دبي خلية نحل فنية.. بامتياز

الدورة السابعة لمعرض «آرت دبي» تنطلق بأعمال قيمتها 40 مليون دولار

تبدو النشاطات التي تحيط بسوق الفنون متنوعة بشكل قد يفاجئ المهتم ويتسبب في إرباكه ففي كل ركن من أرجاء صالات العرض الشاسعة هناك عمل فني أو مشروع تفاعلي («الشرق الأوسط»)
TT

رغم أن يوم أمس كان يوما مغلقا ومخصصا للإعلاميين فقط، فإن قاعات سوق الفن العالمي السنوي «آرت دبي» بدت خلية نحل، اختلط فيها الفنانون المشاركون بأعمالهم مع أصحاب الصالات الفنية والإعلاميين وخبراء الفن الذين قدموا لحضور الحدث الفني الأبرز في المنطقة. المعرض افتتح دورته السابعة التي تشارك فيها أكثر من 75 صالة فنية من 30 دولة تشغل فيها الدول العربية والآسيوية نسبة الثلث.

«إنه الوقت لتنبض مدينة دبي بالحياة،» كان تعليق أنتونيا كارفر مديرة «آرت دبي» على بداية الموسم الفني الذي استعدت له على مدار عام بأكمله. تذكر كارفر أن المشاركات تتمثل في «خليط من الصالات المعروفة والفنانين والمواهب الصاعدة»، وتضيف أن عدد المشاركين في المعرض وصل إلى 500 فنان هذا العام، بأعمال تتجاوز قيمتها 40 مليون دولار.

وإلى جانب العدد الضخم من الصالات العالمية المشاركة تبرز المشاركات العربية عبر صالات من المنطقة العربية وأيضا في أعمال فنانين عرب تعرض في غاليريهات عالمية.

هناك مشاركات بارزة للفنانين السعوديين سواء عن طريق غاليري «أثر» من جدة الذي قدم أعمالا للفنانين أحمد ماطر وأيمن يسري وسامي التركي، وهناك أيضا أعمال سعودية تعرضها غاليريهات أخرى، مثل غاليري كرينزيغر من النمسا الذي يعرض لأحمد ماطر وعبد الناصر الغارم، أما الفنان صديق واصل فيشارك بمنحوتة ضمن فعالية «منتزه المنحوتات» وهو معرض يضم أعمالا فنية على طول شاطئ ميناء السلام.

وتبدو النشاطات التي تحيط بسوق الفنون متنوعة بشكل قد يفاجئ المهتم ويتسبب في إرباكه، ففي كل ركن من أرجاء صالات العرض الشاسعة هناك عمل فني أو مشروع تفاعلي، وإذا توقف الزائر أمام كل منها فلا بد من أن يفرغ نفسه لأكثر من يوم للإلمام بكل النشاطات الموجودة، أما إذا كان محددا هدفه في رؤية عروض معينة فالأمر عندها يتجاوز الإرباك، ويصبح متعة خالصة.

المعرض يقدم أيضا هذا العام عدة فعاليات فنية غير ربحية لتوازن الجانب التجاري لعمل الصالات، ومن تلك الفعاليات 11 مشروعا مكلفا ومحطة بث إذاعي مباشر، وبرنامج عرض أفلام وفيديو، وأداءات حيّة.

ولعل من أهم أحداث المعرض السنوي إزاحة الستار عن أعمال الفنانين الفائزين في جائزة مجموعة أبراج للفنون السنوية التي تقدم كل عام فنانا واعدا، ولا عجب أن كل الفائزين بالجائزة في دوراتها السابقة أصبحوا من أهم الأصوات الفنية في العالم العربي.

وخلال حديثه عن الجائزة، قال القيم مرتضى ولي إنه كان ضمن لجنة من المحلفين قاموا باختيار مجموعة من الأفكار المطروحة من قبل الفنانين، وعقب ذلك قامت اللجنة بتكليف الفنانين بإنجاز الأعمال لعرضها في «آرت دبي» أولا. وتضم قائمة الفنانين الفائزين الذين تم الإعلان عن أسمائهم العام الماضي كل من فارتان أفاكيان وريّان تابت من لبنان، وإيمان عيسى من مصر، وهوما مولجي من باكستان، وهراير سركسيان من سوريا، وقد عملوا جميعا خلال الأشهر الستة الماضية عن كثب مع مرتضى والي، على تنفيذ أعمالهم، التي تطلبت منهم السفر إلى الخارج وتجربة التقنيات الحديثة، وإجراء كثير من الأبحاث الجديدة.

