مختصون يتوقعون فك ارتباط تسعير عقود الغاز بأسعار النفط

بفعل التوسع الكبير في إنتاج الغاز وما ترتب عليه من فائض

استخراج الغاز الصخري في ولاية نورث داكوتا الأميركية وقد أصبح الغاز والنفط الصخريين يلقيان بظلالهما على سوق النفط والغاز العالمية (رويتر)
TT

توقع مختصون بروز توجه عالمي نحو فك ارتباط تسعير عقود الغاز بأسعار النفط، معزين ذلك إلى التوسع الكبير في إنتاج الغاز الطبيعي وفائض الغاز، ما من شأنه فصل الارتباط التقليدي بين أسعار النفط والغاز.

وكانت قد جرت العادة بربط تسعير الغاز في السوق العالمية بسعر النفط، حيث إنه عندما ترتفع أسعار النفط تحذو أسعار الغاز حذوها، وعندما تزداد إمدادات النفط فإن أسعار الغاز تتراجع.

ومع ذلك، وعلى مدى الأعوام القليلة الماضية، من المتوقع أن يؤدي التوسع الكبير في إنتاج الغاز الطبيعي وفائض الغاز الناتج عن ذلك إلى فصل هذا الارتباط التقليدي بين أسعار النفط والغاز.

وفي هذا السياق، قال كريم ناصيف، مدير مساعد، تمويل البنى التحتية، «ستاندرد آند بورز» لخدمات التصنيف الائتماني، لـ«الشرق الأوسط»: «رغم استمرار الزخم في التحرك نحو فك الارتباط بين أسعار النفط والغاز، فإن هناك بعض القوى التي قد تحد من وتيرته على المدى القصير والمتوسط والطويل».

ويشمل ذلك، وفق ناصيف، تحديات تصدير الغاز الطبيعي المسال من أميركا إلى أوروبا، والأثر البيئي والتنظيمي غير المعروف على تكنولوجيا الصخر الزيتي، وأمن إمدادات الغاز، والأولويات الأساسية لدعم الطاقة النظيفة في أوروبا.

وأضاف إلى ذلك الاحتياجات الملموسة للطاقة في الأسواق الناشئة، مثل جنوب شرق آسيا، والسعودية، والإمارات العربية المتحدة، والتي تعتمد جميعها على الغاز كمصدر الوقود الرئيس لتشغيل مصانعها.

وزاد ناصيف أنه في ظل ازدياد إنتاج الغاز اليوم، فإن الأسعار التي ترتبط بالنفط لا تتوافق مع الطلب وأساسيات الإمداد، مبينا أنه في أوروبا، على سبيل المثال، أسعار الغاز المرتبطة بالنفط هي أعلى بكثير من الأسعار الفورية.

وتوقع أن يؤدي عدم التطابق هذا إلى خسائر كبيرة لدى بعض مستوردي الغاز، مبينا أنه على مدى العامين الماضيين سعى كثير من المستوردين الأوروبيين لإعادة التفاوض على عقود الغاز مع الموردين، بغية تجنب استمرار الخسائر، الأمر الذي يعزز وتيرة التوجه نحو فك الارتباط بين أسعار الغاز والنفط.

ويعود تنامي هذا التوجه، وفق ناصيف، إلى الفصل بين أسعار النفط والغاز بشكل رئيس، إلى التقنيات الجديدة المستخدمة خلال الأعوام الخمسة الماضية في إنتاج الغاز، وخصوصا الغاز الصخري.

وأكد أن التطورات التقنية أسهمت في تخفيض تكاليف التطوير وزيادة كفاءة الإنتاج، ما أغرق السوق الأميركية بالغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال، حيث تم على أثره فصل أسعار الغاز والنفط الخام بشكل فعلي في السوق الأميركية.

واتفق الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الحليم محيسن مع ناصيف في كل ما ذهب إليه، مبينا أنه حتى سنوات قليلة مضت كان القياس على أسعار النفط يشكل آلية التسعير السائدة في عقود التوريد طويلة الأجل، مشيرا إلى أنه نادرا ما كانت تستخدم آلية التسعير الفوري الصادرة عن مراكز التداول على شبكات أنابيب الغاز.

ووفق محيسن، فإن فصل سعر الغاز والنفط في أميركا يؤثر في أوروبا، مبينا أن الغاز الطبيعي المسال الذي كان يتوجه إلى أميركا، سواء من الشرق الأوسط أو من أي منطقة أخرى، أخذ يتجه على نحو متزايد إلى أوروبا وغيرها من الأسواق.

وتطابق رأي المستشار الاقتصادي محمد الحمادي مع ناصيف في أن نمو إنتاج الغاز الصخري في أميركا أدى إلى زيادة مخزون الفحم الذي يتم تصدير بعضه إلى أوروبا، حيث يوفر على المدى القصير وقودا فعال التكلفة لمصانع الطاقة.

وشكلت زيادة إمدادات الفحم والغاز، وفق الحمادي، ضغوطا على أسعار مراكز الغاز في أوروبا، حيث إنه انخفض الطلب على الغاز في الاتحاد الأوروبي بنسبة 10 في المائة بين عامي 2010 و2011، ومن المتوقع زيادة الضغط في عام 2013.

