«أنصار الشريعة» والداخلية التونسية على أبواب المواجهة

القيروان.. مدينة أمنية وعسكرية مغلقة قبل يوم من انعقاد الملتقى

ضابط شرطة يوقف شخصين ملثمين على دراجة نارية في مدينة القيروان أمس (رويترز)
TT

لم يقلل قرار وزارة الداخلية التونسية منع انعقاد الملتقى الثالث لـ«أنصار الشريعة» اليوم بالقيروان (15 كلم جنوب العاصمة التونسية)، من عزيمة وحماس قيادات التنظيم السلفي الجهادي بالإصرار على تنظيم الملتقى، وباتت المدينة شبيهة بالمنطقة الأمنية والعسكرية المغلقة. وشبهت الصحف التونسية الصادرة، أمس، المواجهة الحالية بين وزارة الداخلية وتنظيم أنصار الشريعة بـ«معركة كسر العظام».

وأعدت وزارة الداخلية التونسية، حسب مصادر أمنية، قرابة 20 ألف عنصر، من قوات الأمن والجيش لمتابعة الوضع الأمني في مدينة القيروان، التي لا تزال تعيش في ظل تجاذب بين الطرفين، عماده المنع من جهة السلطات الأمنية، والإصرار على تنظيم الملتقى الثالث لـ«أنصار الشريعة» في التوقيت نفسه، والفضاء نفسه.

وعززت قوات الأمن والجيش التي تمركزت بالمدينة منذ أكثر من 3 أيام من حضورها عبر اللجوء إلى مراقبة جوية لمدينة القيروان، اعتمادا على طائرتين مروحيتين تتابعان الوضع الأمني في المدينة، وتراقبان توافد العناصر المنتمية لـ«أنصار الشريعة» الوافدة على المدينة.

كما عززت فرقة مكافحة الإرهاب من أنشطتها بالمدينة، وأعلنت، أمس، عن قبضها على عنصر سلفي بحوزته 3 أسلحة (مسدسان وسلاح فردي مفكك)، إلى جانب 120 خرطوشة ووثائق ذات صلة بتفكيك الأسلحة وصنع المتفجرات.

وأشارت قيادات من فرقة مكافحة الإرهاب إلى أن الشخص محسوب على التيار السلفي، وأنه كان ينوي استهداف مقرات الأمن والجيش، وتم إلقاء القبض عليه في مدينة حفوز التابعة لولاية (محافظة).

ولا يزال قرار وزارة الداخلية محل تحدّ من قبل أنصار التنظيم الجهادي، وشهدت مدينة القيروان تدخل 7 من مشايخ السلفية المنتمين للهيئة الشرعية للدعوة والإصلاح للتحاور مع وسطاء من الحكومة (حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، بالإضافة إلى مبعوث خاص من رئاسة الجمهورية)، لتطويق الخلاف الحاد بين وزارة الداخلية وتنظيم أنصار الشريعة، إلا أن النتائج التي أفرزتها تلك المحادثات لم يقع الإعلان عنها رسميا، ولا يبدو (حسب بعض المتابعين) أن تفضي إلى اتفاق حاسم.

وفي هذا الشأن، قال محمد خليف رئيس الجمعية الشرعية للعاملين بالقرآن والسنة، وأحد المشايخ المشاركين في عمليات التفاوض، لـ«الشرق الأوسط»، إن مشايخ السلفية ممثلون في خميس الماجري وأبو عاصم بن خليفة وأبو صهيب الواصبي ونزار المزغني وعماد بن صالح قد دعوا إلى عقد الملتقى تحت الرعاية الأمنية، بشرط عدم التعرض بالمنع أو التضييق على الوافدين على المدينة، وإن أي حشد أمني لن يتم في القيروان. وأضاف أن مشايخ السلفية دعوا وزارة الداخلية التونسية إلى الرد على مطلب الجمعية الشرعية للعاملين بالقرآن والسنة، التي طلبت احتضان الملتقى، وذكر بموافقة الوالي (محافظ القيروان) على الطلب، وقال إن الوزارة تصبح مخالفة للقوانين التي تسعى إلى فرضها.

ولم يخفِ خليف توجساته من الحشد الأمني والطبي في مدينة القيروان والتصريحات الرسمية لوزارة الداخلية، وقال إن الأمر يؤكد سعي بعض الأطراف إلى الدخول في مواجهات استجابة لـ«ضغوطات خارجية»، على حد تعبيره. وطالب بحل الأزمة ودفع الفتنة حقنا للدماء وحفاظا على الأرواح على حد قوله.

وحول آخر المستجدات في مدينة القيروان قال عبد المجيد لغوان والي (محافظ) القيروان لـ«الشرق الأوسط» إن السلط في الجهة ملتزمة بقرار منع انعقاد الملتقى، ومطالبة بتطبيقه واتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة.

