بعد 13 عاما من الاعتراف بقتله.. تقرير إسرائيلي يزعم أن محمد الدرة لا يزال حيا

صحافي فرنسي يشكك في نتائجه متسائلا: لماذا لم يشملنا التحقيق رغم استعدادنا للتعاون

TT

نشرت الحكومة الإسرائيلية نتائج تحقيق خاص، زعمت فيه أن الطفل الفلسطيني، محمد الدرة، الذي بثت القنوات التلفزيونية صورته وهو يقتل برصاص الجيش الإسرائيلي في سنة 2000، لا يزال على قيد الحياة. وقال وزير الدفاع، موشيه يعلون، إن لدى إسرائيل معلومات قاطعة تفيد بأن الدرة حي يرزق ويعيش في قطاع غزة.

وأثار هذا التقرير انتقادات واسعة حتى في إسرائيل، لأنه يعيد إلى الأذهان صورة إسرائيل السيئة. فبينما شكك الصحافي الفرنسي، تشارل أندرلان الذي خلد مشهد مقتل الطفل محمد مع المصور الفلسطينية طلال أبو رحمة، وفضح الجريمة، في هذا التحقيق، وتساءل عن سبب عدم إشراك مهنيين محايدين وعدم إشراكه شخصيا في التحقيق مع أنه أبدى تعاونا في ذلك.

ورغم أن التحقيق الإسرائيلي لم يشمل تشريحا لجثمان الدرة ولم تسمع فيه شهادة والده، جمال الدرة، الذي قتل ابنه وهو في حضنه، ولا شهادة أندرلان، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أعلن نتائج التحقيق بنفسه بعدما تسلم التقرير من وزيريه، يعلون ويوفال شتاينتس وزير الشؤون الاستراتيجية. وقال إنه لا توجد علاقة للجيش الإسرائيلي بقتل الدرة. وكتب نتنياهو على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، أن لجنة حكومية ترأسها يعلون، حققت في سبتمبر (أيلول) الماضي في التقرير الذي كانت قد بثته قناة «فرانس 2» عن مقتل الدرة، ولم تجد أدلة تشير إلى مسؤولية الجيش الإسرائيلي عن قتله. وادعت اللجنة في استنتاجاتها أن الدرة «كان لا يزال حيا في نهاية شريط الفيديو الذي بثته القناة الفرنسية له، وهو مختبئ في حضن والده، مما يدحض فرضية قتلة بنيران إسرائيلية». وقال شتاينتس إن هذه القضية كانت بمثابة فرية دموية ضد إسرائيل، صدقها الفلسطينيون وردوا عليها بعمليات إرهاب كثيرة تسببت في قتل أبرياء كثيرين.

واعتبر نتنياهو أن «الارتكاز على هذه القضية يتسم بالأهمية، لأنها شوهت سمعة إسرائيل. وهذا هو مثال لحملة نزع الشرعية الكاذبة ضد إسرائيل التي نعيشها يوما بعد يوم. وتوجد طريقة واحدة فقط لمكافحة الكذب، وهذه هي الحقيقة، والحقيقة وحدها ستتغلب على الكذب».

وجاء في بيان رسمي لرئيس الحكومة الإسرائيلية أنه منذ اليوم الذي نشر فيه تقرير التلفزيون الفرنسي حول الدرة: «تحول (التقرير) إلى وحي وتبرير للإرهاب ولمعاداة السامية ولنزع الشرعية عن إسرائيل. وفي ضوء التداعيات المدمرة المتواصلة التي سببتها قضية الدرة، أوعز رئيس الوزراء نتنياهو ليعالون (الذي كان وزيرا للشؤون الاستراتيجية في الحكومة السابقة) بتشكيل لجنة تحقيق حكومية. وشارك في مداولاتها مندوبون عن دوائر حكومية وجهات مختصة، واستشارت اللجنة خبراء آخرين. وبعد فحص دقيق للمواد المتعلقة بهذه القضية، وجدت اللجنة الآتي: أولا - لا أساس للادعاءات وللاتهامات الرئيسة التي وردت في تقرير (فرانس 2) ولا صلة لها بالمعلومات التي أشارت إليها القناة. وثانيا: خلافا للمزاعم التي وردت في التقرير وبدا منها كأن الطفل سقط قتيلا، فإن فحص شريط الفيديو الأصلي من قبل اللجنة يشير إلى أن في نهاية الشريط، في مقطع لم يبث، يبدو الطفل وهو حي. وثالثا: يشير الفحص إلى أنه لا توجد أدلة لإصابة الصبي أو والده كما زعم تقرير (فرانس 2) وشريط الفيديو، حتى لم يظهر أن الوالد جمال أصيب بشكل خطير. وعكس ذلك، توجد إشارات كثيرة إلى أن الاثنين لم يصابا بأعيرة نارية على الإطلاق. ورابعا: يشير الفحص إلى أن شكوكا كبيرة تسود حول احتمالية أن ثقوب الأعيرة النارية التي وجدت قرب الاثنين، مصدرها موقع عسكري إسرائيلي، كما لمح التقرير. وخامسا: أن التقرير حرر وعرض بشكل خلق انطباعا كاذبا أن هناك أدلة تثبت المزاعم التي وردت فيه. وسادسا: منذ نشر القضية ظهرت تناقضات وتضاربات كثيرة تتعلق بالتقرير عن قضية الدرة كما عرضته القناة وظهرت علامات استفهام كثيرة حول جميع الأبعاد المتعلقة بهذا التقرير. وسابعا: اعتمد التقرير بشكل كامل رواية المراسل المحلي للقناة دون أي أدلة أخرى وهذا رغم وجود مراسلين من وسائل إعلام كثيرة أخرى في مكان الحدث. واتسمت تصريحات المراسل على مر السنين حول هذه القضية بتضاربات كثيرة وبأكاذيب».

