«المشي على الماء» ينقل الإمارات إلى فينيسيا

الأول في منطقة الخليج.. جناح عرض دائم للإمارات في بينالي البندقية

د. لميس حمدان مفوضة جناح الإمارات والفنان محمد كاظم
TT

ينطلق يوم 1 يونيو (حزيران) المقبل بينالي البندقية الخامس والخمسون الذي يعد أكبر معرض فني عالمي تشارك فيه دول من جميع أنحاء العالم وخلاله تتوافد على البندقية وفود من المشتغلين بالفن والمهتمين به والذواقة؛ للاطلاع على أحدث الاتجاهات الفنية والتعرف على فنون الدول المختلفة. البينالي هو فرصة العمر لأي فنان، حيث يعرض عمله على جمهور متخصص في أغلبه، ويرى عمله أهم مديري المتاحف وأصحاب الصالات الفنية والنقاد، ويصنع بالمشاركة محطة مهمة في حياته الفنية.

الدول العربية دأبت على المشاركة عبر السنوات في البينالي مثل مصر وسوريا وفلسطين، ومن الخليج كانت الإمارات أول دولة من المنطقة تنضم للحدث العالمي في عام 2009، تلتها المملكة العربية السعودية في عام 2011. وهذا العام تعود دولة الإمارات لأرض المعارض في البندقية بعمل للفنان الإماراتي محمد كاظم بعنوان «المشي على الماء»، ولكنها أيضا تعود بمفاجأة، حيث أصبحت الدولة الخليجية الأولى التي تحصل على مساحة عرض طويلة الأمد. وكانت إدارة بينالي البندقية قد منحت دولة الإمارات العربية المتحدة عقد الضيافة طويل الأمد في آرسنال سالي دي آرمي، وتم الاتفاق على العقد بالتعاون مع وزارة الخارجية في الإمارات. وبهذا تنضم الإمارات إلى 30 دولة من أصل 86 تمتلك أجنحة خاصة بها. والجدير بالذكر أنه لم يمنح عقد الضيافة طويل الأمد لأي دولة منذ عام 1995.

حول الجناح وحول المشاركة الإماراتية كان لـ«الشرق الأوسط» حديث مطول مع الدكتورة لميس حمدان، مفوضة الجناح، قالت فيه إن حصول الإمارات على مساحة العرض في فعالية عالمية مثل بينالي البندقية يعد إنجازا رائدا للإمارات «السباقة» في مجال الفنون في المنطقة، ولكنه أيضا إنجاز للفن العربي بشكل أعم وأشمل.

تعرض الدكتورة حمدان خلال حديثها إلى مشاركة جناح الإمارات في بينالي هذا العام وتشير إلى أن العرض سيكون للفنان الإماراتي محمد كاظم. وتضيف: «محمد كاظم من أشهر الفنانين في الإمارات، تتلمذ على يد الفنان الشهير حسن شريف ويسرنا مشاركته معنا هذا العام». ويأتي عمل الفنان محمد كاظم من سلسلة «اتجاهات» ويهدف على إلقاء الضوء على التحديات الراهنة. تعلق القيمة ريم فضة على العمل بقولها: «(سلسلة اتجاهات) هي عمل تجريبي قام الفنان محمد كاظم بتطويره والعمل عليه لعقود لخلق عدة أعمال فنية مختلفة.. استخدم فيها النظام الملاحي لرصد الإحداثيات الجغرافية للأماكن والأرقام التوثيقية لمواقع الأشياء والأمكنة لإيحاء عملية (التثبيت الجغرافي) وتحديد الهوية».

