غوردون براون يقترح تأسيس بنك تنموي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا

دعوة لـ«خطة مارشال» من أجل دفع اقتصاديات دول الربيع العربي في منتدى الدوحة

TT

اقترح رئيس الوزراء البريطاني السابق، غوردون براون، في مداخلته بمنتدى الدوحة أمس تأسيس بنك تنموي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفق خطوط البنك الإسلامي للتنمية، بحيث يتم تمويله من الدول المصدرة للنفط، ليقوم بتدريب الشباب وتأمين وظائف لهم، كما عارض بقوة إجراءات التقشف التي اتخذتها الحكومة البريطانية.

وقال براون «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منطقة غنية بالشباب، أعداد كبيرة منهم ممن يرغبون بإنشاء أعمال لهم، ولكن نسب البطالة مرتفعة».. نسبة النمو العالمي تقدّر بنحو 3 في المائة، في حين يجب أن تكون 6 في المائة، والاقتصادات الغربية لا تحقق أي نمو. وتابع قوله: «إننا عند نقطة تحول فريدة حيث إنه وللمرة الأولى يكون الإنتاج بمعظمه متركزا في الشرق في حين يكون الاستهلاك بمعظمه متركزا في الغرب»، وأضاف: «النمو أيضا لم يكن بالمعدلات المتوقعة، ولكن دول الخليج الغنية بالثروات الطبيعية قادرة على تغييره».

وأضاف: «حققت مصر نموا بنسبة 2.2 في المائة، والأردن 2.6 في المائة، والمغرب 2.4 في المائة، وتونس 3.6 في المائة، ولكن النمو في جميع هذه الدول يجب أن يتراوح ما بين 5 و10 في المائة سنويا». وأوضح رئيس الوزراء البريطاني السابق قائلا: «سوف نشهد في العقدين المقبلين طبقة وسطى عالمية، ربما مؤلفة من مليار شخص، ولكن ستضم بحلول عام 2025 عدة مليارات، وسنرى التمدن يغزو مزيدا من السكان، من 50 في المائة إلى 60 ثم 70 في المائة، وسنرى عدد من يملكون السيارات والمنازل يصل إلى ملياري شخص في توسّع لازدهار الطبقة الوسطى لم يشهد له التاريخ مثيلا وهذا سيشكّل نقطة تحوّل تاريخية في الاقتصاد العالمي وبالتالي لا بد لنا من التعاون الدولي لضمان النموّ».

ومن جانبه قال وزير الاستثمار السوداني مصطفى إسماعيل وزير الخارجية الأسبق إن الدول العربية استغلت القضية الفلسطينية لاستغلال شعوبها تحت شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» الذي اتخذته النخب الحاكمة ذريعة لقمع وضرب كل حركات التحرر العربية المطالبة بالإصلاح متهمة إياهم بالعمالة لإسرائيل أو الرجعية أو الإمبريالية.

وقال إسماعيل في منتدى الدوحة أمس، إن توريث الحكم والالتفاف على القوانين والدساتير كما حدث في سوريا ومصر واليمن وتونس وتزوير الانتخابات بالإضافة إلى ثلاثية الاستبداد والفساد والتبعية المذلة ساهمت في تحرك الشارع العربي في ربيعه.

وقال «إن دول الربيع العربي تواجه عددا من التحديات منها إنشاء دولة المؤسسات والقانون، والدستور ومبدأ الفصل بين السلطات والمحافظة على وحدة النسيج والمكونات الاجتماعية والثقافية والطائفية، وصيانة الحقوق المدنية، وحرية التعبير والتظاهر السلمي، وحق الشعوب في تقرير المصير، وتحقيق الأمن والاستقرار والمصالحة، ودور منظمات المجتمع المدني في دعم الإصلاح».