من جهته، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن باعشن، رئيس مركز الشروق للدراسات الاقتصادية في جازان السعودية، أن تراجع أسعار الغاز في أميركا الشمالية دفع المشترين الأوروبيين للغاز الطبيعي المسال إلى البحث عن تغييرات رئيسة في عقود الاستيراد الخاصة بهم.

واتفق مع ناصيف في أن العقود التقليدية الأوروبية لاستيراد الغاز على المدى الطويل، تسمح فقط بإعادة ضبط أسعار الأساس وصيغ المقايسة بالنفط كل ثلاث سنوات بناء على تغييرات السوق.

ولتجنب الخسائر، يسعى المستوردون الأوروبيون لخطوط أنابيب الغاز من روسيا والجزائر، الذين وقعوا على عقود مرتبطة بأسعار النفط، إلى إعادة التفاوض على عقودهم.

ووفق ناصيف، فإنه لجأ الكثير من المستوردين في أوروبا الوسطى والغربية إلى قضايا التحكيم الدولية وأعادوا التفاوض على عقود توريد طويلة الأجل مع مراجعة سعر الأساس خارج دورة المراجعة المعتادة.

ولفت ناصيف إلى أنه شملت بعض التطورات القانونية الأخيرة بشأن قضايا سعر الغاز الشركة الرائدة في إنتاج الغاز في قطر «رأس غاز»، مبينا أنه في سبتمبر (أيلول) 2012 حكمت محكمة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية ضد شركة «رأس غاز» في قضيتها مع الشركة الإيطالية «إديسون» حول التسعير المرتبط بالنفط في عقد اتفاقية بيع وشراء الغاز الطبيعي المسال على المدى الطويل.

وكانت قد قضت المحكمة بتعويض يبلغ نحو 450 مليون يورو تدفعه «رأس غاز» لصالح «إديسون»، كما تواجه «رأس غاز» حاليا قضايا تحكيم مع الشركتين الأوروبيتين «ديستريغاز» و«إنديسا» حول عقود تسعير الغاز.

وفي محاولة تعكس واقع السوق، وفق ناصيف، يتم تسعير كثير من العقود الجديدة في أوروبا بآلية التسعير الفوري من قبل مركز هنري الأميركي لتوزيع الغاز.

كما تسعى الاقتصادات سريعة النمو في آسيا للانتقال إلى آلية التسعير من مراكز الغاز في ظل ارتفاع تكاليف الوقود الذي يهدد النمو الاقتصادي، حيث تسهم آلية التسعير من مراكز الغاز في تخفيض كلفة استيراد الغاز الطبيعي لهذه الدول، مع التشديد على أهمية مراجعة صيغة التسعير النهائية في كل حالة.

وقال ناصيف: «رغم استمرار الزخم في السوق لفك الارتباط بين أسعار النفط والغاز، فإن (ستاندرد آند بورز) ترى أثرا ضئيلا على المدى القصير والمتوسط على تصنيفاتها لمزودي الغاز، والمرجح أن يكون أثرا ائتمانيا داعما للمستوردين جراء تمكنهم من خفض مستوى المخاطر في محافظهم بشكل كبير».

ورجح أن يكون بيع الغاز نشاطا منخفض الهامش نسبيا بالنسبة للمستوردين، مبينا أنه لم يتم ربط تصنيف مزودين مثل «رأس غاز» و«غازبروم» بارتفاع أسعار النفط الحالي، فضلا عن أن التصنيف يأخذ في الاعتبار درجة معينة من تقلب الأسعار في السوق.

وتعتمد تصنيفات «ستاندرد آند بورز» الحالية على السيناريو الذي يكون فيه سعر برنت على المدى المتوسط عند مستوى 80 دولارا للبرميل، وهو ما يقل 25 في المائة عن السعر الحالي، مع العلم أن استمرار التوجه نحو فصل الأسعار على المدى القصير والمتوسط يؤخذ في الاعتبار ضمن التقييمات.

وقال ناصيف: «إذا أخذنا (رأس غاز) كمثال، فمن المتوقع أن تبقى نسب تغطية خدمة الدين في مستوى مريح فوق x3 نظرا لتدني نقاط التعادل، وتستمر الشحنات دون انقطاع من (رأس غاز) إلى كل من (إديسون)، و(إنديسا)، و(ديستريغاز)، حيث مثل إجمالي الكمية المباعة للثلاثة مشتركين أقل من 20 في المائة من إجمالي مبيعات (رأس غاز) خلال 2011».

ونوه أنه رغم قيمة التعويض العالية في الحكم الصادر من محكمة التحكيم لصالح «إديسون»، إلا أن ذلك لم يؤثر في الأداء المالي العام لشركة «رأس غاز» في عام 2012، مشيرا إلى أنه لا يتوقع أن يؤثر فصل أسعار النفط والغاز على المدى المتوسط والطويل، في التصنيف الائتماني لشركة «رأس غاز».