تزايد الغضب السني في لبنان إزاء دور حزب الله في سوريا

غياب القيادة السياسية تدفع الطائفية إلى رجال دين كأحمد الأسير

TT

احتشد آلاف اللبنانيين السنة في ملعب لكرة القدم بمدينة صيدا الأسبوع الماضي، في مسيرة تندد بازدياد دور حزب الله في الحرب السورية، لكن برغم الدعوة إلى مسيرة جديدة لا يزال السنة اللبنانيون يفتقدون قائدا يدير الدفة ويعانون من الانقسامات ومجبرون على خفض صيحاتهم المنادية بالحرب.

كان حزب الله اللبناني، الذي يتمتع بقوة سياسية وعسكرية، قد تعهد بتقديم الدعم الكامل والشامل للرئيس بشار الأسد، في حرب ضد قوات الثوار السنية، الأمر الذي يعمق الانقسامات الطائفية في لبنان. لكن في الوقت الذي يوجه فيه الشباب السنة الاتهام لحزب الله بشن حرب ضد أشقائهم في سوريا، برزت حدود قدرتهم على الرد.

وكانت موجة الاغتيالات التي طالت رموزا سياسية معارضة لحزب الله والنفوذ السوري في لبنان، أبرزها رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري عام 2005 قد أضعفت القوة السياسية للسنة على مدى العقد الماضي. كما انحسر نفوذ سعد الحريري، الذي قاد جبهة المستقبل، الحزب السياسي السني الأبرز في لبنان، بعد انتقاله للعيش خارج لبنان لأسباب أمنية.

لم يستطع أحد ملء الفراغ بعد، تاركا السنة اللبنانيين دون قائد قادر على توحيد معارضة ذات مصداقية ضد حزب الله أو تهدئة الشارع السني. وفي غياب قيادة سياسية تتمتع بالشعبية، يتطلع الشباب السنة إلى شخصيات مثل رجل الدين الشهير في صيدا، أحمد الأسير، الذي سلطت عليه الأضواء العام الماضي مع تأجج المشاعر المعادية للشيعة والحديث عن الحرب مع حزب الله. ولكن في ظل القيود السياسية والعسكرية المفروضة عليهم، يتوقع محللون أن ينفس السنة عن إحباطهم عبر استمرار الاشتباكات المتقطعة والتفجيرات وإطلاق الصواريخ.

ولم تتمكن المظاهرة «الرافضة للطائفية» ضد حزب الله في وسط بيروت من اجتذاب الكثير من أحزاب لبنان الليبرالية. لكن الجماعة الإسلامية، التي تنتمي إلى تنظيم الإخوان المسلمين، قدرت أعداد المشاركين في المظاهرة التي نظمتها في صيدا بنحو 10.000 شخص.

كانت أجواء احتفالية أكثر منها مظاهرة، حيث اجتذبت عائلات وأطفالا وانتشر بائعو الحلوى في المكان، لكن الغضب لم يكن بعيدا عن السطح.

ارتفعت الأصوات بالأناشيد في المساء من المدرجات المكتظة حيث عبر المتظاهرون عن تضامنهم مع إخوانهم السنة في سوريا: «من صيدا إلى القصير إلى حلب، سلام عليكم»، وقال أحد المتحدثين خلال صيحات الحشود الذين حضروا المظاهرة: «الآن يستعد بشار الأسد ومقاتلي حزب الله للهجوم على حلب. وسوف تكون حلب مقبرتهم».

في وقت متأخر من تلك الليلة ظهر شباب ارتدوا عصابات الرأس كتب عليها بخط سميك لفظ الشهادة، لكنهم ما لبثوا أن غابوا وسط الحشود.

كان الأمن في الخارج دليلا على حساسية التجمع في المدينة التي يعيش فيها الشيعة والسنة جنبا إلى جنب. فإلى جانب العشرات من الحراس الذين ارتدوا ملابس الجماعة الإسلامية السوداء، احتشد رجال الشرطة وقوات الجيش اللبناني في المنطقة، في حين وقفت 10 ناقلات جند مدرعة في صف بالشارع.

وقال عبد الرحمن بديع، سني يبلغ من العمر 20 عاما ويحمل راية سوداء تحمل عبارة «الله أكبر»، إنه جاء للاحتجاج على تدخل حزب الله في سوريا، الذي قال: إنه يشكل أيضا خطرا على السنة في لبنان.

وقال عبد الرحمن «ينبغي أن نحصل على السلاح أيضا، لأننا من دونه سنقتل. علينا أن نكون على استعداد، فنحن لا نعرف متى سيحول حزب الله بنادقهم إلى صدورنا. كنا نعتقد أننا نملك القوة، ولكننا الآن أدركنا مدى الضعف الذي نحن فيه. نحن بحاجة إلى توحيد الصفوف».

