هل سيتحقق السلام في تركيا؟

كامران عبد الرحمن الداودي

TT

في خطوة مهمة لتسوية القضية الكردية في كردستان تركيا، أطلق حزب العمال الكردستاني قبل أيام سراح ثمانية جنود أتراك محتجزين لديها استجابة لطلب من زعيم الحزب المعتقل عبد الله اوجلان، على أمل أن يؤدي ذلك إلى فتح تسوية سلمية للقضية الكردية وإنهاء القتال الدائر في تركيا منذ ما يزيد على ثلاثين عاما.

ولقد سبقت هذه الخطوة مفاوضات مباشرة بين أوجلان والحكومة التركية، ما يدل على القناعة بأهمية حل هذه القضية سلميا، على أمل أن يتم خلال كل مرحلة من مراحل المفاوضات إنجاز مجموعة من الخطوات الإيجابية لبلورة الثقة بين الطرفين، وإزالة المعوقات في طريق عملية السلام. ولكن هذا الأمر يدعونا إلى السؤال عن كيفية إجراء هذه المباحثات بين طرفين غير متكافئين، فأوجلان الوحيد والبعيد والمسجون في جزيرة أميرالي والمحكوم عليه بالمؤبد لدى السلطات التركية، يجعله في موقف ضعيف أمام الضغوط التركية، لذلك من الأولى من الجانب التركي أن يقوم بالإفراج عن أوجلان في المراحل اللاحقة من المفاوضات لو كانت لديه الإرادة الحقيقة لحل هذه القضية، ولكن رغم ذلك فإن جولات الزيارات التي قام بها زعماء حزب السلام والديمقراطية الكردي إلى زعيم حزب العمال الكردستاني، وحملهم رسائل من أوجلان إلى قيادة حزب العمال في جبال قنديل وأوروبا، عززت من جو التفاؤل لدى الأكراد عموما، وأكراد تركيا خصوصا، حول إمكانية التوصل إلى حل ينهي هذه الحرب.

ولذلك تتجه الأنظار إلى الأيام المقبلة ما بعد عيد النوروز، لعلها تخفي ما يفرح القلوب ويسكت أصوات المدافع والطائرات، ويجنب تركيا المزيد من سفك دماء أبنائها، أكرادا وأتراكا.

ولعل ما يشجع الطرفين على السير قدما نحو إنجاح عملية السلام جملة من العوامل الخاصة للجانبين الكردي والتركي، أبرزها الوضع الإقليمي في المنطقة وما شهده في الأعوام السابقة من أحداث مأساوية وخصوصا في سوريا. ثم إن فشل المؤسسة العسكرية التركية في القضاء على حزب العمال طوال العقود الماضية يعتبر من الدوافع الرئيسية لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا في السير وراء عملية السلام مع الأكراد، التي باتت أكثر من قضية ملحة لا بد من حلها اليوم قبل الغد، لا لوقف القتل والدمار في تركيا فحسب، بل لتحقيق نهوض تركيا اقتصاديا وسياسيا، ذلك أنه من دون حل هذه المسألة وإيجاد حل نهائي لها لا يمكن لتركيا أن تنعم بالأمن والاستقرار والسلام والنهوض الاقتصادي بالبلد، خاصة أن هذه الحرب تكلف تركيا الملايين من الدولارات سنويا يمكن استغلالها في تنمية قدرات تركيا الاقتصادية.

كما أنه ليس خافيا على أحد أن العلاقات الإيجابية والطيبة مؤخرا بين حكومة إقليم كردستان العراق والحكومة التركية التي توجتها زيارة وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو عام 2012 إلى كردستان العراق، تعتبر من العوامل المشجعة للطرفين في السير بهذا الاتجاه، فبتحسن هذه العلاقات فتحت الآمال لحل القضية الكردية في تركيا.

بناء عليه من المتوقع أن تبدأ المراحل الأولى لتحقيق خارطة الطريق التي رسمها أوجلان بالاتفاق مع الحكومة التركية التي وافقت عليها أيضا الأطراف الكردية الأخرى، وتتضمن ثلاث مراحل هي:

1) وقف العمليات العسكرية وبدء انسحاب مقاتلي حزب العمال الكردستاني من تركيا.

2) تلبية المطالب الكردية من تعديل الدستور بما يضمن الحقوق القومية والثقافية والسياسية للشعب الكردي وإطلاق سراح المعتقلين الكرد في السجون التركية.

3) تخلي حزب العمال الكردستاني عن السلاح.

لكن مع ذلك كله يجب أن لا نغفل عن المعوقات التي قد تعترض هذه العملية المعقدة التي قد تجهضها في مهدها، حيث هناك جهات خارجية وداخلية لا تنظر إلى الأمور إلا من خلال مصالحها، فبعض الأحزاب التركية المعارضة، ولا سيما الأحزاب القومية المتطرفة، ترفض رفضا قاطعا الاعتراف بالقضية الكردية، وتعدها خيانة عظمى للقومية التركية؛ لذلك نراها تشن حملات شديدة ضد رئيس الوزراء التركي أردوغان وتتهمه بالخيانة، كما أن هناك دولا إقليمية لا يعجبها أو لا يروق لها أن يعم الأمن والاستقرار في تركيا؛ لأن السلام سينعكس إيجابا لمصلحة نفوذ تركيا في المنطقة، لذلك تسعى بشتى السبل إلى إفشالها.

فالعملية السياسية لحل المسألة الكردية في تركيا لم تزل في بدايتها، والجهود الخيرة من الطرفين ما زالت متواصلة لإنجاح عملية السلام، ولكن مما لا شك فيه أن أي اتفاق في هذه المرحلة يصب في مصلحة الجانبين وأطراف أخرى في المنطقة، وبالأخص سيكون هذا انتصارا لأكثر من 40 مليون كردي في جميع أرجاء المعمورة، على أمل أن يتوج عملية السلام في المراحل اللاحقة بالمزيد من المكاسب والحقوق للشعب الكردي في تركيا.

* كاتب وصحافي من كردستان العراق