ويتبقى أن يرفع الستار عن عمل الفنان في افتتاح البينالي، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما انعكاس وتأثير المشاركات السابقة للإمارات في البينالي وتأثيرها على المشهد الفني في الإمارات وعلى الفنانين هناك؟ تقول د. لميس حمدان: «شخصيا أرى أن مبادرات مثل مشاركة الإمارات في بينالي البندقية للفنون تمنح الفنانين الفرص لتحقيق أحلامهم وأيضا لتنفيذ أعمال ضخمة تحتاج لمكان كبير وتمويل كبير لتنفيذها، مثل هذه القطع لا نجدها في الغاليرهات ولا يمكن شراؤها». على الصعيد المحلي ترى د. لميس حمدان أن تأثير مشاركة الإمارات في فعاليات عالمية مثل البينالي تترك تأثيرا واضحا على الفنان الإماراتي الذي يخرج بانطباع أن الفوز بتمثيل بلاده في مثل هذه الفعاليات يعد «فرصة له أن يعرض عمله من دون أن يكون مرتبطا بصالة عرض معينة لتعرض أعماله. أيضا الفنان خلال مشاركته بفعالية عالمية كهذه يجد أمامه المجال واسعا لإعداد العمل الذي يريده من دون أن يفكر بعناصر أخرى مثل الجانب التجاري لعمله وإمكانية بيعه، وهو ما أرى أنه من المعوقات التي تحد من إبداع الفنان». وتشير د. لميس حمدان أيضا إلى أهمية غياب الجانب التجاري في بينالي البندقية وهو ما يتيح للفنان تنفيذ ما يحلم به دون قيود، سواء من ناحية الموضوع أو المساحة والحجم: «فقط المتاحف ومعارض الفن العالمية تمنحه مثل تلك الفرصة». كمثال على التأثير أيضا تشير د. لميس حمدان إلى أن اثنين من الفنانين الذين شاركوا في جناح الإمارات في فينيسيا في الدورتين السابقتين استطاعا الاتفاق مع غاليرهات تمثلهما في الإمارات. أما الجانب الآخر فهو التعرض لأعين نقاد العالم: «وهو ما يعد مساعدا للفنان في عمله الفني، سواء كان النقد إيجابيا أو سلبيا، فالفائدة منه كبيرة. فمن الصعب جدا أن يزور كل هؤلاء النقاد الإمارات لرؤية الأعمال على العكس من فينيسيا، حيث يوجد مديرو المتاحف وأهم المشتغلين بالفن في العالم، فهناك وجود إعلامي كبير للفنان».

المردود من المشاركات الدولية يتعدى الشخصي، فهو أيضا ينعكس بالإيجاب على الدولة المشاركة. تشير د. لميس حمدان إلى أن ردود الفعل العالمية كانت «إيجابية بشكل كبير، وفاجأتني أنا شخصيا، وأظن أن السبب هو عطش شديد وحاجة لمعرفة ماذا يحدث في العالم العربي والإمارات، وبالتأكيد فأخبار إقامة متاحف عالمية في جزيرة السعديات بأبوظبي ووجود صالة كريستيز في دبي ومزاداتها التي تباع فيها الأعمال بالملايين، كل هذه المجريات موجودة لدى الكثيرين، ولكنهم لا يعرفون ما الذي يحدث على مستوى الأفراد، وعلى مستوى الفنانين الإماراتيين الصاعدين، والمشهد المحلي في الإمارات ماذا ينتج. وفي كثير من الأحيان كان زوار جناح الإمارات يطلبون الحديث للفنان أو الفريق الإماراتي الموجود للحديث حول الإمارات ولمعرفة المزيد عن الحياة فيها، هناك فضول طاغٍ لمعرفة المزيد، وعلينا نحن أن نبذل جهدا مضاعفا للتواصل والتفاعل مع الجمهور العالمي».

على المستوى الشخصي تقول د. لميس حمدان: «أنا فخورة بمشاركتنا في البندقية لسبب آخر، نحن نستورد ملابسنا وأطعمتنا وأشياء كثيرة، لكننا عبر الفن لأول مرة نصدر شيئا خاص بنا للعالم. أرى أن ذلك مهم على عدة جهات، ولكن الأهم هو أن استمرار وأداء الحركة الفنية في الشرق الأوسط تحتاج إلى التفاعل مع العالم، إذا لم يكن هناك اعتراف عالمي ورغبة في اقتناء الأعمال من المنطقة سيتحول المشهد الفني إلى مشهد صغير للغاية».