لكن هذا الاحتمال مستبعد. فرغم وصف المسيرة في وسائل الإعلام اللبنانية أنها نظمت من قبل الجماعة الإسلامية والأسير، إلا أن الشيخ الأسير لم يحضر المظاهرة في ظل وجود شائعات عن وقوع خلاف بين الأسير والجماعة الإسلامية.

وتقول إسراء، منظمة الحدث التي لم ترغب في نشر اسمها الأخير لأنها لا تحمل تصريحا بالحديث إلى الصحافة: «السنة تجمعهم عاطفة واحدة، ولكنهم ليسوا كذلك على الصعيد العملي. فالشباب غاضبون من عمليات الإبادة الجماعية التي يقوم بها حزب الله في سوريا. نحن نبحث عن قائد، لكننا لم نعثر عليه بعد».

وفي الوقت الذي يتبارى فيه السنة لتوحيد صفوفهم، يحظى حزب الله، الذي يتلقى التمويل والسلاح من إيران، بدعم بعيد المدى بين الشيعة اللبنانيين. ويقول عماد سلامي، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية: «يحظى الشيعة في لبنان بداعم إقليمي سياسي قوي، في الوقت الذي يفتقد فيه السنة وضعا مشابها، فهناك الكثير من الدول السنية ذات الأجندات السياسية المختلفة التي تتصارع على النفوذ».

يعاني السنة في لبنان من ضعف عسكري في مواجهة حزب الله، الذي يملك قوة مقاتلة تفوق بشكل عام قدرات الجيش اللبناني.

لا يزال مستقرا في الوعي الجماعي للطائفة السنية ذكرى هزيمتهم اللاذعة عام 2008 في الاشتباكات بين مقاتلي حزب الله وأنصار الحريري، عندما استولى حزب الله على شوارع بيروت الغربية التي تقطنها أغلبية سنية. وقال سلامي «حزب الله منظم عسكريا، ويتلقى تمويلا وتسليحا جيدا يجعل من غير المرجح قدرة مجموعة أخرى أقل لا تتمتع بنفس قوة السلاح والتنظيم والمهارات على تغييرها، لكن هذا ليس بالعامل الذي يمنع الحرب في لبنان، لأن الحروب لا تخاض جميعها في الخنادق. فقد نرى حرب السيارات المفخخة والاغتيالات وعمليات الخطف».

لقد بدأ ذلك بالفعل إلى حد ما. هدد الجيش السوري الحر بالرد على حزب الله في لبنان وزادت وتيرة سقوط صواريخ على منطقة سهل البقاع التي يسيطر عليها الشيعة منذ إعلان حزب الله نهاية الشهر الماضي عن مشاركته في القتال في سوريا إلى أن يتحقق النصر. وخلال الأسابيع القليلة الماضية، اتهم سكان حرمل الشيعية سكان عرسال، وهي بلدة للسنة في التلال الحدودية التي تبعد بضعة أميال عن سوريا، بإطلاق صواريخ عليهم. واتهم مسؤولو عرسال مقاتلي حزب الله بقتل شقيق عمدة البلدة السنية وهو ما يبدو عملا انتقاميا بعد سقوط وابل جديد على حرمل يوم الثلاثاء. لقد هز القتال بين مؤيدي وأنصار الأسد مدينة طرابلس، في الوقت الذي تجددت فيه اشتباكات في ضواحي بيروت يوم الثلاثاء. هناك مخاوف من إذكاء تعليقات شخصيات دينية إقليمية بارزة اللهيب.

ودعا الشيخ يوسف القرضاوي، أحد رجال الدين المنتمين إلى الإخوان المسلمين والذي يتابع خطبه التلفزيونية عشرات الملايين من المشاهدين، إلى الجهاد ضد حزب الله والأسد مؤخرا. وأثنى مفتي المملكة العربية السعودية، أحد أبرز الشخصيات الدينية في ذلك البلد، على موقفه. وقال محمد، وهو رجل يبلغ الخمسين من العمر، في إحدى المؤتمرات الجماهيرية في صيدا: «لقد بدأت الحرب الطائفية». وأوضح أنه خدم لمدة 25 عام في الجيش اللبناني وطلب عدم ذكر اسمه بالكامل بسبب التوترات الطائفية التي تشهدها المدينة. وأضاف: «يمتلك السنة سلاحا، لكن لدى حزب الله أطنان لا تقارن من الأسلحة».