الجيش اللبناني ينتشر في طرابلس لاحتواء التوتر ويجمد تراخيص حمل الأسلحة

ماراثون رياضي تطور إلى اشتباكات لأسباب مجهولة.. والحصيلة 3 قتلى و34 جريحا

TT

ارتفعت حصيلة جولة الاشتباكات التي شهدتها مدينة طرابلس، في اليومين الأخيرين بين منطقتي باب التبانة السنية وجبل محسن العلوية أمس إلى 3، مع مقتل جندي لبناني بعد ظهر أمس، إضافة إلى جرح 4 عسكريين و4 مدنيين، لتبلغ حصيلة الجرحى 34 جريحا، علما بأن بينهم عنصرين من الجيش اللبناني وثالث من قوى الأمن الداخلي أصيبوا أول من أمس.

وجاءت هذه الاشتباكات، وفق ما أكده عدد من قاطني مدينة طرابلس لـ«الشرق الأوسط» من دون سابق إنذار أو خلاف أو أي خلل أمني، حيث اندلعت الاشتباكات بعد ظهر أول من أمس من دون سبب يذكر، فيما كانت المدينة على موعد صباحا مع ماراثون رياضي شارك فيه نحو 20 ألف عداء بمشاركة عدد من فاعليات وسياسيي طرابلس والقادة الأمنيين وطلاب المدارس وهيئات المجتمع المدني الطرابلسية.

ووضعت النيابة العامة العسكرية أمس، برئاسة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر يدها على الأحداث الحالية في الشمال وكلفت الشرطة العسكرية جمع المعلومات وإجراء التحقيقات الأولية، في حين أعلنت قيادة الجيش اللبناني، بناء على قرار صادر عن وزير الدفاع الوطني «تجميد مفعول تراخيص حمل الأسلحة (حمل سلاح، الصفة الخاصة والحيازة والاقتناء) في مدينة طرابلس بدءا من أمس وحتى إشعار آخر». واستثنت من التعميم «الحائزين على تراخيص حمل الأسلحة بصفة دبلوماسية، ومرافقي الوزراء والنواب الحاليين والسابقين ورؤساء الأحزاب والطوائف الدينية عندما يكونون برفقة الشخصية فقط». وحذرت قيادة الجيش من أن «كل مخالفة لأحكام هذا القرار تعرض مرتكبها لأشد العقوبات وبخاصة الملاحقة القضائية».

ورغم تراجع حدة الاشتباكات ليل الأحد – الاثنين، لم تعد الحركة إلى طبيعتها أمس في المدينة، حيث أغلقت مدارس عدة أبوابها في حين فتحت المحال التجارية والمصارف والمؤسسات العامة والخاصة أبوابها وسط أجواء حذرة. وخرقت رشقات نارية متفرقة ورصاص القنص محاور القتال التقليدية في منطقتي التبانة وجبل محسن، قبل أن يؤدي استهداف وحدة من الجيش اللبناني، أثناء عملها على توسيع انتشارها في المنطقة الفاصلة بين التبانة وجبل محسن الأمور سوءا. وأدى ذلك إلى مقتل عسكري وجرح 4 آخرين.

ونفذت وحدات الجيش اللبناني حملات مداهمة لتوقيف مطلوبين وتسيير دوريات وإقامة الحواجز الثابتة في أماكن التوتر والساحات والشوارع الرئيسة في المدينة. وبعد أن أعاد عناصر من الجيش اللبناني صباح أمس فتح طريق الملولة، التي تربط طرابلس بعكار، وتسجيل حركة سير خفيفة، أعاد وأغلقها ظهرا بسبب الاشتباكات وعودة القنص بين التبانة وجبل محسن.

ولم تمنع عودة الهدوء تدريجيا خلال ساعات النهار عشرات العائلات المقيمة في مناطق التوتر من النزوح إلى منطقة الضنية المجاورة في عكار، خوفا من تجدد الاشتباكات. وشوهدت عشرات السيارات تسلك صعودا الطريق الرئيسة التي تربط طرابلس بمنطقة الضنية وهي تقل عائلات وحقائب في طريقها نحو الضنية، للإقامة في بيوت مملوكة منها أو مستأجرة.

