموال إلى نظام، وكانت تلك مهمة السيديز؛ تلقي الأموال ووضعها في الخزانة الملكية. وكانت عادة نظام أن يقدم الهدايا إلى الحرس في ذلك اليوم.

في النهاية، تأثر بولائهم وشجاعتهم ومهاراتهم القتالية، إلى جانب شغفهم بالرقص والموسيقى، وضمهم إلى حرسه الرئيسي ومنحهم مساحات كبيرة من الأراضي في حيدر آباد. وقام نظام برعاية الموسيقى العربية التي كانت تعزف خلال الاحتفالات والمناسبات الرسمية.

واكتسبت موسيقى المارفا على مدى سنوات شعبية في الهند، خاصة في ولاية حيدر آباد، وتعتبر علامة على الضيافة التقليدية. ومنذ عام 1951، تُعزف المارفا بطلب الحكومة الهندية كجزء من الاحتفال السنوي بمناسبة يوم الاستقلال واحتفالات يوم الجمهورية في ريد فورت ونيودلهي.

ويتزايد الطلب على الفرقة في موسم الزواج والاحتفال وأوقات الانتخابات. ويقول ناصر بشير، أحد أكبر الموسيقيين سنا في الفرقة العربية إن هذا الأسلوب العربي من العزف يعود إلى أيام حكم ناظم.

وعندما سئل عن فرقة مارفا، لمعت عينا عبد المحبوب: «أنا أعزف الموسيقى منذ أكثر من 60 عاما، ولم أفشل في مهمتي في إمتاع الجماهير».

وعندما أشرنا إليه بأن كثيرا من فرق المارفا التقليدية تتوقف عن العمل، قال عبد المحبوب: «هذا ليس فشلا في الفرق، لكنه فشل العائلات غير القادرة على التمسك بالتقليد».

يعمل أبناؤه وأحفاده في كثير من المهن، لكنهم لا يزالون يشكلون جزءا من فرقته، ويقول بفخر: «هناك 3 من بين أبنائي الـ6 لاعبو هوكي في الفريق الوطني».

تعود جذور أبو المحبوب إلى زنزبار (تنزانيا) مسقط رأس جده حسن بن محبوب الذي قدم إلى الهند مع 300 رجل آخر. وحول انقطاع روابطه بأفريقيا، يقول: «لم يجلب أجدادنا نساءهم معهم، لذا كان عليهم الاندماج مع السكان المحليين. كانوا في البداية يتواصلون معهم باستخدام لغة الإشارة وبعض الكلمات القليلة التي تعلموها من السكان هنا. لم يكن الأفارقة يستطيعون التواصل فيما بينهم أيضا لأنهم كانوا من دول مختلفة ويتحدثون مجموعة من اللغات في القارة. ربما كان ذلك السبب الرئيس في خسارتنا لجذورنا الثقافية. وعندما دفنا آباءنا دفنا ثقافتهم معهم وأصبحنا هنودا».

في الوقت الراهن، حيث تهيمن بوليوود وموسيقى الأفلام الأخرى على الاحتفالات الهندية، تحولت موسيقى المارفا منذ قرون إلى جزء أصيل في حياة الهنود. تعد السيديز، مجموعة عرقية من أصول أفريقية، فريدة من نوعها فيما يتعلق بعزف المارفا. وسواء أكان الاحتفال زواجا أو تجمعا انتخابيا لا يكتمل الاحتفال من دون وجود فرقة مارفا، يتمايل على أنغامها الحضور. السعر الكبير الذي تطلبه الفرقة دليل على شعبيتها. وقد لقيت فرقة حيدر آباد ظهورا عالميا عندما اختارت نجمة التنس الهندية سانيا ميرزا أن تعزف فرقة مارفا في حفل زفافها على لاعب الكريكيت الباكستاني شعيب أختار.

ويقول سلام بشير، عازف الجيل الثاني في فرقة مارفا: «انتقلت المهارة من الأب إلى الابن، وهكذا بدأنا في تعلم عزف الموسيقى منذ الطفولة».

