المخترعون السعوديون.. رعاية إعلامية متأخرة وإهمال تجاري كامل

غياب البيئة الحاضنة للابتكارات المحلية أهم عقبة تواجه الموهوبين

أحد الطلاب السعوديين المشاركين في الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي، يشرح فكرة اختراعه لأحد الزوار («الشرق الأوسط»)
TT

يعتبر غياب البيئة الحاضنة لاختراعات السعوديين وابتكاراتهم، إحدى أهم العقبات التي تواجه فئة الموهوبين محليا، ورغم تنامي المسابقات والبرامج التنافسية الحاضنة لابتكارات المواهب الوطنية فإن دور تلك المبادرات ينتهي بانتهاء الفترة الزمنية المحددة لها، حيث لا تجد مشاركات الشباب والفتيات الموهوبين الدعم لاستمرارها عبر استثمارها وتسويقها تجاريا.

بينما تعتبر عقبة الإجراءات النظامية والإدارية للحصول على براءة اختراع توثق الملكية الفكرية لصاحبه، أحد المعوقات التي تفقد المخترع السعودي الحماسة الكافية للاستمرار في مجال البحث والاختراع، مما يدفع البعض منهم للبحث عن جهات دولية خارجية لتوثيق ملكيته الفكرية للابتكار.

وفي هذا السياق، كشف أحمد البلوشي، المشرف العام على الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي، لـ«الشرق الأوسط»، عن أن الابتكارات والبحوث الفائزة في الأولمبياد سيتم إيداعها في مكتب الابتكارات في مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع (موهبة)، بغرض فحصها وإعطاء أصحاب الابتكارات براءة اختراع.

وقال البلوشي: «إن الموهوبين الفائزين سيتم إشراكهم في معارض دولية كـ(معرض إينا) في ألمانيا، و(معرض إينوفا) في بلجيكا، وعدد من المعارض في بعض دول العالم».

وأضاف: «(موهبة) ستساعد المبتكر على تصنيع نموذج جديد يوافق العرض في المشاركات الدولية، بسبب مشاركة بعض الطلبة في نماذج مصنعة من أدوات بسيطة»، مشيرا إلى وجود تعاون مشترك بين المؤسسة وشركات من القطاع الخاص مثل شركة «سابك» التي تمتلك مكاتب ابتكار، بغرض تبني عدد من الطلاب في المجالات التي تهمها.

وأوضح البلوشي أن «دور (موهبة) هو ما تم ذكره أعلاه، بعد انتهاء دور وزارة التربية والتعليم وبدء دورنا»، مبينا أن «هنا دور تعمل عليه حضانة (بادر) لتحويل الأفكار الابتكارية والإبداعية إلى منتجات على الطبيعة».

وفي سياق متصل، بين الدكتور إبراهيم علوي، المستشار التحكيمي في أولمبياد «إبداع»، أن الهدف الرئيس من أولمبياد «إبداع» هو صناعة العلماء وليس فقط تكريم الفائزين، موضحا: «كل الـ400 مشارك فائزون، ولكن على المبتكرين الفائزين وغيرهم المضي قدما في التحصيل العلمي وأن يحولوا حياتهم إلى حياة عملية علمية، وأن يعتبروا أنفسهم ليسوا كل الطلاب الأخيرين، بل هي رحلة (الألف ميل) التي بدأ الميل الأول فيها بمجرد مشاركتهم في الأولمبياد».

وقد حول وزير التربية والتعليم نائب رئيس «موهبة»، مهام وزارته عقب الانتهاء من أولمبياد «إبداع»، الذي انتهت أعماله نهاية الأسبوع الماضي، إلى «موهبة» بغرض تكملة الطريق مع الطلبة الفائزين في المشاريع الابتكارية والبحثية وكذلك اكتشاف الطلاب والطالبات الموهوبين وتنميتهم من وزارة التربية والتعليم إلى «موهبة».

وقال الأمير فيصل بن عبد الله، نائب رئيس «موهبة»: «إن السعودية وهي تتطلع إلى تأسيس مجتمع معرفي مبدع ومتكامل ومنافس عالميا - تدرك أهمية تطوير التعليم وأنه المصدر الرئيس لنهضة المجتمع بالاستثمار الأمثل في العقول المنتجة للمعرفة، وهو ما يتطلب تعليما نوعيا يراعي معطيات العصر ويلبي احتياجات المجتمع».