وكانت لجنة التحقيق قد شكلت سرا عقب تحقيقات أجراها طبيب إسرائيلي بشكل شخصي. وقال يعلون، إن مقطع الفيديو الذي بث في حينه وهز العالم الإسلامي كله كان ضمن ما وصفه بـ«حرب إعلامية ضد إسرائيل»، وإن محمد الدرة «لا يزال حيا».

وزعمت اللجنة أن الدرة لم يقتل، بل حتى إنه لم يصب ولو بجرح واحد، وما زال يعيش حياته بشكل طبيعي. وادعت أن الفيديو الذي شاهده العالم كله مفبرك ولا يثبت أن هناك قتلا قد حدث، وإنما كان الطفل متأثرا بوالده بفعل قنابل الغاز، على حد وصفها.

يذكر أن الدرة كان قد قتل، حسب الرواية الفلسطينية المسنودة بتقرير القناة الفرنسية، بينما كان يختبئ في حضن والده وهو يرتعد خوفا. وقد صوب جندي إسرائيلي بندقيته نحوه وقتله. وأجريت له جنازة. واعترف الجيش الإسرائيلي يومها بالقتل، مؤكدا أنه كان غير متعمد. وتحول الموضوع إلى لائحة اتهام دامغة للسياسة الاحتلالية الإسرائيلية. وأعد الصحافي نحمان شاي، أطروحة الدكتوراه، حول تأثير هذه الجريمة على مكانة إسرائيل في العالم، فأثبت أنه رغم مرور 13 سنة فإن هذه الحادثة لا تزال تترك أثرها على الرأي العام العالمي، ولم تنجح السنوات الطويلة في محو صورة الطفل وهو يرتعد والرد الإسرائيلي القاسي. وفي الأسبوع الماضي، أصدر شاي، الذي كان ناطقا بلسان الجيش الإسرائيلي وأصبح نائبا في «الكنيست»، أطروحته في كتاب بعنوان «الحرب الإعلامية تصل إلى العقول والقلوب». والتقى يعلون ليهديه نسخة من الكتاب، فأخبره هذا بنتائج التحقيق المذكور.

وأعربت مصادر سياسية في إسرائيل عن اعتقادها أن صدور هذا التحقيق، بعد 13 سنة، جاء على نحو متسرع بهدف التأثير على المحاكمة الجارية في فرنسا حول هذه القضية، إذ إن رجل أعمال يهوديا يمينيا يدير معركة منذ سنة 2006 ليظهر فيها أن قتل الدرة كان مفبركا. ويفترض أن تصدر المحكمة الفرنسية قرارها في الموضوع غدا.

وأثار التقرير الإسرائيلي نقاشات حادة في إسرائيل، ما بين المؤيدين والمعارضين. وقال نائب رئيس جهاز المخابرات الأسبق، عضو «الكنيست» يسرائيل حسون، إنه «تحقيق زائد لن يفيد إسرائيل بشيء ويدل على صبيانية في العمل السياسي». وقالت مصادر في وزارة الخارجية الإسرائيلية، أمس، لإذاعة الجيش، إن نشر التقرير سيلحق ضررا كبيرا لإسرائيل، لأنه يعيد إلى الأذهان صورة إسرائيل السلبية. وقال أندرلان، إن التحقيق الإسرائيلي غير موثوق، لأن من أجراه هم موظفون إسرائيليون. واستهجن عدم دعوته للتحقيق. وقال: «أبدينا استعدادنا للتعاون مع أي تحقيق جدي، وعرضنا تمويل وتنفيذ عملية إخراج الجثمان من القبر لإجراء فحص مهني له، ولكن إسرائيل لم تتجاوب».