ويقول والي في تعليق على عنوان المعرض الذي يشمل أعمال الفنانين الخمسة، وهو «في حد المألوف»: «المعرض يركز على الحياة اليومية وتفاصيلها وإيقاعها، هي أشياء قد لا نلقي لها بالا ولكنها مؤثرة جدا».

من الأعمال التي تحلق حولها الزوار كان عملا للفنانة الباكستانية هوما مولجي، وهو عبارة عن دولاب عتيق لحفظ القطع الثمينة، وهو دولاب نراه في البيوت يضع فيه ساكنوها التماثيل والقطع الفنية والكريستال، على يد الفنانة يتحول الدولاب الذي يبعث على الملل في العادة إلى عالم متكامل يضم قطعا متناثرة من دمى صغيرة ورؤوس حيوانات محنطة وقطع جلد ضأن. القطع باردة لا حياة فيها، وهنا يقول والي: «هذه المتعلقات تتعامل مع فكرة الموت وحتميته. إن كل شيء في الحياة يبدأ شابا ثم يذبل ويفقد وظيفته وينتهي».

ومن جناح جائزة أبراج، لا بد من المرور من الشرفة الخارجية حيث تتناثر بعض التركيبات الفنية ضمن مجموعة المشاريع التي كلف بها «آرت دبي» مجموعة من الفنانين الذين كُلفّوا بإبداع أعمال فنيّة لفضاءات محددة، والأكثر جذبا بين تلك المشاريع نتوقف أمام عدد من «الحمير» البيضاء، تقف منتظمة خلف قائدها، وكأنما تعبر عن ثقافة القطيع واتباع الأفكار من دون مناقشة أو تبين.

إلى جانب آخر ندخل إلى غرفة مظلمة بها عرض سينمائي يتوزع على شاشتين متقابلتين، يقف الزائر في وسط الحجرة بين الشاشتين، ما يعرض على كل شاشة هو مقاطع من أفلام قديمة، ويبدو وكأن المقاطع تتحاور مع بعضها الآخر، فأحدها يعرض لقطة من فيلم لراقصات، والشاشة المقابلة بها جمهور في أحد المقاهي، تتغير اللقطات وتتفاعل المشاهد كل منها على حدة، ويستطيع المشاهد خلق صلة ما سواء عبر الثقافة التي تمثلها تلك الأفلام أو عبر الإحساس بالحنين لزمن كانت السينما الإيرانية متألقة وخبا بريقها بعد الثورة.

وكما يذكر كتيب المعرض، فإن العمل الذي أطلق عليه اسم «بين الحركة والعمل يقع الظل» يقوم على «سلسلة من المشاهد السينمائية الساخرة التي تصور ثقافة المقاهي السائدة في إيران. اختارت الفنانة مشاهد من الأفلام التجارية للسينما الفارسية التي عرضت بين خمسينات وسبعينات القرن المنصرم، وعمدت إلى وصل هذه المشاهد ببعضها البعض بحيث نسجت حكاية عبر شاشتين». العرض هو العمل الأخير للفنانة فريدة لدشي التي توفيت مؤخرا.

معرض هذا العام يحتفل بالفن الأفريقي عبر مجموعة من المشاركات من نيجيريا من خلال قسم «ماركر»، الذي يهدف إلى تسليط الضوء على منطقة جغرافية معينة، من خلال أعمال فنانين مبدعين. وتشرف على «ماركر» القيّمة بيسي سيلفا المقيمة في لاغوس، حيث تستكشف طبيعة الحياة المتبدلة في المدن في غرب أفريقيا وطريقة تأثيرها في المجتمع. تقول سيلفا خلال عرضها للأعمال المشاركة إن هناك كثيرا من نقاط اللقاء بين دبي ونيجيريا «فنيجيريا بلد نفطي، وكذلك الإمارات، وهي أيضا بلد ينمو ويتطور بسرعة، وكذلك الحال في دبي، ولهذا جاء اختيار مواضيع اللوحات بأن تعبر عن (المدن في طور النمو والبناء)».

وتضيف سيلفا: «لدى نيجيريا علاقات تجارية مع دبي، ومن الطبيعي أن تقتفي الثقافة خطى التجارة». تبدو سيلفا متفائلة بإمكانية تفاعل الصالات المشاركة في المعرض مع أعمال الفنانين من نيجيريا، وأن تتطور تلك العلاقات إلى مشاريع فنية مشتركة. اللوحات المعروضة تعرض مزيجا مدهشا وغنيا من المواضيع يبرز فيها الإسلام والمسيحية، كما تعرض أيضا للعولمة والاستهلاكية التي مهدت أسواق لاغوس التقليدية إلى غزو البضائع الصينية.