دستور الاستقرار والعدالة الاجتماعية

منال خواسك

TT

ادّعى واضعو الدستور الجديد في مصر أنه سيؤدي إلى استقرار البلاد وتحقيق العدالة الاجتماعية، وقالوا إنه دستور الفقراء والقطاعات المهمّشة في المجتمع، في حين أنه منذ إقرار الدكتور محمد مرسي الإعلان الدستوري الصادر في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 الذي حصّن من خلاله قراراته ضد الطّعن أمام أي جهة، كما حصّن مجلس الشورى واللجنة التأسيسية ضد حلّهما أو الطّعن عليهما، والوضع الأمني في تدهور مستمرٍ لأسباب متعددة، أهمّها:

الرفض المجتمعي الواضح لهذا الإعلان. والرفض الشديد للعديد من مواد الدستور. وبدا هذا الرفض من خلال المليونيات التي خرجت مندّدة بالدستور ومطالبة بتأجيل الاستفتاء عليه لحين تحقيق التوافق المجتمعي، إلا أنّ النّظام أبى إلا أنّ يستأثر بالسلطة، وتجاهل الأصوات المعارضة، بل وهاجمت جماعاته النداءات السلميّة، وقتلت وعذّبت العديد من المعتصمين، كما قامت بحصار المحكمة الدستورية العليا ومدينة الإنتاج الإعلامي في محاولة لتكميم الأفواه ونشر الذّعر في كل مكان وفرض الدستور بسياسة الأمر الواقع، وتوالت أحداث العنف بمختلف أنواعها.

هذه هي بعض ملامح الحالة الأمنية المتردية في مصر اليوم، فيما ادّعوا سابقا أن الثورة ستحقّق العدالة الاجتماعيّة التي كانت من أهم مطالبها، وما كان من صانع القرار عند صدور الدستور الذي استغل أصوات الفقراء، إلا أن أقرّ قانونا ضريبيا جديدا، أدى إلى رفع أسعار أكثر من ثلاثين سلعة حيوية، وعلى رأسها الحديد والأسمنت والوقود والعديد من السّلع الغذائية. وصرّح كثيرٌ من خبراء الاقتصاد بأن الفقراء وحدهم سيتحمّلون تلك الزيادات، ووصفوا التعديلات بالكارثيّة، وأنّها تمثّل عودة لعصر الجباية لتمويل عجز الموازنة العامة، وذلك من جيوب المواطنين ولا سيما الفقراء، فهل هذا هو الدستور الذي سيحقق الاستقرار والعدالة الاجتماعية؟

يظنّ الإخوان المسلمون أنهم انتصروا على الشعب المصري وجعلوه خصما لهم، وأنّه رضخ للأمر الواقع، لكن التّجارب السّابقة سواء في عهد مبارك أو الفترة الانتقالية التي كان يديرها المجلس العسكري، أثبتت أن الوسائل التي كانت متّبعة لردع وقهر المصريين فقدت صلاحيتها، ولم تزد المصريين إلا قوّة وإصرارا على تحقيق مطالب الثّورة.

إنّ ما يحدث اليوم هو تصفية أكبر عدد ممكن من شباب الثورة، كما يعتبر عملية ترهيب منظمة لكل من القضاء والإعلام، حتى تضيع الحقوق ونعود كما كنا سابقا نخضع للخوف والظّلم والاستبداد، وما كان يُرهب المصري سابقا أصبح اليوم لا يعنيه. لا بدّ من ابتكار أسلوب جديد للتعامل مع الشّعب، ويجب أن يدركوا أن المواطن المصري ذاق طعم الحرّية والكرامة بعد عهود من الظلم والقهر والاستبداد، واقتنع بأن الموت أشرف من الحياة بلا كرامة، لذلك لا يمكن أن يعود إلى ما كان عليه من قبل.

فقد الإخوان نسبة كبيرة جدا من مؤيديهم، والدليل على ذلك تلك المخالفات والانتهاكات التي لوّثت عملية الاستفتاء على الدستور والتي ظهرت في العديد من وسائل الإعلام، ولم يستطيعوا بالتالي أن يصلوا إلى أكثر من نسبة موافقة غير شرعية بما لا يتجاوز الـ64 في المائة، وهي نسبة لا تحقق التوافق على الدستور، فما حدث في عملية الاستفتاء، هو أبلغ دليل على تغير حقيقي في وعي وإدراك المواطن المصري. هذه رسالة إلى من يهمه الأمر ولكم في مبارك وحبيب العادلي أسوة حسنة يا أولي الألباب.

* كاتبة مصرية