وأضاف الأمير فيصل بن عبد الله أن «الدعم الذي تحظى به خطة التنمية التاسعة التي ترسخ مبدأ التعامل مع الإنسان السعودي الذي يعد غاية التنمية ووسيلتها الأساسية، وكذلك مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم العام، والخطة الوطنية للموهبة والابتكار، والخطة الوطنية للعلوم والتقنية والابتكار من قبل قيادتنا - يضعنا أمام مسؤولية كبيرة، ويتطلب منا جميعا مضاعفة الجهود لتحقيق أهدافها، من أجل تحقيق طموح ورؤية الوالد القائد سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز رئيس (موهبة)، لبناء اقتصاد ومجتمع المعرفة، والوصول إلى مصاف الدول المتقدمة في العلوم والتقنية والابتكار».

وأشار وزير التربية والتعليم إلى أن أولمبياد «إبداع» حقق الكثير من الأهداف، وشهدت هذه الدورة ارتفاع عدد المسجلين لأكثر من 52 ألف طالب وطالبة بنسبة زيادة بلغت 8% مقارنة بالعام الماضي، وخاض غمار التصفيات النهائية 251 طالبا وطالبة، و256 طالبا من نوابغ المملكة في مساري الابتكار والبحث العلمي شاركوا بـ400 مشروع في 17 مجالا علميا.

من جانبه، أكد الدكتور إبراهيم علوي، المستشار التحكيمي في أولمبياد «إبداع»، أن الأفكار الموجودة والمقدمة من قبل الطلاب المشاركين جميلة وفيها رسالة، مثبتا ما ذكره أن الطلاب حصدوا مراكز متقدمة في المعارض الدولية، منوها إلى أنه في محاضراته التي يقدمها للطلاب المشاركين يحاول توصيل فكرة أن الفوز في الأولمبياد ليس نهاية الطريق، بل هو بوابة الوصول إلى العلماء والمبتكرين.

وتمنى علوي أن يكون هناك أكثر مشاركة من قبل المعلم وكذلك الأسرة في المنزل، والأفضل أن يكون الطالب مهتما ومتيما بالمجالات الإبداعية ويضع نفسه بعيدا عن اللهو وضياع الوقت بلا فائدة.

إلى ذلك، قال الدكتور فواز سعد، وكيل معهد الإبداع وريادة الأعمال بجامعة أم القرى: «إن كنا نتحدث عن بيئة الاختراع في السعودية على مستوى الحكومة، فهناك وعي كبير بهذا الجانب، ويتضح ذلك جليا في خطة التنمية الأخيرة على مستوى الدولة، التي نصت بوضوح على أهمية تحول اقتصاد المملكة إلى اقتصاد مبني وقائم على المعرفة،- وأهم ما يقوم عليه اقتصاد المعرفة هو الاستثمار في الإبداع والابتكار وريادة الأعمال وتسجيل براءات الاختراع وحقوق الملكية الفكرية، وهذا في الحقيقة هو المحور الثالث الذي تركز عليه حاليا وزارة التعليم العالي».

وأضاف: «لذلك، اتجهت جامعات المملكة لإنشاء وكالات جديدة تهتم بالإبداع المعرفي والأعمال وبراءات الاختراع، وتم إنشاء معاهد ومراكز تهتم بالإبداع وريادة الأعمال، ولكن الموضوع يعتبر جديدا على السعودية، إلا أن الاهتمام بهذا الموضوع ملحوظ على مستوى المسؤولين، أما على المستوى الشعبي فالأمر ليس كذلك، ونحن بحاجة لحملات إعلامية قوية لبيان أهمية الاختراع وفائدته على الوطن والمواطن».

ويعترف الدكتور فواز بأن «أهم ما ينقص المخترع السعودي في ظني هو الاحتضان وتقديم المشورة والتأهيل والتدريب، فكثير من المخترعين أهملوا أفكارهم وتركوا طموحاتهم لأنهم لم يجدوا الدعم المادي والمعنوي سابقا لتحويل هذه الاختراعات إلى حقيقة، ولهذا فإن الجامعات وعددا من البرامج في القطاع الخاص تستقبل المخترعين وتقدم لهم الدعم بكل أنواعه».

ويقف وكيل معهد الإبداع وريادة الأعمال بجامعة أم القرى مع فكرة الابتعاث، ليقول: «الابتعاث بالتأكيد، خاصة عندما تكون هناك رؤية واضحة للفائدة المرجوة والثمرة الحقيقية من وراء الابتعاث، ففيه خير للمخترع ولأي شاب لديه طموح فالابتعاث فيه الكثير من المكاسب الكبيرة التي تعود بالنفع على الطالب المبتعث وعلى الوطن عندما يعود».