لكن كيف يمكن لشخص أن يعزف الموسيقى من الأواني الصلب؟

ويقول بشير، البالغ من العمر 51 عاما: «إنها جزء أساسي من الفرقة، ينبغي على الفرد أن ينقرها في الوقت المناسب خلال العزف، ومن ثم يعطيها شعورا بالحيوية. التفاصيل الدقيقة مهمة للغاية خلال استخدام أواني الصلب والعصي الخشبية بغض النظر عن الطبول والمارفا. إنها تبدو مختلفة لكن عندما تعزف معا تكون الموسيقى بالغة الحيوية. وكل أداة تشكل جزءا لا يتجزأ من الفرقة، وإذا ما تم عزفها معا تعطي إيقاعا نابضا بالحيوية». يتراوح عدد أفراد فرقة المارفا بشكل عام بين 8 و22 عازفا يقومون بعزف ألحان شهيرة مختلفة. ويقول محمد غوس، الذي يعزف في فرقة وهو في سن الخامسة والخمسين: «نغني بعض الأغاني العربية واليمنية عندما يطلب منا ذلك».

لكن المارفا العربية، إحدى الأساليب الموسيقية الفريدة، تواجه تحديات خطيرة من داخلها، حيث يبدي شباب عائلات السيدي ترددا في المشاركة في الفرق الموسيقية، ويسعون إلى البحث عن أعمال أخرى، وهو ما أدى إلى تراجع أعداد هذه الفرق الآن، وربما تكون الفرق الحالية هي الأخيرة في هذا المجال، إذ لا يبدي الجيل التالي رغبة في مواصلة مهنة الأجداد. وهناك كثير من الهنود غير المنتمين إلى هذه الطائفة تعلموا هذه الموسيقى وحققوا نجاحات كبيرة فيها في المدينة القديمة.

ويقول ميرزا سهيل، الذي يشارك بانتظام في حفلات الفرقة في مومباي وتشيناي وبنغالور وكالكتا، وبعض حفلات الزفاف الكبيرة في الهند: «شهد عدد الفرق زيادة خلال السنوات القليلة الماضية، لكن ذلك لم يقابله انخفاض في حجم الأجر الذي يطلبونه. فهم يتقاضون ضعف ما تتقاضاه الفرق الموسيقية العادية تقريبا».

وتشارك الفرقة أيضا بالعزف في الاحتفالات السنوية بمولد مشايخ الصوفية في الهند. ويقول عفسار بن محسن، الذي يدير فرقة للمارفا تسمى «كي إن جي الدف العربي»: «كان آباؤنا وأجدادنا يكسبون قوتهم من عزف المارفا، لكننا الآن نضطر إلى البحث أعمال أخرى حتى نعيش. فحتى أبنائي لا يرغبون في دخول هذا المجال».

يعمل غالبية العازفين من طائفة السيدي في مهن عادية، كسائقين أو رسامين أو ميكانيكيين أثناء النهار، وفي الليل يعزفون المارفا. فيعمل عفسار الذي يشكل فريقا من 30 عازفا كسائق تاكسي أيضا.

ويقول عوض بن سعيد الله، الذي يعزف في فرقة وهو في سن الستين: «إنه عمل موسمي، نضطر فيه إلى العمل حتى وقت متأخر من الليل مقابل مبالغ زهيدة».

ويضيف سعد الله: «لا يبدي أبنائي اهتماما بالعزف في الفرقة، ويريدون مني أيضا أن أتخلى عنها».

ويقول خالد بن عبد الله، عازف مارفا في سن الثانية والخمسين، إنه يرغب في حصول أبنائه على تعليم جيد.

ويشير خالد الذي يعزف المارفا منذ 30 عاما: «في السابق كانت المارفا تدر علي أنا وأخي دخلا جيدا، لكني الآن أضطر إلى القيام بأعمال أخرى مثل دهان الحوائط. ولذا لن أجبر أبنائي الثلاثة على تعلم المارفا لأني أريدهم أن يحصلوا على تعليم ووظائف جيدة».