وأشار إسماعيل إلى أن المنطقة العربية لم تستفد من هذا التحول لأن الغرب تعامل معها بأنانية شديدة، وقبل باستمرار الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة لخدمة مصالحه وموقف من الانحياز إلى إسرائيل، ولم يبذل أي جهد عبر ما يسمى بالدبلوماسية الناعمة، لتحدث عملية الإصلاح في المنطقة، بشكل سلس كان من الممكن أن يجنب المنطقة أحداث العنف التي جرت أثناء الربيع العربي». وبينما تحدث الدكتور عبد العزيز بن عثمان بن صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث عن تخوفه من التدهور الأمني السياسي والأمني والاقتصادي واحتمال سيطرة المؤسسات العسكرية على السلطة بدول الربيع العربي، بل احتمال سيطرة الميليشيات المسلحة في ليبيا واليمن، مشيرا إلى احتمال إلغاء المسيرة الديمقراطية أمام حالة العجز والفوضى في قدرة هذه الأنظمة على إدارة شؤون البلاد، وعودة المؤسسات العسكرية قد تكون «بمطلب جماهيري»، لإخراج البلاد من حالة الفوضى والانفلات الأمني، وهنا ستقوم المؤسسات العسكرية بدور المنقذ للبلاد والضامن لوحدة أراضيه وأمن المواطنين. وعلى الجانب الآخر طالبت الباحثة الدكتورة منى يعقوبيان مستشار شؤون الشرق الأوسط بمعهد ستميسون الأميركي، بمشروع مارشال لدعم دول الربيع العربي، يكون تمويله بدعم خليجي، لإعادة الأمن والاستقرار إلى دول الربيع، وتطرقت إلى خطة الجنرال جورج مارشال رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي الذي أصبح فيما بعد وزيرا للخارجية اقترح عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، مشروعا اقتصاديا لإعادة تعمير أوروبا، وبالفعل تم تبني المشروع وتم إنفاق 13 مليار دولار أميركي على مدار أربع سنوات بغرض تحديث الاقتصاد الأوروبي وإزالة العوائق من أمام التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والأسواق الأوروبية. وكان الأمر المدهش أنه بعد انتهاء فترة السنوات الأربع التي حددت لتطبيق المشروع، كانت المؤشرات الاقتصادية في الدول التي شهدت تطبيق المشروع تفوق مؤشراتها فيما قبل الحرب. وقد اعتبر مشروع مارشال أحد العوامل التي ساعدت على تحقيق التكامل الأوروبي فيما بعد والذي تبلور في إطار مشروع الاتحاد الأوروبي، وكانت استراتيجية أميركا، من وراء اقتراح هذا المشروع تقوم على أنها وإن كانت قد صنفت بعض الأنظمة في خانة الأعداء فإنها ليس من مصلحتها أن تخسر الشعوب أيضا، خاصة أن أجواء ما بعد الحرب قد شهدت تدميرا كاملا للاقتصاد الأوروبي، فضلا عن حالة من الكساد وانتشار الفقر والبطالة بشكل واسع، الأمر الذي وفر بيئة خصبة لانتشار الشيوعية بين الجماهير، وهو ما كانت تؤكده الخطط السوفياتية آنذاك. وعليه تدخلت الولايات المتحدة صاحبة الاقتصاد الوحيد الذي لم يتضرر بشكل مباشر بفعل الحرب، عبر هذا المشروع لإنعاش اقتصاديات أوروبا واجتذاب الجماهير الأوروبية.

وقالت يعقوبيان: «عندما تعبر السلع الحدود.. لا يعبر الجنود الحدود»، أي إن خطة مارشال العربية ستكون خير ضامن للأمن والاستقرار، بدعم خليجي، وكذلك مساهمة المصرف الأوروبي للتنمية. من جهته قال فريدريك كامب، الرئيس والمدير التنفيذي للمجلس الأطلنطي بالولايات المتحدة الأميركية، إن العالم العربي شهد قبل ثورات الربيع العربي حالة من الركود الاقتصادي. وأضاف كامب، في إحدى جلسات منتدى الدوحة، أن الدول العربية تحتاج لانتهاج نموذج شبيه بالنموذج الصيني، مشيًرا إلى أن العرب يحتاجون لتحقيق معدلات نمو تفوق الـ10% سنويا حتى يتمكنوا من مواجه الزيادة السكانية. وشدد على ضرورة الحد من العوائق الإدارية وتشجيع التجارة العالمية والاستثمارات، لافتا إلى أن العالم العربي يجتذب فقط 2% من الاستثمارات العالمية المباشرة وتتعلق بشكل أساسي بالسياحة والعقارات. وعبر أيان لوكاس، البرلماني البريطاني عن حزب العمال ووزير الظل للشرق الأوسط وأفريقيا، عن قلقه بشأن وجود مجموعات من الشباب المتعلم الذين لم يحصلوا على الوظائف الملائمة بالمنطقة. وشدد على أن العامل العربي يمتلك روح مبادرة رائعة رغم التحديات المطروحة، داعيا الشباب إلى إطلاق أعمالهم الخاصة، وفي ذات الوقت يجب القضاء على مشكلات البيروقراطية التي تعوق نمو الأفكار، لا سيما أن روح الابتكار والإبداع يمكن أن تزدهر بتلك المنطقة.

وركز المشاركون في اليوم الثاني من منتدى الدوحة بندوة «التحديات التي تواجه الديمقراطيات الجدية بالمنطقة» على دولة المؤسسات والقانون، والدستور ومبدأ الفصل بين السلطات والمحافظة على وحدة النسيج والمكونات الاجتماعية والثقافية والطائفية، وصيانة الحقوق المدنية، وحرية التعبير والتظاهر السلمي، وحق الشعوب في تقرير المصير، وتحقيق الأمن والاستقرار والمصالحة، ودور منظمات المجتمع المدني في دعم الإصلاح.

وأدار الندوة نيكولاس سومز وزير الدفاع البريطاني السابق، وشارك فيها حمزة يوسف وزير الشؤون الخارجية باسكوتلندا، ومنى يعقوبيان مستشار مركز ستميسون الأميركي، والدكتور مصطفى عثمان إسماعيل وزير الاستثمار السوداني وزير الخارجية الأسبق، والدكتور عبد العزيز بن عثمان بن صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث، والدكتورة روبين رايت الباحثة بمركز ودرو ويلسون بواشنطن.