وفي الرأي التقني، يقول سعود الهواوي، مدون مهتم بالتقنية، إنه «بحسب علمي، فإن بيئة الاختراع عندنا جيدة من ناحية الإنتاج، ولكن من ناحية أنظمة وتسجيل براءات الاختراع نعتبر متأخرين جدا، فكثير من أصحاب الأفكار والمخترعين يواجهون مشكلة في تسجيل براءات الاختراع الخاصة بهم، والأسوأ من ذلك عدم معرفتهم بالأنظمة المتعلقة بها وما الجهة التي تقوم بتسجيل براءة الاختراع».

ويشير في المقابل: «يحتاج المخترع السعودي لفهم الأنظمة وكيفية تسجيل براءات الاختراع، والأهم من ذلك وجود بيئة تساعده أن يخترع وأن يحول اختراعاته إلى مشاريع ريادية ناجحة، وهذه البيئة لا يمكن أن توجد من دون توافر جهود الكثير من القطاعات الحكومية والقطاع الخاص، فالمخترع لا يمكن أن يثبت وجوده من دون وجود مظلة ترعاه وتهتم به وتساعده في الابتكار والاختراع».

ويوافق الهواوي: «فكرة ابتعاث المخترع أجدها فكرة جميلة، فالدول التي تكثر فيها براءات الاختراع مثل أميركا تجعل من المخترع يطور نفسه وأيضا يثبت وجوده من خلال عرض اختراعاته للدول الأخرى، ويمكن أيضا للمخترع الاختلاط المعرفي مع المخترعين من الدول الأخرى والدخول في مشاريع مشتركة قد تساهم في جعله يتحول إلى رائد أعمال يحقق من خلالها النجاح في المستقبل».

أما عبد المجيد الزكري، مخترع سعودي، فيقول: «بيئة الاختراع السعودية تميزت عن ذي قبل وقفزت خطوات طويلة وبدأت تتحول إلى بيئة خصبة تسهم في خدمة المخترعين».

ويصور الزكري واقع الحال قائلا: «كما نرى اليوم الثورة العلمية والبحثية للشباب السعودي، فإن الدعم المادي والمعنوي أمر أساسي للمخترع، فليس كل مخترع يحظى بالدعم، كما ينقصنا توفير المختبرات البحثية لإجراء التجارب، ولعلي من هذا المنبر الإعلامي أنادي القطاع الخاص والتجار بدعم المخترعين السعوديين والوقوف جنبا لجنب معهم، لأنهم هم من سيسهمون، بعد الله، في تطور البلاد بكافة مجالاتها وخاصة الاقتصادية».

ويضيف: «لا يمكن لأي عمل أن يتميز ما لم يمر بصعوبات وعقبات، ولكن الذكي من يستغلها كدافع له للتحدي والإبداع، فرائحة الكعك الزكية لا تفوح إلا بعد أن تتعرض لحرارة الفرن».

وبين المخترع السعودي الصعوبات التي واجهته أثناء ابتكاره، وهي «تأخر الحصول على براءة الاختراع، وكذلك عدم وجود جهات مختصة لدعم الاختراعات والأبحاث، وكذلك عدم توفر المختبرات المختصة بتنفيذ الاختراعات، ولكن تخطيت غمار هذه الصعوبات وكانت دافعا لي لمواصلة الإبداع، خصوصا بعد دعم مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع».

يشار إلى أن نسبة السعوديين المتقدمين لطلبات براءة الاختراع لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية خلال شهر فبراير (شباط) 2012 ارتفعت بمعدل 18% عن الشهر ذاته من عام 2011. وتركزت تلك الاختراعات في المجالات الميكانيكية والكهربائية، وكانت المدينة تلقت منذ إنشائها عام 1989 حتى عام 2012 ما يزيد على 17 ألف طلب براءة اختراع، في حين بلغ عدد الطلبات المنتهية إجراءات فحصها ما يقارب 14 ألف طلب، ما نسبته 87%، وتعمل الإدارة العامة للملكية الصناعية بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية على تطبيق نظام براءة الاختراع والأصناف النباتية والتصميمات التخطيطية للدراسات المتكاملة والنماذج الصناعية، المتضمن تسجيل طلبات الحماية، ومنح وثائق الحماية، التي تستوفي الشروط المقررة نظاما.