الحريري: لبنان أمام «خطر وجودي».. وحزب الله أفسد العلاقات بين السنة والشيعة

في رسالة إلى اللبنانيين عدد فيها مخاطر الدور الذي يلعبه «وكيل إيران»

رئيس الحكومة اللبنانية السابق النائب سعد الحريري
TT

حذر رئيس الحكومة اللبنانية السابق النائب سعد الحريري من «خطر وجودي» باتت يهدد لبنان جراء ممارسات حزب الله، الذي يلعب الدور المطلوب منه والساعي لأن يكون شيعة لبنان «وقودا في حرب عبثية لا نهاية لها». ورأى أن «الإشارات التي يتم إرسالها حول الموقع المتقدم لحزب الله في المشروع الإيراني وتكليفه بمهمات تؤسس لرسم خرائط جديدة، في نطاق جغرافيا سياسية تشمل العراق والأردن إضافة إلى لبنان وسوريا، هي مهمات لا تفوق قدرة الطائفة الشيعية على تحملها فحسب، بل تفوق قدرات الدولة اللبنانية وطوائفها مجتمعة».

وقال: «لقد أفسد حزب الله الحياة الوطنية والعلاقات الأخوية بين اللبنانيين بما فيها العلاقات بين السنة والشيعة، وافسد العلاقات بين لبنان والدول العربية وكشف مصالح اللبنانيين على ارتدادات اقتصادية ومالية وسياسية، وافسد علاقات لبنان مع المجتمع الدولي». ولفت الحريري إلى أن «وطننا يحتاج، أكثر ما يحتاج في هذه المرحلة إلى كلمة حق في وجه سلاح ظالم، توقف المسلسل الإيراني وحروبه بدماء اللبنانيين على أرضنا».

ووجه الحريري أمس إلى اللبنانيين كلمة استهلها بالقول: «إن ما يواجه لبنان في المرحلة الراهنة يقترب من حافة الخطر الوجودي ويهدد رسالة لبنان وقيم التنوع الثقافي والمذهبي في العمق، الأمر الذي يحملني على دق ناقوس الإنذار، ليصل إلى مسامع كل اللبنانيين دون استثناء، وخصوصا إلى مسامع الفئات التي تضعنا في خانة الخصوم وترمينا أحيانا بتهم الخيانة والارتهان للخارج. لأن أشد ما أخشاه حيال الأوضاع التي تواجه لبنان وإصرار جهة سياسية بعينها (حزب الله) على عسكرة أحد المكونات الرئيسة في البلاد (الطائفة الشيعية) وإخراجه عن طوع الدولة وتوريطه في مهمات انتحارية، إن أسوأ ما أخشاه حيال ذلك أن يقع لبنان بكل مجموعاته الطائفية فريسة الضياع في صراعات أهلية ومذهبية، دون أن نجد من يعيننا هذه المرة، من الأشقاء والأصدقاء، على لملمة الجراح وركام الجنون الطائفي، أو أن يقع لبنان مجددا فريسة السقوط في مشروع مريب من مشاريع الهيمنة الخارجية بعد أن تحرر في انتفاضة عام 2005 من هيمنة النظام الأمني السوري».

وقال: «لقد حاولنا خلال السنوات الأخيرة أن نعمل مع الكثير من القوى السياسية الفاعلة على معالجة الواقع العسكري والأمني لحزب الله، وأن ندفع في اتجاه استراتيجية دفاعية تعيد الاعتبار لمكانة الدولة في مجال الدفاع الوطني، وتحفظ لحزب الله دوره وتضحيات شبابه في مواجهة العدوان الإسرائيلي، لكن قيادة حزب الله كانت تتحرك على وقع مشروع آخر، تعددت وجوهه الأمنية والسياسية والعسكرية في بيروت وطرابلس وصيدا والبقاع وجبل لبنان وكل المناطق التي تغلغلت فيها أجهزة الحزب وسراياه المسلحة، وصولا إلى إعلان الحرب على ثورة الشعب السوري واستباحة الحدود اللبنانية من خلال نقل آلاف المقاتلين المزودين بالآليات والسلاح المدفعي إلى الداخل السوري، على مرأى من السلطات اللبنانية الرسمية وأجهزتها الأمنية والعسكرية».

وأضاف: «لقد قرر حزب الله ومن طرف واحد أن يخترق كل الأصول والقوانين والقواعد التي ترعى الحياة الوطنية بين اللبنانيين، فأعطى نفسه، كحزب وكمجموعة طائفية مسلحة، حقوق الدول في اتخاذ القرارات المصيرية، دون أن يقيم أي اعتبار لحساسيات المجموعات التي يعيش معها والتي تشكل بالحد الأدنى من القواعد الشعبية أكثر من خمسين في المائة من الشعب اللبناني، فضلا عن استقوائه غير المسبوق بفائض القوة المسلحة التي يمتلكها». وأضاف: «حزب الله أطاح بكل ذلك دفعة واحدة، وقرر بلسان أمينه العام أن يكون السيد حسن نصر الله هو رأس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة، والسلطة التنفيذية التي تجيز فتح الحدود أمام آلاف المقاتلين للمشاركة في الحرب السورية، وكذلك السلطة التشريعية التي تصدر فتاوى الدفاع عن المقامات الدينية وأنظمة المقاومة والممانعة خارج الحدود. هذا الكلام ليس وصفا كاريكاتوريا للواقع السياسي في لبنان، بل هو حقيقة صارخة وجارحة لواقع الدولة اللبنانية التي ترزح منذ سنوات تحت وطأة الشروط وأعمال الترهيب التي يفرضها حزب الله، متخندقا في ترسانة مذهبية وعسكرية ومالية، نجحت على مدى أكثر من عشرين عاما في استقطاب الطائفة الشيعية وإغراقها بوهم القوة على الآخرين، لتكون رديفا مسلحا للحرس الثوري الإيراني على الساحة اللبنانية، ورأس حربة في مشروع مشرقي يشمل الكثير من دول المنطقة ويتم الترويج له بقيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية. هذا المشروع يطلب من الشيعة في لبنان أن يكونوا وقودا في حرب عبثية لا نهاية لها، ويريد للبنان أن يتحول إلى ساحة من ساحات الدفاع عن نظام بشار الأسد مع ما يترتب على ذلك من خطوط تماس لن تقتصر على حدود الطوائف في لبنان، خصوصا إذا رصدنا الأبعاد الاستراتيجية للمشروع الإيراني في المشرق العربي، والإشارات التي يتم إرسالها حول الموقع المتقدم لحزب الله في هذا المشروع وتكليفه بمهمات تؤسس لرسم خرائط جديدة، في نطاق جغرافية سياسية تشمل العراق والأردن إضافة إلى لبنان وسوريا، وهو ما نؤكد جازمين بأنها مهمات لا تفوق قدرة الطائفة الشيعية على تحملها فحسب، بل تفوق قدرات الدولة اللبنانية وطوائفها مجتمعة».

وشدد الحريري على أن «أقل ما يمكن أن يقال في المشروع الذي يأخذ حزب الله لبنان إليه أنه مشروع تدميري لن تنجو منه صيغة العيش المشترك والنظام الديمقراطي ووحدة الطوائف الإسلامية»، وقال: «لقد أفسد حزب الله الحياة الوطنية والعلاقات الأخوية بين اللبنانيين بما فيها العلاقات بين السنة والشيعة، وأفسد العلاقات بين لبنان والدول العربية وكشف مصالح اللبنانيين على ارتدادات اقتصادية ومالية وسياسية، وأفسد علاقات لبنان مع المجتمع».