وقال إن مجموعة من الإجراءات الأمنية الاحتياطية قد اتخذتها وزارة الداخلية شملت مداخل المدينة وتركز الاهتمام على المدخل الشمالي (القادمون من العاصمة التونسية) والمدخل الجنوبي للقيروان (القادمون من سيدي بوزيد وبقية مدن الجنوب التونسي). واعتبر في تصريحه أن منع انعقاد الملتقى السنوي لتنظيم أنصار الشريعة سيكون «بطريقة حضارية»، إلا أن ذلك لن يمنع مواصلة تطبيق القانون على الجميع، وضرورة احترام هيبة الدولة، على حد تعبيره.

ودعا والي القيروان، من ناحيته، جميع الأطراف إلى تفهم قرار وزارة الداخلية المرتبط بالأساس بالظرف الأمني الذي تمر به البلاد، التي لا يزال يطبق فيها قانون الطوارئ.

ومن ناحيته، دعا حزب التحرير (أحد الأحزاب السلفية الحاصلة على ترخيص قانوني)، في بيان له، إلى تأجيل ملتقى أنصار الشريعة، مع تحميل السلطات التونسية المسؤولية كاملة.

وقال إن اللقاء سيكون صداميا، والقادح على درجات: اندساس أو استفزاز أو صد، وكل ذلك ضمن مشروع تآمري يسعى إلى تصفية الثورة نهائيا، على حد قوله.

وأعلنت نقابات قوات الأمن (وحدات التدخل - الحرس والأمن العمومي)، عبر بيان نشرته وكالة الأنباء التونسية الرسمية، أنها ستطبق القانون، وتعمل على احترامه في القيروان، وهي «لا تستهدف تيارا بعينه أو جهة آيديولوجية أو عقائدية»، في إشارة إلى التزامها مبدأ الحياد والرجوع إلى القانون.

* من هم أنصار الشريعة؟

لم تكن التنظيمات السلفية ناشطة خلال فترة حكم الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، وقلص من تحركاتهم، ومن أنشطتهم السياسية، عبر إقرار قانون مكافحة الإرهاب المؤرخ يوم 10 ديسمبر (كانون الأول) 2003، وزج بأكثر من 3 آلاف شاب سلفي في السجون، حسب المنظمة التونسية «حرية وإنصاف» الحقوقية المستقلة. إلا أن الثورة التونسية أحيت ما كان يعرف بـ«الخلايا» النائمة، وأعادت إلى مسرح الأحداث السياسية كثيرا من القيادات الجهادية التي كانت تنشط في الخارج (أوروبا وأفغانستان والعراق على وجه الخصوص)، ومن بينها «أبو عياض»، الذي أسس سنة 2000 تجمع الجهاديين التونسيين في جلال آباد (في أفغانستان)، وهو، حسب المتخصصين في الجماعات الإسلامية، تلميذ أبو قتادة الفلسطيني، السجين حاليا في بريطانيا بتهمة تهديد الأمن القومي. وللسلفية الجهادية قيادات شابة من بينها أبو أيوب التونسي إلى جانب القيادة الشرعية ممثلة في الشيخ الخطيب الإدريسي سيدي بن عون (ولاية - محافظة - سيدي بوزيد - وسط تونس)، وهو سجين سابق اتهم في عهد بن علي بالإفتاء بجواز القيام بعمليات عسكرية ضد النظام، فيما بات يعرف في تونس بأحداث سليمان التي جدت نهاية سنة 2006 وبداية 2007.

عقد تنظيم أنصار الشريعة في شهر مايو (أيار) سنة 2011 أول ملتقى له حضره أكثر من 15 ألف مناصر، وضم أغلب الطيف الجهادي التونسي، ونظم تحت شعار «اسمعوا منا ولا تسمعوا عنا». كما عقد التنظيم مؤتمره الثاني في مايو سنة 2012 في مدينة القيروان، وحضره زهاء 5000 شخص، وتخلله استعراض للرياضات القتالية بالأيدي والعصي والسيوف.

وشارك «أنصار الشريعة في تونس» في كثير من التحركات العنيفة، وتتهمه قوات الأمن بالوقوف وراء عدد كبير من أعمال العنف والاحتجاج في الشوارع وتحدي عناصر الأمن، وذلك على غرار الهجوم على السفارة الأميركية في العاصمة التونسية احتجاجا على بث فيلم مسيء للإسلام في 14سبتمبر (أيلول) الماضي.

وتقول قيادات من التيار السلفي إن السلطات التونسية تعتقل حاليا قرابة 400 من عناصر هذا التنظيم السلفي.