الناطق باسم حركة أنصار الدين في مالي يسلم نفسه للسلطات الموريتانية

سندة ولد بوعمامة.. من مستشار بلدي في موريتانيا إلى قيادي في تنظيم جهادي

سندة ولد بوعمامة
TT

بعد أكثر من ثلاثة أشهر على اختفائه عن الأنظار وغيابه عن المشهد الإعلامي، عاد سندة ولد بوعمامة، الناطق باسم جماعة أنصار الدين التي كانت تسيطر على شمال مالي إلى الظهور من جديد وهو يسلم نفسه للسلطات الموريتانية، في معبر باسكنو الحدودي، قبل أن يتم نقله إلى العاصمة نواكشوط للشروع في التحقيق معه.

ووفق ما أكدته بعض المصادر لـ«الشرق الأوسط»، فإن بوعمامة سلم نفسه للأمن الموريتاني بعد وساطة قام بها بعض المقربين منه، كما أنه سلم نفسه بعد أن أعلن منذ فترة أنه على بعد بضعة كيلومترات فقط من مدينة برج باجي المختار الجزائرية، الواقعة على الحدود الجزائرية – المالية، بعد أن قطع أكثر من 80 كيلومترا سيرا على الأقدام، مبديا نيته تسليم نفسه للسلطات الجزائرية.

وطالب ولد بوعمامة آنذاك الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز بالتدخل لدى السلطات الجزائرية من أجل نقله إلى موريتانيا لمحاكمته، وذلك بوصفه مواطنا موريتانيا، ولكن بعض المراقبين رأى أن ولد بوعمامة كان يناور من أجل إخفاء مكان وجوده القريب من الحدود مع موريتانيا.

ويرى هؤلاء المراقبون أن ولد بوعمامة كان يخشى أن تتعقبه التنظيمات الجهادية وهو في طريقه إلى موريتانيا، من أجل تصفيته قبل أن يسلم نفسه للأمن الموريتاني، وذلك خشية الإدلاء بمعلومات من شأنها أن تضر بها، خصوصا أنه أبدى نيته الاستعداد للتفاوض مع الأمن الموريتاني من أجل تسليم نفسه.

يشار إلى أن ولد بوعمامة ينحدر من قبائل البرابيش العربية التي تقطن منطقة أزواد، وبعض المناطق الشرقية من موريتانيا، والدته موريتانية بينما كان والده معلما إبان حقبة الاستعمار الفرنسي للمنطقة، فتنقل بحكم مهنته في مجمل مناطق نفوذ المستعمر، بما في ذلك موريتانيا، حيث درس في مدينة كيفه الموريتانية.

وخلال تنقل والده في المناطق الموريتانية كان ولد بوعمامة يواصل تحصيله العلمي، حيث عرف عنه ميله القومي العروبي، حتى دخل كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة نواكشوط، وتخرج من قسم التاريخ والجغرافيا، مع تغير جذري في التفكير حيث تخلى عن القومية وتبنى الفكر السلفي.

وخلال الحملة الأمنية الواسعة التي نفذتها السلطات الموريتانية في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد ولد الطائع على الحركات الإسلامية، وخصوصا المرتبطين ببعض التنظيمات الجهادية في المنطقة مثل جماعة الدعوة والقتال في الجزائر، تم اعتقال ولد بوعمامة ووجهت إليه تهمة «الإرهاب».

أطلقت السلطات الموريتانية سراح ولد بوعمامة بعد أن أثبتت «براءته» من التهمة الموجهة إليه، فتوجه إلى المناطق الشرقية من موريتانيا، وبالتحديد إلى مدينة باسكنو الحدودية مع مالي، حيث بدأ يمارس التجارة ففتح محلا لبيع قطع غيار السيارات مع أحد إخوته، وهو محل لا يزال قائما حتى الآن.

خلال عمله في باسكنو انضم ولد بوعمامة إلى حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل)، ذي المرجعية الإسلامية، حيث ترشح ضمن لائحة الحزب للانتخابات البلدية بالمدينة، في فبراير (تشرين الثاني) 2007، واستطاع أن يفوز بمقعد في المجلس البلدي لا يزال حتى الآن يشغله نظريا على الأقل.

ومع تزايد أنشطة الجماعات الإسلامية المسلحة وكتائبها في المنطقة الحدودية بين موريتانيا ومالي، اعتقل ولد بوعمامة من طرف الأمن المالي ونقل إلى السجن في باماكو، حيث وجهت إليه تهمة التعاون مع كتيبة الفرقان التي يقودها الجزائري جمال عكاشة، المكنى بيحيى أبو الهمام.

لكن ولد بوعمامة خرج من السجن في إطار صفقة تحرير الرهينة الفرنسي بيير كامات في فبراير (شباط) 2010، التي بموجبها تمكن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من تحرير عدد من سجنائه لدى باماكو من بينهم موريتانيون، ما تسبب آنذاك في أزمة سياسية بين باماكو ونواكشوط.

بعد ذلك توارى ولد بوعمامة عن الأنظار قبل أن يعود إلى الظهور من جديد مع تأسيس حركة أنصار الدين، من طرف الزعيم الطوارقي إياد أغ غالي، وسيطرتها على مدينة تمبكتو التاريخية، ليصبح ولد بوعمامة واحدا من الرجال المقربين من أغ غالي، وأحد النافذين في تمبكتو، بوصفه الناطق الرسمي باسم الحركة الجديدة.

كان ولد بوعمامة أحد المقربين جدا من القيادي في تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي يحيى أبو الهمام، فكان موضع ثقته خلال سيطرة هذه التنظيمات على إقليم أزواد، وهو الأمر الذي انتقده بعض الجهاديين الذين كانوا ينظرون إلى ولد بوعمامة باعتباره رجل أقوال أكثر منه رجل أفعال، إلى جانب افتقاره إلى الخبرة الكافية.

بيد أن حظوة ولد بوعمامة ازدادت لدى هذه التنظيمات عندما اعتقل رجل في مدينة تمبكتو العام الماضي، ووجهت إليه تهمة التجسس والتآمر مع العدو، قبل أن يعترف بأن الأمن الموريتاني جنده وكلفه بمهمة الذهاب إلى تمبكتو من أجل اختطاف ولد بوعمامة.

كان ولد بوعمامة يرتبط بصلات وثيقة مع جهات إعلامية موريتانية، مكنته من أن يصبح أحد أبرز الوجوه الجهادية في إقليم أزواد خلال العامين الماضيين، كما كان المتحكم في دخول الصحافة إلى تمبكتو، فلا يدخل صحافي أو يخرج من المدينة إلا بعلمه، كما يباشر عمل الصحافيين في المدينة بعين ناقدة فاحصة، كثيرا ما تتهمهم بأنهم عملاء للعدو وأعداء للحقيقة.