ويأتي تجدد هذه الاشتباكات بعد اجتماع برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، السبت الفائت، بحضور نواب ووزراء طرابلس والقادة الأمنيين، تم خلاله التوافق على تعزيز انتشار القوى الأمنية في المدينة ووضع خارطة طريق تحول من دون تجدد جولات العنف التي تشهدها طرابلس بين الحين والآخر.

وقال النائب في كتلة المستقبل سمير الجسر لـ«الشرق الأوسط»، إن الاجتماع «بحث في كيفية تهدئة الوضع في المدينة ومنع تجدد الاشتباكات، ووضع خارطة طريق للحد من تجدد المشكلات ولاستعادة الدولة هيبتها والمدينة لأمنها»، وأشار إلى أنه «أبدى خلال الاجتماع تخوفه من محاولة تفجير جديدة، لها خلفيات سياسية»، مبديا أسفه «لاستمرار استخدام طرابلس كصندوق بريد»، وأكد أن «الجيش اللبناني يتعاطى بحزم مع ما يجري»، لافتا إلى أن «المشاركين في الاشتباكات اليوم ليسوا المجموعات التي درجت عادة على القيام بأعمال مماثلة».

وتوتر الأوضاع في طرابلس بالتزامن مع اندلاع معارك مدينة القصير السورية، غير أن الجسر نفى الربط بين الحدثين، وقال: «لا صحة لهذا الكلام لأن الاشتباكات انفجرت من دون سابق إنذار بين الطرفين ولم يسبقها لا قنص ولا رمي قنابل، وبمجرد انتهاء الماراثون، اشتعلت من حيث لا ندري».

واعتبر الجسر أن «المستفيدين من إعطاء صورتين متناقضتين عن طرابلس (الماراثون والاشتباكات) ليسوا أهل المدينة بالتأكيد، حتى أن الناس الذين يقطنون في مناطق الاشتباكات يبدون رفضهم لما يجري».

ووضع وزير الشباب والرياضة في حكومة تصريف الأعمال فيصل كرامي أحداث طرابلس في خانة الرد على الاجتماع الأمني الذي عقد في سراي المدينة، والذي نتجت عنه خريطة طريق وضعت ضمن أولوياتها وقف العمل برخص الأسلحة، وضع خطة أمنية لتنفيذها في المدينة، زيادة كثير قوى الأمن الداخلي في طرابلس وتحديد يوم أمني أسبوعي لدهم المنازل وإلقاء القبض على المخلين بالأمن.

وفي موازاة دعوة كرامي إلى محاسبة كل من تسول له نفسه تعريض المدينة للخطر والفتنة، ناشد ميقاتي أبناء طرابلس عدم الانجرار مجددا إلى الفتنة التي يسعى البعض إلى نشرها في المدينة، مشددا في الوقت ذاته على أن الجيش اللبناني والقوى الأمنية يعملون بحزم لتوقيف المخلين بالأمن والعابثين بأمن المدينة.

وكان ميقاتي تلقى أمس اتصالا من الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية تمام سلام، الذي أبدى قلقه من الأحداث الأليمة التي تشهدها طرابلس. واطلع سلام من ميقاتي على الإجراءات التي يتم اتخاذها للحد من تفاقم التدهور الأمني وما يقوم به الأخير من مواصلة اللقاءات والمساعي مع القيادات السياسية في المدينة. كما اطلع ميقاتي هاتفيا من قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي على التدابير والإجراءات الأمنية التي ينفذها الجيش في طرابلس لضبط الوضع وتوقيف المخلين بالأمن.

وشدد ميقاتي على أن «الجيش اللبناني لديه الدعم الكامل من السلطة السياسية ومجلس الوزراء وقيادات طرابلس وفاعلياتها وأبنائها لاتخاذ ما يراه مناسبا من إجراءات لوقف الإخلال بالأمن، لا سيما وأن البعض يحاول مجددا العمل على انفلات الوضع الأمني واستخدام طرابلس ساحة لتصفية الحسابات السياسية».