ناخبون للمرة الأولى.. بين المتحمس والمقاطع في انتخابات إيران

طلاب في الخامسة عشرة أجدد الناخبين لاختيار الرئيس

TT

المدارس في إيران مغلقة، وعلى غرار المراهقين بجميع الأنحاء حينما يمنحون أوقاتا لأنفسهم، يحتشد الطلاب الشباب المشاكسون بالأماكن العامة في مجموعات منتشرة في كل مكان.

اقتربت من إحدى المجموعات، وطلبت الحديث معها عن الانتخابات الرئيسة المرتقبة: «مرحبا، هل أنتم ناخبون لأول مرة؟». فضحكوا مقهقهين ونظروا لبعضهم بحثا عن إجابة. ورد اثنان أو ثلاثة منهم قائلين: «لا نعرف». سألتهم: «متى ولدتم؟» فأجابوا: «1375» - أي عام 1996 ميلاديا.

يعتبر جميع الطلاب فوق سن الخامسة عشرة ناخبين محتملين لأول مرة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية هذا العام. فبينما تم رفع سن التصويت إلى 18 عاما لانتخابات عام 2009، وافق المجلس (البرلمان) على خفض سن التصويت مجددا.

ليس من السهل تحديد ما إذا كان عدم اهتمام الطلاب بالسياسة نابعا من عدم تنظيم المرشحين حملات انتخابية كافية أم من مناخ اللامبالاة السياسي السائد.

وفي هذا العام، مقارنة بانتخابات سابقة، هناك غياب واضح للملصقات الملونة التي كانت تظهر عادة على لوحات الإعلانات أو على الجدران أو حتى على أرصفة شوارع المدينة. وعلى عكس انتخابات عام 2009، لم يزين الناس سياراتهم بصور للمرشحين أو بشعارات أو رايات ملونة، ولا توجد الكثير من المناقشات أو المدح أو الذم للمرشحين في أثناء استقلالنا سيارات الأجرة أو جلوسنا في المقاهي.

ربما يقال إنه استنادا لكل المؤشرات حول مستوى حماس الناخبين للانتخابات، فإن تلك الثقة بنظام التصويت وقدرة الحكومة على إقناع الناس بأهمية العملية كلاهما مثار شك هذا العام. ومع ذلك، فعندما يستمع المرء إلى الطلاب، يجد أنهم جميعا يوضحون أسباب المشاركة (من عدمها) في الانتخابات.

وفيما يتعلق بالآراء المؤيدة للتصويت، يشير السواد الأعظم إلى أهمية وجود ختم التصويت في شهادات ميلادهم، وتأثيره على القبول بشكل أيسر في الجامعات، والتسجيل في الهيئات الحكومية، والتجنيد الإلزامي، فيما يعرب آخرون عن مخاوفهم بشأن الاقتصاد والبطالة ومعدل التضخم.

وتعتبر الطالبة هدية، وعمرها 16 عاما وتدرس تصميم الغرافيك بكلية أزاديغان بشمالي طهران، نموذجا للناخبة الشابة الإيرانية. ولدى سؤالها عن مشاركتها في الانتخابات اليوم، قالت إنها لن تصوت، لإدراكها أنه لن يتم احتساب صوتها وتفضل أن لا تهين نفسها.

أومأت صديقتها سمانة برأسها في إشارة إلى اتفاقها معها في الرأي قائلة: «لا أعتقد أن النظام سيتغير. وحتى إن تغير، فسوف يتطلب ثلاثة قرون ولن نكون موجودين». وبينما تشكو ثلاث فتيات شابات من الاقتصاد، تقول هدية بنبرة تنم عن إحباط إنه «لا يهم من سيفوز بمنصب الرئيس، لأنهم جميعا لا يسعون سوى لتحقيق مصالحهم الخاصة». وتضيف: «كل شيء عبارة عن لعبة. بغض النظر عمن سيأتي (ليشغل منصب الرئيس)، فلن يكون له أي تأثير، نظرا لأنه سيكون إما عاجزا أو غير عازم على صنع المعجزات. سيرغب المسؤولون عن الدولة في تدمير إيران ولن يرغبوا في أن تصبح قوة عظمى، ففي تلك الحالة، سيصبحون عرضة للمساءلة والمحاسبة ولن يتمكنوا من استنزاف موارد البلاد».

وتتفق سمانة معها في الرأي وتقول: «نشعر بغصة لأنه لم يعد أحد يعبأ بالانتخابات». وبدافع شعورها بالإحباط من الحديث عن السياسة، حولت موضوع المناقشة إلى انتشار إغلاق المقاهي والنوادي الترفيهية وتدخل الشرطة في الحياة الشخصية لأفراد الشعب.

وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات محددة متاحة عن الظروف الاقتصادية التي تواجه الأسر الإيرانية، تشير خارطة للفقر نشرها موقع Rah - e Daneshjoo الإلكتروني، إلى أن 44 في المائة من الأسر الإيرانية كانت تحت خط الفقر العام الماضي. ويعرف خط الفقر في إيران بأنه راتب قيمته مليون و800 ألف تومان أو أقل. في الوقت نفسه، يبلغ متوسط راتب الموظف الحكومي 700 ألف تومان شهريا.