الوجود على الساحة الفنية العالمية يفتح أبوابا للحوار والتعارف وهو ما تشير إليه د. لميس حمدان بقولها: «بتقديم الجمهور العالمي للفن الإماراتي فإننا بذلك ندخل في حوار عالمي مع الجمهور والنقاد». ولإضافة لمسة خاصة ومستقلة على ذلك التفاعل قرر المسؤولون عن الجناح بالمشاركة مع الشيخة سلامة، التي تدعم مؤسستها الجناح، طبع كتاب ليرافق المعرض بدلا من الكتالوغ المتعارف عليه، الكتاب يعرض لحياة الفنان محمد كاظم ومحطات عمله، كما تشير د. لميس حمدان وتضيف: «لا توجد كتب كافية عن الفن العربي ونتمنى أن يدخل هذا الكتاب إلى المكتبات المتخصصة بالفن ومكتبات المتاحف العالمية».

تعمد بعض الدول إلى إقامة مسابقات فنية بين فنانيها للفوز بحظ العرض في البينالي والبعض الآخر قد يكون لجان للاختيار وتتعدد الطرق من بلد لآخر، ولكن ما هي الطريقة التي تتبعها دولة الإمارات لاختيار الفنان والعمل الذي سيمثلها في محفل الفن الدولي بالبندقية؟ تقول د. لميس حمدان: «لم يكن هناك مسابقة أو توصيات من أي جهة، كل دولة لها طريقة في اختيار الفنانين، في العام الأول من مشاركة الإمارات في البينالي اخترت المشرف على العرض وقام بدوره باختيار الفنان، في المرة الثانية قمنا بتكوين لجنة فنية اختارت المشرف وقام بدوره باختيار الفنان. دائما نمنح القيم أو المشرف الفرصة كاملة لاختيار الفنان والموضوع. هذا العام اخترت القيمة ريم فضة وبدورها قامت باختيار الفنان محمد كاظم».

ما المساحة الممنوحة للفنان للتعبير عن عمله وما مدى القيود التي قد تفرض على إبداعه؟ تقول: «منحنا الفنان الحرية المطلقة في اختيار موضوعه وفي التعبير عنه، شرطنا الوحيد هو أن يكون الفنان أو الفنانة من الإمارات. من الضروري ألا تتدخل الدولة كثيرا في الفن، أعتقد أن الدول التي تتدخل بشكل مباشر في اختيار أعمال فنانيها تجد نفسها أمام عمل غير واضح الشخصية و(مائع)، فالفن بطبيعته محمل بالأسئلة وأيضا يجنح إلى المخاطرة».

الإعلان عن توقيع عقد طويل الأمد للعرض في البينالي تحديدا في قاعة آرسنال سالي دي آرمي يحمل رسالة للعالم عن مدى اهتمام الإمارات بالفنون وبمكانها الرائد، تعلق د. لميس حمدان قائلة: «الإمارات دائما سباقة وهذه المرة الثانية التي نبادر فيها، ونتمنى أن تكون لكل الدول العربية مساحات عرض دائمة في البينالي، إلى جانب مصر لا توجد دولة عربية أو خليجية. هذه الخطوة تدل على أهمية دور الإمارات في المشهد العالمي وأن فينيسيا تعتبر أن الإمارات من أهم الدول العربية في الفنون، هذا صحيح بالنظر إلى عدد من العوامل، فكون أبوظبي ستحتضن عددا من المتاحف العالمية وأيضا دبي التي تشهد انتعاشا واضحا للغاليرهات الفنية، وأيضا وجود صالة مزادات عالمية مثل كريستيز، هناك أيضا الشارقة التي تحتضن بينالي الشارقة. هي خطوة مهمة للإمارات وأيضا بالنسبة للفن الشرق أوسطي. وهذا شرف لنا، فنحن نعتبر الفن العربي هو فننا جميعا».

الجناح الجديد الذي يقام برعاية وزارة الثقافة والشباب ودعم مؤسسة الشيخة سلامة بنت حمدان آل نهيان سيعرض نتاجات الدولة الفنية والمعمارية وسيمهد للكثير من المشاركات الثقافية للدولة كصناعة الأفلام والموسيقى والمسرح.