وعماد، وعمره 15 عاما، وبوريا، عمره 16 عاما، طالبان يدرسان الرياضيات من جنوب طهران، ويتفقان في الرأي على أنه يتحتم عليهما الإدلاء بصوتيهما، ليس فقط لأنه «من الأفضل وجود ختم المشاركة في الانتخابات في شهادة الميلاد عن عدم وجوده»، ولكن أيضا لأنه في المستقبل، سيصبح بمقدورهما القول إنهما «أدليا بصوتيهما على الأقل» ولعبا دورا.

وبقراءة ما بين السطور في حديثهما، نجد أنهما يقران بأن الانتخابات «مهمة» بالنسبة لهما، وقد شاهدا جميع الحوارات المتلفزة ومعلوماتهما عن المرشحين تقتصر على ما سمعاه في تلك الحوارات. يرى عماد أنه، فيما يحتمل أن ينحصر الاختيار بين السيئ والأسوأ، فإنه يتحتم انتخاب شخص ما. ويقول إنه يحب بلده، ودفاعا عن مرشحه المفضل، يقول إنه خلال المناقشات «لم يضع دقيقتين من مدة الثلاث دقائق المخصصة له لإقامة الصلاة، بل تحدث بوضوح تماما وتجنب أيضا الرقابة الذاتية».

ينتقد بوريا المرشح المفضل لدى صديقه لأنه رجل دين، قائلا إنه إذا سافر رجل دين للخارج كرئيس، «فسيكون ذلك أمرا مخزيا، لأنه لن يكون مرتديا الزي الإفرنجي الرسمي».

ومع ذلك، يؤكد بوريا على أن مرشحه المفضل هو أفضل من يمكنه حل المشكلات الاقتصادية؛ كذلك، لم يتسن لمنافسيه في المناظرة إثبات أو حتى ادعاء أنه لم يقدم ما قد وعد به خلال الفترة التي تولى فيها السلطة.

وفي هذا العام، يوجد قرابة مليون وثلاثمائة ألف ناخب للمرة الأولى، يمثلون 4 في المائة من إجمالي أصوات الناخبين الصحيحة. في الوقت نفسه، لم تعرض الحكومة أو الحملات الانتخابية أي خطط لحشد الطلاب أو تعليمهم أو توجيههم للمشاركة في الانتخابات.

وكان وزير التعليم قد أعلن مسبقا أن المدارس بمختلف أنحاء الدولة لا يمكن أن تشارك في تنظيم حملات في الانتخابات الرئاسية وأنه سيتم فرض عقوبات على المعلمين ومديري المدارس في حالة ثبوت قيامهم بذلك.

إن الرقابة والسرية على نطاق واسع في وسائل الإعلام الخاضعة لسيطرة الحكومة والمعلومات الخاطئة وعدم المعرفة تعتبر من بين العوامل التي تحول دون إمكانية الوصول للمعلومات الحقيقية عن هؤلاء الشباب، وربما تعرقل تطورهم السياسي.

وعلى الرغم من أن هؤلاء الطلاب يقضون ساعات في تصفح الإنترنت وتعلم كيفية تفادي القيود المفروضة من جانب الحكومة عليه، فإنهم محرومون من إمكانية الوصول للمعلومات الدقيقة، بالنظر لأنهم لم يعتادوا استخدام اللغة الإنجليزية. يشاهد الكثير منهم المحطات التلفزيونية الفضائية، لكنهم ليس من المحتمل أن يستخلصوا أي معلومة مفيدة من البرامج الترفيهية والدعاية السياسية التي يتم بثها من قبل محطات تلفزيونية ناطقة باللغة الفارسية.

ومع كبر سنهم، سوف يجبرون على الرجوع إلى ذكريات تجارب الانتخابات الماضية، ربما من دون إدراك وجود سبل أخرى متاحة للقيام بالأمور. وفي أعقاب الشكوك التي أثيرت حول نزاهة انتخابات عام 2009، ظن البعض أنه من غير المجدي المشاركة في الانتخابات. إنهم يشتركون في الآراء نفسها مع توم ستوبارد، الذي يقول: «الديمقراطية لا تعتمد على التصويت، بل على مجموع الأصوات»، أو مارك توين، الذي يشرح ذلك بقوله: «حينما تختفي الحرية، إن كان التصويت سيصنع أي اختلاف، لن يسمح لأي شخص بالتصويت».

يتمثل أمر أساسي عادة ما يتم تجاهله في حقيقة أن المشاركين في السياسة في كل مرحلة ينبغي أن يكونوا مستعدين لها على الوجه الملائم. كما قال فرانكلين روزفلت: «التعليم هو الوسيلة الوحيدة لتبني الديمقراطية».

في إيران، يرى الإصلاحي محمد خاتمي، الذي شغل منصب الرئيس في الفترة ما بين عامي 1997 و2005، أن طرح التساؤلات وإعمال العقل شرطان أساسيان لمزاولة أي نشاط سياسي. وفي عام 1997، قال: «خلال القرون القليلة الماضية، كانت استجابتنا للثقافة الغربية ممثلة في التوقف عن طرح التساؤلات على الغرب لأسباب عدة. عدم طرح التساؤلات يفضي إلى عدم إعمال العقل والمنطق، الأمر الذي يؤدي إلى الخضوع الحتمي للآخرين.. الخضوع والتراخي والقمع ليس مصيرنا. إن من شيدوا واحدة من أعظم الحضارات في العالم ما زالوا قادرين على بناء حضارة أخرى، ما داموا يكرسون جهودهم لإعمال العقل وطرح التساؤلات».